الدكتور محمد حرز: المؤمن يبنى ولا يهدم ويزرع ولا يقطع.. وهذا سبيل تقدم الأمم
لعظم الزرع شبه الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة فى ثباتها
أكد فضيلة الدكتور محمد حرز من علماء الأزهر والأوقاف أن الاهتمام بالزراعة مظهر حضارى من مظاهر الإسلام.. يدل على فهم المجتمع لسنة الله فى خلقه، وأنها سبب من أسباب تقدم الأمم.. والعمل بها واجب شرعى ومطلب وطنى لرفعة مصرنا الغالية.. مشيرا أن المؤمن يبنى ولا يهدم.. ويزرع ولا يقطع.. ويسبح الله بلسانه.. ويصغى إلى تسبيح مخلوقاته.. مشددا أن الزراعة إحدى ركائز النهضة الاقتصادية فى مصرنا الغالية.. وهى ونهر النيل نعمة تستحق منا الشكر.. داعيا الى إيجاد الزارع المجد.. ونهضة زراعية دائمة تنعم بها بلادنا الحبيبة.. تفاصيل ما سبق نورده فى سطور حوارنا التالى...
حول ضرورة احتياجنا للزارع المجد يقول فضيلة الدكتور محمد حرز من علماء الأوقاف: بداية ما أحوجنا إلى الزارع المجد، فبدون الزراعة لا وجود لتجارة ولا لصناعة، وخاصة ووزارتنا تهدف إلى تشجيع التجارة والصناعة والزراعة كل هذا من أجل وأخيرا: الزراعة سبب لتقدم الأمم، فالمحافظة على وطننا مصر الغالية من أجل رفعتها ونهضتها وتقدمها فى جميع المجالات التجارية والصناعية والزراعية، وخاصة ولا يخفى على أحد ما يمر به العالم اليوم من ارتفاع للأسعار أرهق الناس حتى فى نومهم، ليكون هذا دافعا للمحافظة على مصرنا، وعلى عدم العبث بأمنها واستقرارها فى زمن الأزمات المالية والاقتصادية الرهيبة التى يمر بها العالم لنثبت للدنيا كلها أن مصرنا الغالية بفضل الله أولا ثم بفضل قيادتها الحكيمة ورجالها المخلصين قادرة على تحدى الصعاب والوصول بها إلى بر الأمان، خاصة والزراعة سبب من أسباب تقدم الأمم والشعوب.
وعن الزراعة فى الإسلام يقول فضيلته: الاهتمام بالزراعة مظهر حضارى من مظاهر الإسلام يدل على فهم المجتمع لسنة الله فى خلقه، ومدى صعوده فى سلم الحضارة الإنسانية، والزراعة مهنة الأنبياء والمرسلين: فآدم أبو البشر -عليه السلام- كان فلاحا يحرث الأرض ويزرع بنفسه، وتساعده زوجته حواء فى جميع الأعمال التى تتطلبها مهنة الزراعة.
والله جل وعلا جعل حياة الناس على وجه الأرض مرتبطة بالنباتات أى بالزراعة، فهى تتغذى من الأرض، والإنسان والحيوان يتغذيان من النبات، ثم يتغذى الإنسان من بعض الحيوانات، وليس باستطاعة الإنسان أن يتغذى من الأرض مباشرة، وحيثما عدم الغرس والشجر عدمت الحياة، لذا كان من رحمة الله أن أنبت لنا الزرع والشجر لتكون هذه الأرض صالحة لحياة البشر عليها، قال تعالى: (هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) أى ترعى أنعامكم ودوابكم، وقال تعالى: (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون) بل جعل الله فى النبات جمالا وتنوعا لتطيب حياة الناس، قال تعالى: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون. وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون. ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون. سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)
والزراعة مهنة من أجل المهن، وحرفة من أعظم الحرف،وآية من آيات الله، وسبيل لترسيخ الإيمان فى القلوب، ودليل على وحدانية الله عز وجل، يقول الله سبحانه: {أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} وتعدد أنواع الزرع آية من آيات الله: فهذا حب، وهذا ثمر، وهذا زهر، وهذا عشب، وهذه فاكهة وهذه خضر، وهذا معروش، وهذا غير معروش قال ربنا {فلينظر الإنسان إلى طعامه* أنا صببنا الماء صبا* ثم شققنا الأرض شقا* فأنبتنا فيها حبا* وعنبا وقضبا* وزيتونا ونخلا* وحدائق غلبا* وفاكهة وأبا* متاعا لكم ولأنعامكم}.
اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله
يضيف فضيلته أن اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله: قال جل وعلا {وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن فى ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}، والزرع دليل حى على زوال الدنيا: قال جل وعلا {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون}.
بل لعظم الزرع شبه الله كلمة التوحيد بالزرع فى ثباته واختلاعه فضرب الله عز وجل المثل للكلمة الطيبة أو الخبيثة بالزرع لمكانته وأهميته {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء* تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } [إبراهيم 24-26]،وضرب الله المثل للذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله بالزرع لمكانته وفضله فقال جل وعلا { مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } البقرة 261بل ضرب الله دليلا على عظم الجنة بالزرع كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى [ «إن فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلها مئة عام»قال أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم : {وظل ممدود} (الواقعة: 30 صحيح ابن حبان) بل شبه النبى [ المؤمن بالنخلة أى بالزرع للنفع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله [: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم، فحدثونى ما هي، «فوقع الناس فى شجر البوادي، قال عبد الله ووقع فى نفسى أنها النخلة فاستحييت.
ثم قالوا: حدثنا ما هى يا رسول الله، قال: هى النخلة»، ولقد فهم الصحابة مغزى هذا التوجيه الكريم، وطبقوه فى حياتهم العملية بكل إخلاص طمعا فى ثواب الله، وعمارة للأرض، ورخاء للإنسانية، فقد غرس الصحابى أبو الدرداء شجرة جوز، وهو شيخ طاعن فى السن، فسأله احدهم: أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير وهى لا تثمر إلا بعد كذا وكذا من السنين؟ فأجابه أبو الدرداء: وماذا على أن يكون لى ثوابها ولغيرى ثمرتها؟.....وكان شعارهم: غرس لنا من قبلنا فأكلنا، ونحن نغرس ليأكل من بعدنا، لذا حثنا النبى [ على الزراعة والغرس فعن أنس –رضى الله عنه– قال [: (ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)، وقال رسول الله [: (إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)، بل أخبر رسول الله -[- أصحابه عن رجل من أهل الجنة ويتنعم بنعيمها يطلب من الله تعالى أن يزرع فى أرضها، الله أكبر فيسأله الله تعالى أليس لديك جميع ما تحب وتشتهى من الطعام والشراب وأصناف النعيم، فلماذا تحتاج إلى الزرع، فيقول: إنه يحب ذلك فيبذر البذور فى أرض الجنة، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: إن النبى [ كان يوما يحدث -وعنده رجل من أهل البادية-: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه فى الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكنى أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم؛ فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا؛ فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك النبى [).
بل الصدقات الجارية التى يبقى أجرها بعد الموت وكأن العبد ما زال مستمرا فى فعلها الزراعة ياسادة فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله [: «سبع يجرى للعبد أجرهن، وهو فى قبره بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته)، وكفى بالمزارعين شرفا أن الله عز وجل قد شبه بالزرع خير البرية [ وأصحابه، فقال عز وجل:{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } الفتح: 29. فالزراعة شرف، الزراعة عبادة، الزراعة صدقة، الزراعة حياة .
الزرع دليل على وحدانية الله
ويؤكد فضيلة الدكتور محمد حرز أن الزرع آية من آيات الله ودليل على قدرة الله وعظمة الله ووحدانيته، وكيف لا؟ فالزرع يسبح الله ويذكره قال جل وعلا{تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} وكيف لا؟.والزرع يصلى ويسجد لله قال عز وجل: {والنجم والشجر يسجدان}، والزرع فيه زكاة: {وآتوا حقه يوم حصاده}، وكيف لا؟ والزرع شهد لنبى الإسلام [ بالنبوة والرسالة فهذا هو الجذع يئن ويحن لفراقه [ فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه يقول: «كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبى [ إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبى [ فوضع يده عليها فسكنت») وهذه شجرة بنص السنة النبوية تشهد لنبى الإسلام بالصدق والرسالة فعن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله [ فى سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا قال له النبى [: أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك فى خير؟ قال: ما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، قال: من شاهد على ما تقول؟ قال: هذه الشجرة. فدعاها رسول الله [، وهى بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدا حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها)، وكيف لا؟ والزرع دليل على قدرة الله على البعث وإحياء الموتى وردا على منكرى البعث قال جل وعلا (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيى الموتى وهو على كل شيء قدير)، وكيف لا؟ والزرع دليل على وحدانية الله، والزارع الحقيقى هو الله {أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} قال جل وعلا(ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذى أحياها لمحيى الموتى إنه على كل شيء قدير).
الزراعة سبب لتقدم الأمم
ويوضح فضيلة الدكتور محمد حرز أن الزراعة سبب لتقدم الأمم وأن الله جل وعلا كما مهد الأرض رسم طريق السعادة للبشر على وجهها، فمن أطاعه سعد، ومن عصاه شقي، قال ربنا (فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى* ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)، وهكذا تكون السعادة بالاستفادة مما خلق الله فى الأرض، وبطاعته عز وجل فى التصرف على وجه الأرض، والزراعة سبب من أسباب تقدم الأمم والزراعة لمن عمل بها واجب شرعى ومطلب وطنى لرفعة مصرنا الغالية، الكل مطالب به ومحاسب عليه بين يدى الله جل وعلا، فالمؤمن يبنى ولا يهدم، ويزرع ولا يقطع، ويسبح الله بلسانه، ويصغى إلى تسبيح مخلوقاته، وبعكس هذا الكافر الجاحد، الذى قال الله عنه: (وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)، فلا تقصر فى حق زرعك؛ لأنك إذا قمت بواجبك نحوه كنت من المقربين إلى الله عز وجل، ونصرت بلادك ومجتمعك على أعدائه، فلا توقعه فى حرج مد اليد إليهم، واستيراد السلع منهم، يقول الشعرواى رحمه الله: إذا أردنا أن تكون كلمتنا من رأسنا، فعلينا أن تكون لقمتنا من فأسنا، فكم من أمم تقدمت بسبب إتقانها للزراعة، وكم من أمم تأخرت بسبب عدم الإتقان فى الزراعة، والإنتاج الزراعى بمختلف أنواعه يعتبر إحدى ركائز النهضة الاقتصادية فى مصرنا الغالية.
فالزراعة سبب لتقدم الأمم والشعوب، والزراعة نعمة تستحق منا الشكر، ونهر النيل نعمة تستوجب منا الشكر، وصدق ربنا إذ يقول {وفجرنا فيها من العيون (٣٤) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } يس ٣٥، وصدق ربنا إذ يقول{هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}، حفظ الله مصر من كيد الكائدين، وشر الفاسدين وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين، واعتداء المعتدين، وإرجاف المرجفين، وخيانة الخائنين.