فى مؤتمر صحفى عقده فى طوكيو، وفى حضور رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، تخلى الرئيس الأمريكى جو بايدن عن الدبلوماسية، وقال ردًا على سؤال من أحد الصحفيين عن موقف أمريكا إذا غزت الصين تايوان كما فعلت روسيا مع أوكرانيا: إننا سندافع عن تايوان عسكريا، إذا تعرضت لغزو من بكين!
تخلى الرئيس بايدن عن الدبلوماسية المعتادة فى مثل هذه المواقف، وكشف عن الإستراتيجية الأمريكية السرية فى مواجهة الصين، أما الصين فسارعت إلى الرد بحسم: لا مجال للتهاون فى أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها.
دبلوماسيو البيت الأبيض حاولوا التخفيف من تصريحات الرئيس بايدن، بأن السياسة الأمريكية تجاه الصين لا تزال قائمة على اعتبار «صين واحدة» لكن الرسالة الحقيقية كانت واضحة فى كلمات الرئيس بايدن، لا تحتاج إلى تفسير دبلوماسى، خصوصا أنه يشارك فى قمة كواد التى تضم الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، واليابان، والهند، وهو تحالف بدأ إغاثيا بعد كارثة تسونامى التى ضربت شواطئ المحيط الهادى عام 2004، لكنه تحول إلى تحالف إستراتيجى لمواجهة نفوذ الصين فى آسيا والمحيط الهادى.
فى نفس توقيت انعقاد القمة الرباعية، وفى تزامن مع تصريحات بايدن، كانت الصين وروسيا تجريان مناورات عسكرية مشتركة، ولزمن استمر 13 ساعة، وجرت المناورات فوق بحر الصين الشرقى، وبحر اليابان، وبالقرب من مناطق كوريا الجنوبية الجوية، وبدورها أرسلت اليابان طائراتها العسكرية إلى مناطقها الجوية لمراقبة المناورات، وكذلك فعلت كوريا الجنوبية، لتتحول سماوات شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادى إلى ألعاب دبلوماسية خشنة.
فائض الحروب يظهر واضحًا وكاشفًا، كما لم يكن من قبل فى أى عصر مضى.
يظهر فى التصريحات الأمريكية، والرد الصينى الروسى المشترك، واستعراض الأسلحة النووية الإستراتيجية، وذلك كله يشير إلى أن النظام الدولى القديم انتهى دون رجعة، وأن فائض الأسلحة، وفائض الذكاء الاصطناعى، واختراع المسيرات، وتصاعد الحرب السيبرانية، وإعادة اختراع الأسلحة البيولوجية، وولادة الأوبئة فى المعامل، يعنى أن هناك فائضا من حروب مرتقبة، مقرر لها أن تقع حسب تصور المخططين، لأهداف، لا يمكن أن تكون قد خطرت على قلب أى نظام عالمى من قبل.
كما أن النظام القديم، وقد مات الآن، كان قائما على تقسيم المعسكرات، شرقيا وغربيا، اشتراكيا ورأسماليا، علما بأن المعسكرين ينتميان إلى أوروبا وحدها، ولا تشاركها فيهما أى قارة أخرى، وما المسألة الأوكرانية إلا واحدة من المسائل الأوروبية - الأوروبية.
بينما تأتى تصريحات الرئيس بايدن عن المواجهة العسكرية مع الصين إذا غزت تايوان، وهى تختلف عن حالة أوكرانيا تماما، وإن تشابهت فى العرق والسلالة، ضمن سياق دبلوماسى وسياسى جديد، كل الجدة، على دبلوماسية العالم، فقد تخطت كل معايير معاهدة وستفاليا 1648، وهى المعاهدة التى على أساسها أنشئت الدول القومية التى نعرفها اليوم.
إذن هذه التصريحات الأمريكية من قائد البيت الأبيض تخطت ما يقرب من أربعة قرون من نظام دولى، كان يجدد فى خطوطه ضمن دائرة واسعة عنوانها معاهدة وستفاليا!
وستفاليا، جاءت بعد سفك دماء غزيرة، دماء أوروبية على وجه الدقة، والزمن يستعاد الآن على الأراضى الأوروبية، وما أوكرانيا إلا مجرد مسرح للتجريب، أما المسرح الأكبر، فسيشمل محيطات وسماوات مفتوحة، ولن تكون هناك تحالفات دول، بل تحالفات عرقيات وألسنة، ويبدو أن وستفاليا الجديدة ستصل بالعالم إلى شكل غير مسبوق.
وماذا عنا نحن العرب؟
العرب الذين لم ينخرطوا فى عالم وستفاليا من قبل، ولم يتسببوا فى حروبها المذهبية والطائفية والعرقية، عليهم أن يصبحوا رمانة الميزان فى النظام العالمى المرتقب، فهل نحن مستعدون للخطوة التالية؟ وهل نحن مستعدون لتفادى نظرية فائض الحروب هذه؟