كنت قد أشرت في مقال سابق إلى تلك الفجوة العميقة التي تعتري قانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة، وإحداثه لحالة الجدل المستمرة في مجتمعنا، وتكرار الأزمات الأسرية بجميع أطرافها وخصوصًا الأبناء، على الرغم من أنه وُضع ليكون منظمًا للتعامل الأسري القويم، وإذ تواجه العديد من الأسر مشكلات وأزمات متعددة بعد وقوع الانفصال بين الأب والأم، كان لابد أن يكون هناك تعديل شامل يواكب تطور الحياة ومجرياتها المتغيرة في ظل التوجه الشامل من قبل القيادة السياسية ومؤسسات الدولة والمواطنين أيضًا نحو عهد جديد يتسم بالتطلع إلى إعادة بناء الشخصية المصرية وهو تطلع قطعنا فيه أشواطًا وتخطينا صعوبات كثيرة، ولم نزل نواجه أزمات بكل إخلاص وشفافية ونية صادقة في مشهد لا يليق معه الاستمرار مع قانون للأحوال الشخصية عمره 102 عام؛ فهو موجود منذ العام 1920، وطبيعي أن يُصاب بركود ويتخلف عن خدمة المخاطبين بأحكامه.
ولأن المواطنين أمام القانون سواء والظروف قد تغيرت على مدار السنوات الماضية، وبعد أن أصبح القانون الحالي لا يتناسب مع الحياة، بل صار معوقًا لها وأصبحت الفوضى تتحكم بأمور الطلاق والزواج وإجراءات الحضانة والرؤية والنفقة وغيرها، ما أدى إلى أزمات عدة نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، كان واجبًا وملحًا وضروريًا البحث والوصول إلى قانون يدرأ الضرر الواقع على الحياة الشخصية للأفراد الذين يعانون مشكلات متكررة، والمراعاة التامة للحقوق والواجبات، واستهداف مصلحة الأسرة المصرية تحت مظلة قانون في الأساس يمثل ركيزة من ركائز النظم القانونية المعمول بها في شتى أنحاء العالم، ولذلك فقد سعت حكومات العالم إلى تطويره عبر السنين، ومن هنا جاء توجيه الرئيس السيسي بإجراء إصلاحات عاجلة لإشكاليات قضايا الأسرة وقانون الأحوال الشخصية، بتكليفه للقاضي الجليل عبدالله الباجا بتشكيل فريق من القضاة الأجلاء لتدشين حوار وطني مجتمعي قانوني حول قانون الأحوال الشخصية، وإمكانية تعديله بما يخدم الأسرة والمجتمع ويزيد الوعي الأخلاقي وينهي صراعات الرؤية والنفقة والطلاق، مؤكدًا -ونحن معه- أننا في حاجة لمناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية ودون مزايدة، وكما وعد فقد تم التحرك في هذا الأمر بمناسبة الجمهورية الجديدة.
وبالنظر إلى نسب الأسر التي حدث بها انفصال سنجد أنها زادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وكما تخوف الرئيس من توجه الشباب -نتيجة ذلك- للكفر بفكرة الزواج والأسرة، ويتم العزوف عن الزواج وتكوين الأسر، ألح في هذا الأمر بأن يكون هناك قانون ملزم للجميع لحل قضايا الأسرة، وأن علينا التكاتف والاستماع للآراء كافة؛ لحل هذا الملف بأمانة وحيادية، والخروج بقانون عادل، متزن وموضوعى يؤدى إلى استقرار الأسرة المصرية وحماية الوطن والأجيال القادمة، ولذلك يقوم على إعداد مشروع القانون في ثوبه الجديد عدد كبير من علماء الأزهر والحقوقيين، وأعضاء مجلس النواب، لوضع قانون عادل لا ينظر للرجل أو المرأة أو زوج أو زوجة، بقدر الانحياز لمصلحة الأطفال الذين يمثلون عماد المستقبل ولبنته الأساسية، ومن ثم لا يستوي هذا بتشوه نفسي نتيجة تفسخ العلاقات وتلك الأزمات الأسرية المؤلمة لهم، وذلك بالنظر إلى الموضوع من جذوره وبداياته بالنظر في المواد التي تعوق تحقيق عدالة وتنفيذ الأحكام، وتؤثر سلبًا على استقرار الأسرة، وأي مواد تهتم بمصالح الأسرة والتوازن وفهم واقع الأسرة المصرية، مثل مشاكل فترة الخطبة، وصولا إلى تأكيد الحقوق تحسبًا للطلاق، وكذا الحضانة وتنظيم تعدد الزوجات، معلقة: "بحيث يذهب الزوج المحكمة، ويعلن زوجته الأولى ويؤخذ برأيها، وإذا رفضت يتم البت في كل الأمور المتعلقة بين الزوجين"، وتأكيدًا على حقوق المرأة التي هي في أول المطاف وآخره قبل الزوجة أم وابنة وأخت، ولعلها فرصة جيدة ومواتية لتغيير مفاهيم المجتمع المغلوطة في بعض الشئون التربوية تجاه الأبناء واعتبار الولد أكثر أهمية من الفتاة، وعدم المساواة في المعاملة بينهما، مما ينشأ عنه تراكم نفسي سلبي؛ نتيجة شعور الرجل بامتلاكه السيطرة، سواء أكان الزواج قائمًا أو انتهى بالطلاق.
ولنكن جميعًا يدًا واحدة مسئولين وبرلمانيين ومجتمعًا مدنيًا ومواطنين، ودائمًا على أهبة الوعي، للخروج بملمح حضاري في هذا السياق؛ لأن المجتمع العقلاني المتحضر هو الذي يحافظ على بنية الأسرة، وبالأخص اللبنة الأولى في جدار المجتمع وهم الأطفال، حتى نضمن جميع حقوقهم، ونمنحهم الشعور الدائم بأن لديهم عائلة كبيرة وأسرة متواجدة في حياتهم قوامها الأم والأب.