لاتتوقف تداعيات تغير المناخ السلبية على ما هو معروف ومنظور على وجه الأرض سطح الكوكب فقط، بل تتجاوزها بشكل أكثر فتكا وخطرا على الكائنات البحرية التي تعيش دورة حياة ونظام غذائي متكامل تحت سطح البحار والمحيطات في أعماق مظلمة تتراوح مابين 4 إلى 10 كيلومترات.
ويتزايد حجم المخاطر تحت المياه، عندما نعلم ما قدره خبراء الأمم المتحدة، بأن حجم المناطق الواقعة داخل حدود الدول البحرية لا تغطي سوى 40% من نطاق سطح الأرض، أي أن نحو 60% من مساحات سطح الأرض وما تحتها هي في عداد المناطق المجهولة، ونظرا لوجود حياة في كافة أنواع المحيطات، فإن المناطق الواقعة خارج الحدود البحرية للدول، تمثل حوالي 95% من المناطق التي تعيش عليه الموائل وكافة أشكال الحياة على وجه الأرض، بمعنى أن ما يعرف بالمناطق داخل الحدود البحرية، أو ما يعرف ب "الولاية الوطنية"، لا تزيد على 5% من المكون المائي لكوكب الأرض.
وبالرغم من كل ما تمت دراسته حول ما يعرف العمود المائي، وقاع البحر، يحمل معرفة ومعلومات أقل بكثير من 1 إلى مليون منها، وما تم التوصل إليه هو فهم جزئي عن مدى تعقيد العمليات والمهام التي تقوم بها الكائنات والحياة البحرية ونظمها الإيكولوجية.
وأشار تقرير لخبراء الأمم المتحدة، بعنوان "التنوع البيولوجي البحري"، إلى أن المحيط العالمي يرتبط بشكل وثيق، مع الغلاف الجوي حيث يتأثر كل منهما بالآخر، ويرجح الخبراء أن يكون لتغير المناخ، مع ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة نسبة الحموضة لمياه البحار والمحيطات، آثار وعوائق سيئة للغاية لجميع النظم الإيكولوجية البحرية، وخاصة المناطق القطبية والشعاب المرجانية.
ومن المعروف أن العمليات الإيكولوجية في أعماق المحيطات تتم ببطء، وعلى سبيل المثال، فإن نمو الشعاب المرجانية بمقدار سنتيمتر واحد، يستغرق وقتا يبلغ نحو 15 عامًا. أما إذا تعطلت هذه العمليات، نتيجة تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، أو بسبب الصيد الجائر أو إحداث نشاط سياحي أو صناعي أو بترولي، فإن إعادة التعافي لهذا النظام الإيكولوجي في أعماق البحار والمحيطات سيكون بطيئا، كما يقلل من قدرة هذه النظم على الاستمرار.
وتتركز أهمية ما يعرف ب "التمثيل الضوئي" الذي أوجده وسخره "الله سبحانه.. الخالق البارئ المصور"، مرتكزا على أهمية وحيوية الإمداد العالمي من الأكسجين، وهو أساس كافة أشكال الحياة تقريبا في المحيطات.
ويشير خبراء البيئة وعلوم البحار، إلى أن هناك تسلسلًا بيئيًا ممتدًا من البر عبر المياه الخاضعة للولاية الوطنية، إلى المناطق خارج حدود تلك الولاية، حيث التجانس وامتداد الحياة للكائنات داخل النطاق الوطني إلى المناطق خارج هذا النطاق، أمر طبيعي فهو نسيج إيكولوجي واحد لايعرف المحلي منها من الدولي، كما يوفر منافع عديدة مثل الغذاء، للكائنات في الحياة البحرية التي تعيش داخل النطاق الوطني.
أما مخاطر الملوثات التي تحدث على البر في المناطق الوطنية، فحدث ولا حرج، حيث تتمدد وتنتشر هذه الملوثات، بما فيها الحطام والمخلفات البحرية، خلال دورة فنائها وتفاعلاتها، إلى المناطق غير الخاضعة للولاية الوطنية، لتصل إلى كائنات حية في مناطق واقعة خارج حدود الولاية الوطنية، وتؤثر عليها.
وتعد المخلفات والحطام البحري - الذي يتسبب 80% منها على البر - مشكلة معقدة، حيث يتفكك مكونا جسيمات دقيقة، وأخرى متناهية الصغر، تؤثر سلبا على الشبكة الغذائية، كما تعلق أجزاء من الحطام البحري في جسم الكائنات الأكبر حجما؛ مما يؤدي إلى غرقها وهلاكها.
والأمر المؤكد أن حل مشكلة تغير المناخ، هو في ذاته، إنقاذ للمخاطر التي تهدد الشعاب المرجانية.
يجمع خبراء التغير المناخي، وعلماء البحار، والمتخصصون في الشعاب المرجانية حول العالم، على أن البيئة البحرية، وشعابها المرجانية، تواجه حاليا آثارا كارثية ومخاطر حاضرة بسبب تغير المناخ، ويتوقع هؤلاء أن معدل تغير الظروف المناخية قد يتجاوز قدرة الشعاب المرجانية على التكيف والتعافي، والأخطر هو توقفها عن القيام بوظيفتها البيولوجية التكاملية في إنتاج الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
كثير من الأبحاث تشير إلى أن انخفاض أعداد قنافذ البحر تتيح للطحالب إمكانية إقصاء المرجانيات عن أماكن وجودها، و لتدارك هذه المخاطر المهددة للشعاب المرجانية، يرى تقرير الأمم المتحدة، ضرورة إنشاء مناطق محمية بحرية، وهو ما يساعد على التكيف والتخفيف، وينطوي التكيف على القيام جهود بحثية عالمية ومحلية لبناء قدرة النظم الإيكولوجية للمرجان على مواجهة تغير المناخ من خلال أنشطة من قبيل العمل على استعادة الشعاب المرجانية، وتحديد الأنواع القادرة على تحمل الإجهاد، والحد من الصيد الجارف.
ويعد إنشاء المناطق البحرية المحمية أفضل وسيلة للمحافظة على الشعاب المرجانية وغيرها من البيئات البحرية توفر مناطق حظر الصيد في المحميات البحرية، ملاذا آمنا يسمح بنمو أعداد الكائنات، وبالتالي لتجديد موارد البيئة البحرية المحيطة في العالم، شهدت نظم الشعاب المرجانية تراجعًا في مجملها، تشمل الإفراط في صيد الأسماك والتلوث، وزيادة نسبة الحموضة في المحيطات، كما تضررت 30% من الشعاب المرجانية في العالم بشكل حاد، ومن المتوقع فقدان ما يقرب من 60% منها بحلول عام 2030 بسبب عدم توفير الحماية لها.
أما في الداخل، فلعلنا نوفر الحماية لمحمياتنا، والتنسيق مع "اليونسكو" لكي ننقذ وكائناتها البحرية وشعابها المرجانية، للتخفيف من تداعيات تغير المناخ، وهو حديث الأسبوع المقبل بمشيئة الله.
[email protected]