في الوقت الحاضر، لا يزال وباء كورونا المستجد يتأخر في الانتهاء بل وتتسارع معدلات انتشاره، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على حياة الناس وصحتهم، وبدوره يؤثر تأثير خطير على تنمية الاقتصاد العالمي عند افتتاحه الدورة الخامسة والسبعين لجمعية الصحة العالمية في الثاني والعشرين من مايو، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أنه على الرغم من تراجع الحالات المسجلة وحالات الوفاة لوباء القرن الا ان جائحة «كوفيد-19» لم تنته بعد، كما أشار إلى أن ما يقرب من مليار شخص في البلدان منخفضة الدخل لم يتلقوا اللقاح بعد، كما أن التوزيع العالمي للقاح يشهد ثغرات كثيرة ومتفاوت بشكل خطير.
موضوعات مقترحة
على مدار العامين الماضيين، تبادل الشعبان الصيني والمصري المساعدات المختلفة ووقفا جنبًا الى جنب لمواجهة تلك الأزمة، ليصبحا نموذجًا للتعاون يحتذى به في المجتمع الدولي في مكافحة الوباء. حيث انه بناءً على الظروف الوطنية لكل منا، قمنا بصياغة سياسات مكافحة الوباء بما يتماشى مع الظروف الفعلية لبلداننا وحققنا نتائج ملحوظة ومبهرة. تلتزم الحكومة الصينية دائمًا بمبدأ منح أولوية للناس وحياتهم، ومنع دخول الفيروس من الخارج، والحد من الانتشار في الداخل؛ والتمسك بسياسة صفر (كوفيد) الديناميكية مع تعديل إجراءات الوقاية والسيطرة بشكل مستمر وفقًا لتطور الأوضاع، ليتم تحقيق إنجازات استراتيجية كبرى في مجال الوقاية من الأوبئة ومكافحتها.وقد سألني صديق مصري مؤخرا عن سياسة "صفر (كوفيد) الديناميكية"التي تنتهجها الصين، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأعطيكم نبذة عن تلك السياسة.
في البداية ما هو الصفر الديناميكي؟ إن "جوهر نهج صفر-كوفيد الديناميكي، هو الاكتشاف المبكر وتدابير الاستجابة السريعة لوقف الانتشار المستمر للفيروس ليس في المنطقة التي ظهر بها فقط ولكن منع انتشاره وانتقاله الى مناطق أخرى. ثانيًا، إن نهج صفر-كوفيد الديناميكي لا يسعى وراء بلوغ صفر إصابات بفيروس كورونا، ولكن يهدف إلى ضمان صحة وسلامة الشعب من خلال احتواء تفشي المرض من خلال الوقاية والمكافحة العلمية الدقيقة، بأقل تكلفة اجتماعية، للسيطرة على الوباء في أقصر وقت، وضمان حماية حياة الناس والحفاظ على صحتهم، وعودة عجلة الحياة والإنتاج الى طبيعتها، وتقديم مساهمات إيجابية في المكافحة الدولية ضد الوباء.ولنأخذ شنغهاي، أكبر مدينة في الصين كمثال؛ كمدينة عالمية يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، فإنه من خلال الالتزام بالسياسة العامة " الصفر الديناميكي "يمكن لمواطني شنغهاي كبح انتشار الوباء في أقصر وقت ممكن. في الوقت الحالي، تمت السيطرة على الوضع الوبائي في شنغهاي بشكل فعال، وتتحسن ظروف استئناف العمل والإنتاج يومًا بعد يوم. ومن بين أكثر من 9000 مؤسسة صناعية في المدينة، استأنف أكثر من 4400 العمل، كما تجاوز معدل استئناف العمل للدفعة الأولى المكونة من 666 مؤسسة نسبة 95٪.
لماذا تتمسك الصين بسياسية «الصفر الديناميكية» العامة؟ حددت الصين التزامها بسياسة " الصفر الديناميكية" من خلال ظروفها الوطنية الخاصة بها، وأيضا من اجل تحقيق الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني وهو خدمة الشعب بكل إخلاص.ان الصين دولة ذات تعداد سكاني كبير، بها عدد كبير من المسنين، ويشكل الصينيون البالغون من العمر 60 عاما فما فوق 18.7 في المئة من إجمالي السكان، وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوة في ظروف التنمية بين المناطق الحضرية والريفية، والموارد الطبية غير كافية نسبيًا.لذا إذا خففنا من أعمال الوقاية والسيطرة وتركنا الفيروس ينتشر، فسوف يتسبب حتما في إصابة عدد كبير من الأشخاص في فترة زمنية قصيرة، ومن ثم ستظهر أعداد من الإصابات ذات اعراض شديدة وسيزداد عدد الوفيات،وستواجه الرعاية والموارد الطبية خطرا جسيما، وسيقع اصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وكذلك الاطفال والحوامل وغيرهم من الفئات الضعيفة لوطأة من التهديدات الصحية الخطيرة؛ وبطبيعة الحال سوف يتأثر استقرار النمو الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير.وقد أصدرت مجلة "نيتشر" البريطانية تقريراً بحثياً يقول إنه إذا تخلت الصين عن " الصفر الديناميكية"، فقد يكون هناك 112 مليون حالة مؤكدة جديدة بين مايو ويوليو من هذا العام، مما سيتسبب في أكثر من 1.5 مليون حالة وفاة.
ما هي نتائج سياسة " الصفر الديناميكية" في أعمال الوقاية والسيطرة؟ منذ نهاية فبراير، في مواجهة الوباء المتحوراوميكرونومع زيادة قدرة الفيروس على الانتشار والتخفي بشكل كبير، تداخل وباء القرن المستجد مع الأوبئة المحلية الأخرى، وأصبح وضع الوقاية والسيطرة في شنغهاي وتيانجين وقوانغتشو وبكين وأماكن أخرى في الصين قاتما.تنفذ الحكومة الصينية سياسة " الصفر الديناميكية"، من خلال الرصد وعمل الاختبارات، التتبع النقل والعزل وغيرها، وذلك للحد من انتشار الوباء إلى أقصى درجة، وقد صمدت أعمال الوقاية من الوباء والسيطرة عليه في امام اشد الاختبارات شراسه بعد منذ حرب الدفاع ضد الوباء في ووهان، وحققت نتائج مرحلية ناجحة.في الوقت الحالي، تعيش معظم المناطق في الصين والغالبية العظمى من الناس وتعمل بشكل طبيعي، مثل مقاطعات شنتشنوتشانغتشونوجيلين والتي سيطرت بشكل فعال على انتشار الوباء. في الوقت نفسه، يظل معدل الإصابة ومعدل الوفيات في الصين هو الأدنى في العالم.
فقد كشفت دراسة نشرتها مجلة "ذي لانسيت" العلمية الطبية البريطانية، ان معدل الوفيات العالمية الزائدة 18.2 مليون، ويُقدر معدل الوفيات الزائدة بـ 120 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة على مستوى العالم، وان معدل الوفيات الزائدة في الصين هو 0.6 لكل 100.000.
إن تنفيذ الحكومة الصينية لسياسة " الصفر الديناميكية" ليس فقط لمسؤوليتها أمام الشعب الصيني، ولكن أيضًا لتحمل مسؤوليتها تجاه العالم؛ فهي لا تحمي حياة الناس وصحتهم فحسب، بل أيضًا تضمن سلامة السلسلة الصناعية وسلاسل التوريد العالمية، كما تعطي الاقتصاد العالمي قدرًا أكبر من اليقين.في عام 2021، تجاوز إجمالي حجم الاقتصاد الصيني 110 تريليون يوان، وازداد حجم الاستثمار بنسبة 14.9٪ على أساس سنوي، ليصل إلى مستوى قياسي، مما عزز مكانة الصين كـ "عامل استقرار" و "مصدر طاقة" في الاقتصاد العالمي. وفي الربع الأول من عام 2022، واصل الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني الحفاظ على نمو ثابت،وتوسع بنسبة 25.6 في المئة على أساس سنوي.
في مواجهة الاختبار القاسي الذي أحدثه الوباء، لم تتوقف أعمال بناء "الحزام والطريق"، بل تحركت أعمال البناء إلى الأمام عكس الريح، وأظهرت مرونة وحيوية قويتين.في عام 2021، وصل حجم تجارة السلع بين الصين والدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" إلى 11.6 تريليون يوان، بزيادة سنوية قدرها 23.6٪، وهو المعدل الأعلى منذ 8 سنوات، ويمثل 29.7٪ من إجمالي التجارة الخارجية للصين.في سياق الازدحام والتأخير في الموانئ الرئيسية في جميع أنحاء العالم بسبب الوباء، هنا ظهرت بشكل كبير مزايا قطارات الشحن الصيني - الاوروبي؛ ففي عام 2021، نجحت قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في تشغيل 15000 قطار شحن وإرسال 1.46 مليون حاوية، محققة زيادة بنسبة 22٪ و29٪ على أساس سنوي على التوالي، ومن خلال خدمات لوجستية مستقرة وموثوقة وفعالة دعمت بقوة "شريان" سلاسل الصناعات والتوريد العالمية.
على المستوى الثنائي، لم يتأثر التعاون البراغماتي بين الصين ومصر بشكل خطير بسبب الوباء، بل قام البلدان بتعاون وثيق في مكافحة الوباء.قدمت الصين لمصر أربع دفعات من المساعدات وأربع دفعات من اللقاحات على التوالي، وساعدت مصر في بناء خط إنتاج الكمامات، ووقعت اتفاقية مع مصر حول الإنتاج المحلي للقاحات في الصين، وأصبحت مصر الدولة الأولى في القارة الأفريقية التي تتعاون مع الصين لإنتاج لقاحات COVID-19، كما تم إطلاق مشروع بناء مرفق تخزين بارد لتخزين اللقاحات وحفظها بمساعدة شركة سينوفاكالصينية.
منذ تفشي الوباء، قامت الشركات الصينية في مصر بعمل جيد في أعمال الوقاية من الوباء، وضمنت التقدم المطرد لمشاريع التعاون بين الصينومصر، ما ساهم في استقرار دعامة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر. في 2021،ارتفع إجمالي حجم التجارة بين الصين ومصر بنسبة 37.3٪ على أساس سنوي ليصل إلى 19.98 مليار دولار أمريكي.في الآونة الأخيرة، تم بنجاح إنهاء أعمال بناء 20 مبنى شاهق قام بتشييدها الجانب الصيني في منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة لمصر. وقال عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان المصرية، إنه خلال فترة إنشاء المشروع، حافظ الجانبين المصري والصيني على ثقة وتعاون جيدين، وتغلبا بنجاح على العديد من التحديات التي جلبها الوباء المستجد.
في الوقت الحاضر، يتشابك الوباء العالمي مع تحديات القرن، في الوقت الحاضر، يتشابك قرن من التغيرات مع وباء القرن، وتواجه العولمة الاقتصادية تيارات معاكسة، ودخل العالم في فترة جديدة من التغيرات المضطربة، وأزمات الطاقة، وأزمات الغذاء، وأزمات سلاسل التوريد وغيرها من الأزمات واحدة تلو الأخرى؛ كما أدى الوباء إلى تفاقم حالة البلدان النامية، وتعرض جدول أعمال التنميةالمستدامة٢٠٣٠لانتكاسة شديدة.دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال كلمة القاها في المؤتمر الأخير للاحتفال بإحياء الذكرى الـ 70 لتأسيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية والقمة العالمية لتنمية التجارة والاستثمار، انه يجب إعطاء الأولوية لحياة الناس وصحتهم، ودفع التعاون الدولي في مجال أبحاث اللقاحات وتطويرها وإنتاجها وتوزيعها، وتعزيز حوكمة الصحة العامة العالمية، وبناء خطوط دفاع متعددة ضد الوباء، وتعزيز بناء مجتمع صحة الإنسان. وفي الوقت نفسه، يتعين على جميع الدول تنسيق أعمال الوقاية من الوباء ومكافحته، وتعزيز تنسيق سياسة الاقتصاد الكلي، ودفع الاقتصاد العالمي للخروج من اثار الأزمة في أقرب وقت ممكن.
أثبتت ممارسة الوقاية من الأوبئة ومكافحتها أنه لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع في عملية مكافحة الوباء. ومن هنا تحدد الحكومة الصينية وتنفذ سياسة " الصفر الديناميكية" بناءً على ظروفها الوطنية، وهي التي لن يعود نفعها فقط على الصين، ولكن على العالم أجمع.ستواصل الصين التركيز على الوقاية من الوباء وتحقيق النمو الاقتصادي في ذات الوقت، وتعزيز التعاون في مكافحة الوباء مع مصر ،والعمل معًا للفوز بالمعركة الصعبة للوقاية من الوباء ومكافحته ، وحماية صحة الإنسان ، وتقديم مساهمات أكبر لانعاش الاقتصاد العالمي والتضامن العالمي في مكافحة الوباء.