أصبح من الضروري إعادة النظر فى قوانين الأحوال الشخصية وبلورتها من جديد برؤية معاصرة تواكب متطلبات العصر، وإذا كان مسلسل «فاتن أمل حربي» فتح الباب لمناقشة هذه القوانين مرة أخرى، فإن الدراما المصرية لم تكن غائبة عن طرح كل القضايا منذ أكثر من مئة عام.
موضوعات مقترحة
لم يكن فيلم «أريد حلا» أول الأعمال التي كشفت عن وجود عوار بالقانون، وإن كان قد أسهم فى تغيير بعض مواده في حينها، ولكن منذ نشأة السينما المصرية والأفلام تطرح مشكلات المرأة وما تتعرض له من ظلم، وخصوصا الخيانات والزواج الثاني والثالث وحضانة الأطفال.
فى هذا التحقيق نبحث فى الدور الذى قامت به الدراما المصرية منذ بدايتها وكيف تناولت العلاقات الشائكة بين الرجل والمرأة وكشفها عن المسكوت عنه.
منذ أكثر من مئة عام والسينما المصرية تولى قضايا المرأة اهتماما كبيرا،حتى أن أول فيلم مصري خالص وهو (ليلى) الذي أنتج عام 1927،ركز على ما تتعرض له المرأة من قهر بسبب نزوات الزوج، ورغبته فى الزواج من أخرى،وقامت ببطولة الفيلم الممثلة والمنتجة عزيزة أمير مجسدة شخصية (ليلى)، وأحداثه تدور حول ليلى تنشأ فى إحدى الواحات وسط صحراء قاحلة، إنها قرية رؤوف بك الذي يلتقى ليلى ويعجب بها فيحاول التودد إليها، إلا أنها تتعلق بالشاب أحمد الذي سبق أن أنقذها من الوقوع في براثن سالم إذ حاول الاعتداء عليها، وتتم خطبة أحمد لليلى وبعدها يتعرف أحمد إلى فتاة برازيلية سائحة تقيم في فندق قريب من القرية، تنجح الفتاة في إيقاع أحمد في غرامها وتأخذه من ليلى التي بدأ الجنين يتحرك في أحشائها؛ الأمر الذي يكتشفه أهل القرية فيتم طردها، وبينما تسير ليلى هائمة على وجهها تصدمها سيارة تكتشف أن سائقها هو رؤوف الذي يحملها بين يديه إلى منزله لتضع طفلهما وتنتهى حياتها.
فيلم (ليلى) أول فيلم مصري خالص أخرجه ستيفان روستي، وكتبه وداد عرفي الذى كان قد شارك فى تمثيله أيضا،وحضر افتتاحه أمير الشعراء الشاعر أحمد شوقي،ومدح الفنانة عزيزة أمير بقوله (فعلت ماعجز الرجال عن فعله)،وهو ما يؤكد أهمية دور المرأة فى تغيير الواقع بشهادة أمير الشعراء نفسه منذ أكثر من مئة عام.
وتعد فاتن حمامة من أكثر نجمات السينما اللاتى تناولن من خلال أعمالهن قضايا الزواج والطلاق، ولم يكن (أريد حلا) الأول من هذا النوع فى مسيرتها، بل قدمت الكثير من الأعمال التى أكدت فيها حقوق المرأة، منها حقها فى العمل كما هو الحال فى فيلم (الأستاذة فاطمة) مع كمال الشناوي،تدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي حيث تفتتح فاطمة (فاتن حمامة) مكتبًا للمحاماة. ويرفض خطيبها عادل (كمال الشناوي) الموافقة على عملها لعدم إيمانه بقدرتها على النجاح وعدم قدرة المرأة على العمل محامية، فتتحدى رأيه لتثبت له أنها متفوقة.
تشتد المنافسة بينهما ويتفوق عليها خطيبها. يُتهم عادل في جريمة قتل لوجوده في مكان الجريمة.
يطلب عادل من فاطمة أن تتولى الدفاع عنه رغم أنها لم تمارس المهنة بطريقة جدية، وتضع فاطمة كل جهودها لإثبات براءته.
كما يعد فيلمها الشهير(الليلة الأخيرة) من أكثر الأعمال التى تكشف عن ظلم الرجل لها، من خلال شخصية نادية برهان صادق التي تعيش مع والدتها في اﻹسكندرية وتعيش فوزية مع زوجها شاكر الذي تزوجته من دون إرادة اﻷسرة، وتتعرف إلى صلاح محرم ويتفقان على الزواج، وفي يوم تجربة الفستان، تموت اﻷخت جراء قصف اﻷلمان للمدينة، وتصاب نادية بفقدان الذاكرة، ويحاول زوج فوزية أن يوهم نادية بأنها فوزية وأن نادية هى من ماتت، وينتهى بها الأمر إلى قبول الأمر الواقع من أجل ابنة شقيقتها.
أريد حلا.. الحقيقة المرة
جاء فيلم «أريد حلا» فى عام 1975 ليكشف الحقيقة المرة، ويتناول بشكل مباشر قانون الأحوال الشخصية،من خلال قصة درية وزوجها الدبلوماسي مدحت حيث تستحيل الحياة بينهما فتطلب منه الطلاق ولكنه يرفض، فتضطر إلى اللجوء للمحكمة ورفع دعوى للطلاق منه، في الوقت الذي تعمل فيه مترجمة في إحدى الجرائد، وتنمو علاقة حب بينها وبين رؤوف صديق أخيها. تدخل درية في متاهات المحاكم وتتعرض إلى سلسلة من المشكلات والعقبات التي تهدر كرامتها.كتبت قصة الفيلم الصحفية حسن شاة، وأخرجه سعيد مرزوق،وشارك في بطولته رشدى أباظة وكمال ياسين وأمينة رزق وليلى طاهر.
وفى عام 1977 أكملت فاتن حمامة مهمة الدفاع عن المرأة من خلال فيلم «أفواه وأرانب» وركز بشكل مباشر على إرغام المرأة على الزواج من آخر، من خلال قصة نعمة التي تقيم مع شقيقتها الكبرى وأسرتها المكونة من زوجها عبدالمجيد وأولادهما التسعة، ونتيجة ظروفهم المعيشية الصعبة يقبل عبدالمجيد زواج نعمة من المعلم البطاوي، لترفض نعمة وتهرب إلى المنصورة، وفي تلك الأثناء يعقد البطاوي الزواج بها بأوراق مزورة قدمها عبدالمجيد، وتتصاعد الأحداث إلى المحاكم بعد ارتباطها بمحمود بك صاحب المزرعة التى كانت تعمل بها.كتبه سمير عبدالعظيم وأخرجه هنرى بركات.
معظم ما قدمت فاتن حمامة من أعمال كانت المرأة فيها تعاني القهر منها «ليلة القبض على فاطمة» و«حكاية وراء كل باب» و«لا عزاء للسيدات» و«يوم مر ويوم حلو».
وتعد شادية أيضا ممن ركزت أعمالهن الفنية على معاناة المرأة فى المجتمع، فيكفي فيلمها «شىء من الخوف» الذى واجهت فيه جبروت الرجل، و«نحن لا نزرع الشوك»، وحتى فيلم «لا تسألنى من أنا».
كثيرة تلك الأعمال التى عبرت عن معاناة المرأة ولم يلتفت إليها فى تشريع القوانين، منها أفلام للفنانة ماجدة، قدمت عشرات الأعمال منها (النداهة) و(نسيت أني امرأة) وكذلك الجيل الثانى من الفنانات أمثال نجلاء فتحى التى قدمت واحدا من أهم أعمالها هو (أحلام هند وكاميليا)مع المخرج محمد خان، وفيلم (الجراج) مع علاء كريم، ثم ليلى فى فيلم (إنذار بالطاعة) مع محمود حميدة وهو واحد من أهم الأفلام التى يجب أن يركز القانون على موضوعها، حيث يربط الحب بين أمينة الطالبة في الجامعة (ليلى علوي) والمحامي إبراهيم (محمود حميدة)، ولأسباب وظروف اجتماعية واقتصادية كثيرة تمنعهما من الزواج في الوقت الحاضر، يقرران أن يتزوجا عرفيا بحضور الأصدقاء كشهود على ورقة العقد.
وتنتهى العلاقة فى المحاكم، بإنذار على يد محضر بالطاعة وأخرجه عاطف الطيب.
لم يتطرق القانون إلى العلاقات غير الشرعية التي تحدث من دون ضابط، وهي موجودة،ولكن تحتاج إلى قوانين تحكمها بشكل معاصر، وتناولت السينما مثل هذه العلاقات كثيرا، مثل (يا دنيا ياغرامي) بطولة ليلى علوى وإلهام شاهين وهالة صدقى، عن (بطة) و(سكينة) و(نوال) ثلاث فتيات صديقات من حارة واحدة، يعملن ويعشن في كفاح متواصل مع ظروف اجتماعية صعبة وقصص حب مبتورة، يحلمن بالزواج، لكنهن ينتقلن من مشكلة إلى أخرى حتى تكتشف إحداهن أنها حامل من غير زواج وهي(سكينة) فماذا تفعل؟
الزواج العرفي أيضا يحتاج إلى قوانين جديدة
تناولت الدراما فى عشرات الأعمال الزواج العرفي، ولعل ما يقدم كل عام فى مسلسلات رمضان دليل على وجوده بكثرة فى الحياة المصرية، ومن ثم وجب البحث فى تشريعات جديدة تقنن هذه العلاقات.
ففى دراسة نشرت عام 2016 أعدتها الباحثة داليا عثمان مدرس مساعد بكلية الإعلام آنذاك، قالت إنه ارتفعت نسبة الزواج العرفى فى عينة المسلسلات المصرية بنسبة 18.4%، ونؤکد ضرورة الحد من إظهار هذه القضية فى الدراما لأنها باتت مبررا لدى البعض وسببا لزيادة نسبة الزواج العرفى باعتباره واقعا فى المجتمع يجب القبول به.
وأضافت: کانت أهم المشکلات الاجتماعية التى واجهت الزواج فى الدراما المصرية (افتقاد الحب) بنسبة 23.3% وهى نتيجة تعکس الکثير من المشكلات بين الأزواج فى الواقع الفعلى فافتقاد الحب يؤدى الى قسوة القلب والعزلة بين الزوجين وقد يؤدى إلى الخيانة أو الانفصال، لأن الحب أساس الحياة الزوجية الناجحة.
وبرزت قضايا العنف والزواج المبكر والعرفي فى مسلسلات العام الماضي وقبل الماضي بشكل كبير، كما أن تقارير المتابعة ركزت على المشكلات الناتجة عن الطلاق بالنسبة للأبناء والمشكلات الأسرية الأولى مثل مسلسل يسرا (حرب أهلية) والذي تقع الابنة فيه ضحية الانفصال في سن مبكرة وترتكب العديد من الجرائم اللاأخلاقية مع صديقاتها وتدبير المكائد لهن بدافع الكراهية والغيرة ونمط المعيشة نفسه غير سوي على الإطلاق، مسلسل (ولاد ناس) عندما ظهرت الخلافات الزوجية وعدم التفاهم بين الزوج والزوجة وهو ما أثر سلبا على نفسية ابنهما.
(الزواج المبكر والزواج غير الشرعي) تناولهما العام الماضي مسلسل (نسل الأغراب) الطفلة ذات الثلاثة عشر عاما ثم نرى كيف تسبب زواجها وإنجابها لطفلين وهي في تلك السن الصغيرة، في مشكلات نفسية لا يمكنها التخلص منها بسهولة، مسلسل «لحم غزال» المرأة التي تتزوج في عمر الـثانية عشرة عاما، ثم تنجب ويتوفى زوجها، فيصبح لزاما عليها أن تتحمل مسؤوليات أكبر من عمرها، مسلسل «ضل راجل» الفتاة المراهقة التي تزوجت سرا وتعرضت للضرب وإجهاض الحمل ثم استئصال الرحم، وتتميز هذه المسلسلات بوضوح الرسالة الموجهة منها للمتلقي بخطورة تبعات الزواج المبكر والعرفي بينما في مسلسل «نجيب زاهي زركش» الرجل الذي عاش ثلاثين سنة مع هالة فاخر من دون زواج سنوات طويلة هي إهدار لكرامة المرأة التي حفظتها جميع الأديان السماوية.
الخلع كابوس فى الدراما أيضا
كانت السينما سباقة فى تناول الزواج العرفي وإن كان بشكل كوميدى فى فيلم «محامي خلع» للنجم هانى رمزى وداليا البحيرى وعلا غانم، عن سيدة أعمال تطلب الخلع من زوجها بعد ثلاثة أشهر من الزواج لأنه يصدر أصواتا من أنفه أثناء نومه، يتولى محام تحت التمرين قضيتها مع زميلته المحامية، ولأن مبرر السيدة غير مقنع، تبدأ ألاعيب المحامي للبحث عن سبب وجيه للحصول على حكم الطلاق لموكلته، لتبدأ سلسلة من الأحداث الكوميدية،أخرجه محمد ياسين.
وكان لمسلسل «لعبة نيوتن» دور مهم فى التركيز على قضايا الخلع والطلاق أيضا بطولة منى زكى ومحمد ممدوح ومحمد فراج، ثم مسلسل «يوتيرن» هذا العام لريهام حجاج، وغيرهما من الأعمال التى كان للدراما دور مهم فى إبرازها.. ووجب على المشرع النظر إليها كنماذج موجودة فى الواقع، إذ أن ما كشف عنه اهتمام الناس بما طرحه مسلسل «فاتن أمل حربي» يؤكد حاجة المجتمع إلى تعديلات جذرية فى قوانين الأحوال الشخصية.