في ظل التضخم العالمي وارتفاع الأسعار المبالغ فيه من جانب بعض التجار الجشعين، وزيادة متطلبات الأسرة، وقلة الموارد، لا بد لسيدة البيت الذكية من أن تدير ميزانية بيتها بشكل ناجح، بعد أن تخطط لكل مورد من موارد الأسرة، وتحاول التوفيق بين الإيرادات والمصروفات؛ حتى تنجح في المرور بأسرتها بسلام من الأزمة العالمية الحالية.
موضوعات مقترحة
تقول د. وفاء شلبي أستاذ إدارة المنازل بكلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان: معنى الميزانية الشائع هو تحديد الموارد والاحتياجات ومحاولة التوفيق بينهما.
ولكن المعنى الحقيقي للميزانية هو التخطيط الذي يكون الغرض منه استغلال الموارد المتاحة، بمعنى تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، ولا شك في أن وضع ميزانية سنوية للأسرة أفضل من وضع الميزانية الشهرية، ويتم خلال هذه الميزانية حساب إجمالي دخل الأسرة من راتب، أو إيرادات أرض زراعية، أو دخل أي مكان آخر يتم حسابه لتنظيم بنود هذه الميزانية، ويتم حساب الميزانية بشكل سنوي بدلا من الميزانية الشهرية؛ لأن الميزانية السنوية أفضل لتحقيق استقرار الأسرة، وذلك عن طريق حساب الإيرادات التي تدخل الأسرة، وحساب المصروفات الثابتة كإيجار السكن ومصاريف المدارس، أو كانت هناك أقساط تدفع شهريا أو سنويا كأقساط السيارة أو التأمين، ثم يتم حساب المصروفات المتغيرة بشكل إجمالي كمصاريف الكهرباء والغاز والمياه وغيرها. وبعدها يتم حساب بند الغذاء الذي يجب ألا يتعدى 45% من دخل الأسرة، ولابد من تحديد بند مهم للطوارئ التي قد تمر بها الأسرة، ووضع بند المدخرات ولو بمبلغ قليل كل شهر، فكثير من الأسر لا تلتفت لهذه البنود، وتضع معظم إيرادات الأسرة في بند الغذاء فقط، وهذا أمر غير مقبول، فالميزانية يجب أن توزع على كل احتياجات الأسرة، من عدم الإسراف في بند الدروس الخصوصية؛ لأنه يستنزف جزءًا كبيرًا من ميزانية الأسرة، وبخاصة في المراحل الأولية للتعليم كالمرحلة الابتدائية؛ إذ يمكن للأم أن تذاكر مع طفلها بدلا من تحميل الأسرة أعباء إضافية هي في غنى عنها.
وتؤكد الدكتورة وفاء شلبي ضرورة التقنين في استخدام الإنترنت والمحمول لأنهما يستنزفان جزءًا كبيرًا من ميزانية الأسرة بلا فائدة.
ويمكن أيضًا أن نقلل من شراء اللحوم والدواجن والاستعانة بالبدائل النباتية، ويجب عدم استخدام المشروبات الغازية في أثناء تناول الطعام، وعلى ربة الأسرة عمل البدائل من العصائر الطبيعية.
وتنصح الدكتورة وفاء شلبي بضرورة التقليل من استخدام الكهرباء قدر الإمكان، فلا ينبغي ترك الشاحن الخاص بالمحمول في الكهرباء طوال الوقت؛ لأنه يستنفد جزءًا من فاتورة الكهرباء، وأيضًا عدم فتح التكييف طوال الوقت، وأيضًا الكاتيل الذي يستخدم في عمل المشروبات الساخنة يجب الاستغناء عنه؛ لأنه يسبب العديد من الأمراض، وعلى ربة المنزل عدم الجري وراء عروض الماركت الكبير؛ حتى لا تشتري سلعًا غير مفيدة من دون داع، كما يجب عدم تخزين السلع في درجات حرارة غير مناسبة تتسبب في تلف هذه السلع، فكل سلعة لها وقت للحفظ سواء كانت من البقول أم اللحوم أم الدواجن أم الأسماك.
وتنصح الدكتور وفاء شلبي الرجال بالمشاركة في وضع ميزانية الأسرة الثانوية، فالرجل شريك أساسي داخل الأسرة، وعليه أن يشارك في البيت والمطبخ قدر المستطاع، ولا يترك الحمل كله على الزوجة.
وينبغي على الأولاد أن يضعوا مع الأسرة الخطة المستقبلية؛ حتى يتمكنوا من النجاح في حياتهم الأسرية فيما بعد، فمن لا يشارك من الأولاد يفقد طعم المسئولية، ولابد من ترك الميزانية الشهرية في يد الأبناء مع المتابعة ليتعلموا كيف يديرون شئون الأسرة، وبخاصة البنات المقبلات على الزواج.
وتقول الدكتورة إقبال السمالوطي أستاذ التنمية والتخطيط الاجتماعي بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالقاهرة إن قضية الميزانية من أهم القضايا الحياتية التي تواجه الأسرة، وهذه القضية يجب أن تقع على عاتق كل أفراد الأسرة وليس الزوجة وحدها، فلابد من اجتماع الزوج والزوجة والأولاد لوضع هذه الميزانية؛ لأن سعادة واستقرار الأسرة مسئولية كل أفراد الأسرة وليس الزوجة وحدها، ولا شك في أن الأزمة الاقتصادية أزمة عالمية لا تخص مصر وحدها، حتى الدول المتقدمة تتأثر بهذه الأزمة، لكن سياسات التعامل مع هذه الأزمة تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن في مصر الأمر مختلف فالشعب المصري يسوده روح التكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس، بالإضافة إلى السياسات التي تقودها الدولة لمساعدة القرى والأسر الأكثر فقرًا من خلال عدة مبادرات، منها مبادرة حياة كريمة وغيرها من المبادرات الاقتصادية والصحية التي تهدف إلى وصول الدعم إلى مستحقيه من الأسر الفقيرة.
وتحدد الدكتورة إقبال السمالوطي معنى الميزانية بأنها التخطيط الممنهج لتوفير حياة مستقرة لكل أفراد الأسرة، ويتم ذلك من خلال حصر موارد الأسرة كافة، وتحديد بنود المصروفات مع محاولة الاقتصاد قدر الإمكان لمواجهة الظروف الحالية والأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع.
وتؤكد الدكتورة إقبال أن هذه الميزانية يتم وضعها بشكل سنوي من خلال تخطيط
على المدى البعيد، وأيضا وضع ميزانية شهرية لتحقيق أهداف على المدى القريب.
الحذر من الهدر
وتنصح الدكتورة إقبال السمالوطي بعدم هدر المنتجات الغذائية ورميها في القمامة، فكثير من الأسر المصرية قد تحضر أكلا أكثر من احتياجها، ثم ترمي ما يتبقى في صندوق القمامة، وبخاصة في العزومات الأسرية، وعلى كل ربة أسرة مراعاة هذه الظروف، وخصوصا الزوجات الصغيرات أي “سنة أولى زواج”، والتخطيط الجيد لميزانية الأسرة، وعدم الجري وراء العروض الوهمية للمحلات التجارية الكبرى؛ لأن هذه العروض تستزف كثيرا من الأموال من دون أن نكون في حاجة إلى السلع المعروضة وعليهن أيضا كتابة ما يحتجنه من هذه الأسواق، وعدم شراء ما لا يحتجنه لأن هذا الشراء هدر لميزانية الأسرة.
وتوجه الدكتورة إقبال السمالوطي النصيحة للزوج بأن يشارك زوجته في وضع ميزانية الأسرة، وأن يخطط معها للأهداف القريبة والبعيدة التي تريد تحقيقها حتى تستقر هذه الأسرة على أرض صلبة قوية، وتستطيع مواجهة التحديات المقبلة.
ويكمل الدكتور فوزى الشوبكي أستاذ ورئيس قسم التغذية بالمركز القومي للبحوث الحوار السابق قائلا: في ظل الظروف العالمية الصعبة التي يمر بها دول العالم كافة لابد من أن ندرك جيدا أن التخطيط عامل أساسي لنجاح أي أسرة، فلابد من التخطيط الجيد واستغلال موارد الأسر كافة، والعمل على زيادة الدخل قدر الإمكان؛ لتحقيق استقرار الأسرة، ويجب على ربة البيت أن تتخلى عن فكرة أنه كلما زادت أسعار السلع الغذائية زادت القيمة الغذائية، فتلك نظرة خاطئة، فكثير من الأطعمة رخيصة الثمن ذات قيمة غذائية عالية؛ ولهذا عليها أن تحسن الاختيار.
وهذا يحتاج إلى ثقافة غذائية عالية، وبصورة عامة من المعروف أن الأطعمة من المصادر الحيوانية تكون غالية الثمن، في حين تقل أسعار الأطعمة من المصادر النباتية، وهنا يجب على ربة الأسرة البحث عن البدائل المناسبة بأسعار منخفضة، فمثلا الأسماك من الأغذية الغنية بالبروتين الحيواني، ويقل ثمنها عن اللحوم والدواجن؛ لذا يمكن أن تكون وجبة من الأسماك لأفراد الأسرة بمبلغ متواضع، ويمكن أيضا الاستعانة بوجبات من البيض كالعجة وغيرها كبديل للحوم، ويمكن لربة الأسرة أن تعتمد على الوجبات الغنية بالبروتين النباتي كالفول والعدس والفاصوليا واللوبيا وغيرها، أما بالنسبة إلى النشويات فهي تتوافر في الخبز والأرز والمكرونة، وهى غالبا رخيصة الثمن، وتتوافر مع بطاقات التموين التي تدعم الأسرة المصرية، أما الخضراوات والفاكهة فيمكن لربة البيت أن تعتمد تخزين الخضراوات في الأوقات التي تكون رخيصة الثمن، والفاكهة تدخلها إلى الأسرة بين حين وآخر طبقا للميزانية الموجودة، وبهذا تكون استوفت بند الوجبة الغذائية السليمة المكونة من بروتين- نشويات – خضراوات، وعلى ربة الأسرة أن تحدث ما يُعرَف بالنسبة والتناسب في الميزانية، فعليها اختيار البديل المتاح بالكمية المناسبة لأسرتها، ولتحديد أساسيات الطعام ينصح الدكتور فوزى الشوبكي بما يلى:
أولا: لابد من معرفة الاحتياجات الأساسية للأسرة من الغذاء، والتي تتمثل في أغذية توليد الطاقة كالنشويات المتمثلة في الخبز والأرز والمكرونة، وهى تمثل 04% من الوجبة.
ثانيا: أغذية البناء والتي يحتاجها الجسم في بناء الأنسجة، وهى تتمثل في البروتين النباتي والحيواني، ولا شك في أن المطبخ العربي شهير بالعديد من الوجبات ذات البروتين النباتي كالكشري والفول بأنواعه المختلفة، سواء كان في شكل فول مدمس أم طعمية أو بصارة؛ حتى لا يحدث نوع من الملل داخل الأسرة، أما العدس فيمكن أيضا تقديمه في أصناف مختلفة، كالعدس بالشعرية وشوربة العدس وكشرى بالعدس الأصفر وغيرها، أما اللوبيا والفاصوليا فيمكن تقديمهما في شكل طبيخ مطهى بالصلصة، أو مسلوق في شكل سلطة، أو غير ذلك من الإبداعات التي يمكن أن تعتمد عليها ربة المنزل، ولا ننسى توفير وجبة من اللحوم أو الدواجن أسبوعيا، سواء كانت تلك اللحوم في شكل كفتة أم اللجوء إلى شراء اللحوم من المجمعات الاستهلاكية بسعر منخفض وهى ذات جودة عالية، ولا ننسى أن نذكر باللحم الجملي الذي يعد رخيصا نسبيا بالقياس إلى أنواع اللحوم الأخرى. أما الدواجن فقد تكون رخيصة الثمن إلى حد ما، فيمكن توافرها في شكل صدور دجاج، أو دبابيس، أو شيش، وتلك الأنواع أقل في سعرها من الدواجن الكاملة. أما الأسماك فيمكن لربة الأسرة توفير وجبة أسبوعيا من سمك السردين أو التونة، وهما من الأسماك الغنية بالأوميجا 3 وذات قيمة غذائية عالية.
ثالثا: أغذية المناعة كالخضراوات والفاكهة، ويمكن لربة البيت أن توفر لأسرتها طبق سلطة خضار يوميًا إلى جوار الوجبة بمبلغ بسيط، وعلى هذا يجب على ربة البيت أن تحسن تنوع الطعام داخل الأسرة في ظل هذا المبلغ الزهيد، وعلى ربة الأسرة والكلام ما زال على لسان الدكتور فوزى الشوبكي ألا تشعر الأسرة بالحرمان الغذائي؛ لأن هذا الشعور قد يولد مشكلات نفسية كثيرة، لكن مع حسن التدبير والتنوع في الاختيار تزداد قناعة الأسرة بما لديها من طعام، فالوجبة السليمة تتكون من 40 % من النشويات، و20 % من البروتين سواء كان حيوانيا أم نباتيا، و20 % من الخضراوات والفاكهة، و20% من الدهون التي توجد في الطعام؛ سواء كانت زيوتا أم سمنا، ولا شك في أن الزيوت أفضل من السمن.
ويوصى الدكتور فوزي الشوبكي وسائل الأعلام بأن تركز على الثقافة الغذائية للأسرة بدلا من التركيز على الأنماط الاستهلاكية التي تضر بالأسرة أكثر مما تنفع، ولابد من أن ندرك أن التغذية السليمة ليست في كثرة الطعام بل نوعية الطعام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع”، كما قال صلى الله عليه وسلم “ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه”، وعلينا أن نتعلم ثقافة الحفاظ على الطعام، وعدم هدر الخبز أو الأرز أو غيرهما، فيمكن أن نغرف الطعام في وعاء كبير، وكل فرد يأخذ ما يحتاج إليه من الطعام؛ حتى لا نرمي ما يتبقى في الأطباق.
ويؤكد الدكتور فوزى الشوبكي أنه في الدول المتقدمة نجد أن كل أسرة تقوم بإعداد طعام لأفراد الأسرة؛ بحيث يحسب عدد الأفراد واحتياجات كل فرد من الطعام “ قطعة لحم + طبق خضار+ طبق أرز أو مكرونة أو بطاطس” بحسب القدرة الشرائية للأسرة؛ لذلك لا يشترط عمل كميات كبيرة من الطعام، لكن ما يكفى الأسرة فقط، وهذه الطريقة لا تطبق في المجتمع المصري برغم أن عدد الفقراء كبير، ولكن الثقافة الغذائية في حاجة إلى تغيير؛ لتتناسب الاحتياجات مع المشتريات، ولابد من الابتعاد عن ثقافة التباهي التي تسود المجتمع المصري، ولابد عند التخطيط لعزومة من أن يتم حساب عدد الأفراد، ونصيب كل منهم من الطعام، ووضع الطعام في أطباق كبيرة؛ ليحصل كل ضيف على ما يريد فقط، من دون أن نترك البقايا في الأطباق الفردية.
وينصح الدكتور فوزي الشوبكي للتغلب على مشكلة ارتفاع الميزانية بأن نتعلم أن يأخذ كل منا ما يحتاج إليه من الطعام فقط، بدلا من غرف أطباق كبيرة لا يستطيع تناولها، وإذا أراد المزيد بعد الانتهاء من طبقه يأخذ ما يريد.
وإذا وجدنا بقايا لطعام اليوم لا مانع من حفظ هذا الطعام في أوان فخارية مطلية بطبقة المينا، ويفترض قبل الحفظ تعريض الطعام للغليان؛ لتقتل البكتيريا التي تصل إلى الطعام، وبعد أن يبرد الطعام بعد غليه يغطى بغطاء محكم ويوضع في الفريزر، ثم عند الاحتياج إليه يتم إخراجه ويقدم مرة أخرى، ويمكن التجديد في هذا الطعام بإضافة الصوص الأبيض مثلا وإدخاله الفرن، أو فرم اللحم أو الدجاج المتبقي لصنع كفتة فراخ، وغير ذلك من الأفكار التي تخدم الأسرة وتوفر في ميزانيتها.