راديو الاهرام

صلاح منتصر.. مثلث الأهرام الذهبي

25-5-2022 | 15:52

رحل الفارس، رحل صلاح منتصر في مايو 2022، انتقل صاحب المدرسة الصحفية المشرقة، إلى رحاب ربه.

مثل الأستاذ منتصر، إلى جيلنا، الضلع الثالث المكمل للمثلث الذهبي، الذي علمنا الصحافة، علمنا مهنة المعرفة، وصناعة الصحافة الحديثة، الصحافة التي تبني الأمم والمجتمعات ونقلها إلى كل الناس.

كان آخر الفرسان الراحلين، صلاح منتصر، سبقه إلى رحاب رب كريم، الأستاذان إبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، الثلاثة تنافسوا معًا، واحتفظوا مع بعضهم بعلاقات وثيقة، ومحبة لا تنقطع، أنا شخصيا ظلت علاقتي مباشرة بالأستاذ نافع، وتحمست إليه أكثر من غيره، لكن محبتي لم تنقطع مع الأستاذين مكرم ومنتصر، وجدت من نافع تشجيعًا عليها، حتى احتفظت باستقلاليتي المهنية، علمونا الثلاثة، صنعوا مجدًا للأهرام، الصحيفة والمؤسسة.

إذا استطعت أن ألخصهم، فإن الأستاذ نافع، ظل طوال عمره لا يفوته خبر، كان الأول في الحصول على الأخبار، في زمن صعب، لأن المسئولين في الدولة، وفي المنطقة كانوا في عصر يعتبرون الخبر سرًا حربيًا لا يذاع، ولا يطرح على الناس، كنا نرنو إليه، وهو يمد الأهرام بالمانشيتات، والقصص الخبرية المذهلة، كانت الصحف الأخرى تحسدنا على هذا المخبر الصحفي البارز.

أما الأستاذ، مكرم محمد أحمد، فكان لا يفوته تحليل إخباري، يسابق بخبراته الخبر، في كشف غموض الأحداث وتسلسلها وترابطها المهني، وتحليلها ورؤيتها المستقبلية.

أما آخر الراحلين، الذي به يكتمل مثلث الأهرام الذهبي، فهو صلاح منتصر، أو الأستاذ البارع الذي لا تفوته فكرة، سواء كانت اجتماعية أم تربوية أم أخلاقية، وصحفية وإنسانية عمومًا، قبل أن تكون اقتصادية وسياسية، فيسارع إلى التعبير عنها، وتحويلها إلى قصة صحفية مثيرة ومهمة، لكل بيت، بل لكل أسرة في مصر، وفي العالم العربي.

من منا ينسى الأستاذ منتصر، إنه الذي علمنا الحب، وكيف نعبر عنه، كان مدرسة في التربية للأسرة، قل أحبك لأمك، لأبيك، لأختك، لزوجتك لا تتردد أن تكشف مشاعرك الإنسانية، المعلم صلاح منتصر لم يكتفِ، فأطلق حملة منع التدخين، احم نفسك وصحتك وأموالك، من هذا القاتل، المتخفي مع المزاج، وواجه المخدرات، واجه الإدمان بكل أشكاله، لحماية الإنسان ثروتنا القومية والإنسانية.

ظلمت القضايا الاجتماعية والإنسانية، صلاح منتصر، لدرجة أننا نسينا أنه أهم صحفي متخصص في قطاع البترول، الذي واكب هذه الثروة في مصر، والعالم العربي، وتأثيرها على مستقبل بلادنا، بل على مستقبل المنطقة والعالم.

ارتقى الأستاذ صلاح منتصر، إلى القمة المؤثرة في مهنية كتابة فن «العمود الصحفي»، وأصبح عموده «مجرد رأي» هو الأهم والأول في الصحافة المصرية والعربية، جعل من الصفحة الأخيرة للأهرام، أيقونة لأنها تحمل عموده.

حقيقة هناك مآثر كثيرة، للأستاذ منتصر، وعلامات بارزة في سجله المهني، كثيرة ومتتابعة، لكن علينا أن نسجل علاماتها ومؤشراتها، وستظل كتاباته محل بحث وتدقيق طويلين من الباحثين، لأنها متجددة ومتنوعة، وكل منها يحمل فكرة مبتكرة، وبليغة وبلغة سهلة ومبسطة تصل لكل الأجيال، ولكل الثقافات، فالرجل كان يكتب للجميع، للرجل والمرأة والشاب.

هذا الصحفي كان خزانًا للجمهورية المصرية، كان صاحب أول قصة صحفية تحصل على نشر بأمر رئيس الجمهورية «ناصر»، وكانت في عهد «الرئيس نجيب»، إبان زيارة ناصر إلى الأخبار، وآخر ساعة، بعنوان «الشعب في قصر الملك»، وانتقل الصحفي الذي جمع بين مدرستي الأخبار والأهرام، مثل كل الذين قدموا مع الأستاذ هيكل إلى الأهرام، عندما احتل المنصب (رئيس تحرير)، ووضع الأهرام في عصر جديد مهني، حمل طابع هيكل وفريقه الجديد، واندمجت المدرستان (الإخبارية) و(الأهرامية)، مع الانطلاقة البحثية والدراسات المهنية والموضوعات الاستقصائية ومراكز البحوث والدراسات لتصنع مدرسة صحفية علمت الأمم، وكانت نبراسًا لتطوير المهنة، في عصر الجمهورية المصرية.

ومعها أصبح صلاح منتصر، الذي رحل عن عالمنا، ولم يكمل التسعين، خازن الجمهورية، ومتابع مسيرتها مع نجيب وناصر والسادات، ومبارك ومع الرئيس السيسي، كان نموذجًا في اقترابه من السلطة، وبعده عنها ليحمي نفسه، ويظل مستقلًا، وناصحًا وقادرًا أن يقول ويكتب ما يشعر به.

الأستاذ صلاح منتصر، معلم الصحافة، كان سلوكه المهني يفرض طريقة تعامله، مع الأجيال المتتابعة، كان معلمًا وصحفيًا بالسليقة، أداؤه كان بليغًا مثل كتاباته، حمل الإبداع والبساطة والسهل الممتنع، قد تتصور أنه من الممكن أن تصل إليه، وتقلده في كتاباته، ولكن عندما تقترب منها تتصورها سهلة، ثم تجد عمقها يشدك، فهو يمثل قمة المهنية وإنسانية كبيرة، رحلت وحملت معها فصلا من حياتنا وكتابًا وعنوانًا لعصر عشناه، خازن الجمهوريات المتتابعة لمصر، رحمه الله وزادنا تعليمًا منه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر السيسي التي نحلم بها

بعد 10 سنوات على ثورة 30 يونيو التى لم تشهد مصر مثيلا لها فى تاريخها كله، تمثلت فى خروج الشعب، دفاعا عن تاريخه وهويته، التى كادت تسلب منه، وتسقط تحت أقدام

أنس جابر وزيرة السعادة لكل العرب

فتاة تونسية من سوسة بنت الطبقة الوسطى، سحبت البساط من تحت أقدام كرة القدم، وشعبيتها الأسطورية وملايينها، أنس جابر أعادت لنا الأمل فى أن تنتعش كل اللعبات

الأكثر قراءة