Close ad

إسماعيل ياسين.. مدرسة الأجيال في الكوميديا وفن الحياة.. 50 عامًا على رحيل «أبو ضحكة جنان»

24-5-2022 | 21:19
إسماعيل ياسين مدرسة الأجيال في الكوميديا وفن الحياة  عامًا على رحيل ;أبو ضحكة جنان; إسماعيل ياسين
أحمد أمين عرفات
الأهرام العربي نقلاً عن

خمسون عاما مرت على رحيل الفنان إسماعيل ياسين، وبرغم ذلك ظل يقاوم النسيان بأعماله وفنه، ولا يزال قادرا حتى اليوم على إضحاك الصغير قبل الكبير برغم اختلاف الأجيال، ليؤكد للجميع أن فن الكوميديا لغة لا يقل مفعولها بمرور الزمن.

موضوعات مقترحة
نصف قرن من الزمان غاب فيها ملك الكوميديا بجسده، لكنه تحول بفنه إلى أيقونة ومدرسة مليئة بالعبر والدروس، ليس فقط للجمهور العادى من الناس، ولكن أيضا لجمهوره من أهل الفن الذين تعلموا من سيرته أن النجومية لا تأتى على طبق من فضة، بل تحتاج إلى جهد ومثابرة، فلم يولد وفى فمه ملعقة من ذهب، ولكنه عاش الحرمان وقسوة الحياة لسنوات طويلة حتى وصل إلى نجومية لم يصل إليها غيره، ليس هذا فقط ما تعلموه منه، بل تعلموا منه أيضا أن الممثل مهما بلغت نجوميته، فقد يأتى عليه يوم لا يجد أحدا من حوله إذا قل عليه الطلب لظهور نجوم جدد أو لظروفه الصحية، وأن من لم يعمل حسابا لمثل هذا اليوم، فقد لا يجد ما يأكله وقد يقبل أى أعمال لم يكن ليرضى بها قبل ذلك، فهذا الفنان الذى جمع ثروة كبيرة، مات مفلسا، وعاد فى كبره ليغنى فى الملاهى وتنازل عن نجوميته، وقبل أدوارا لا تناسبه حتى يستطيع أن يعيش هو وأسرته.
إن رحلة الفنان إسماعيل ياسين سواء الذاتية أم الفنية، تصلح لأن تكون فيلما يحمل كل ما تحمله الحياة من ضحك وبكاء، ثراء وفقر، يسر وعسر، وفاء وغدر وكل أبجديات الدنيا، وفى السطور التالية تقدم «الأهرام العربي» رحلة هذا الفنان مع الفن والحياة بمناسبة ذكرى رحيله الـ 50 التى تحل علينا هذه الأيام.


كان حلمه أن يصبح مطربا مثل عبد الوهاب.. فأصبح ملك الكوميديا
بلغ قمة النجومية وأنتجت له سلسلة أفلام تحمل اسمه وقدم للمسرح أكثر من 50 عملا


عاش طفولة قاسية.. وجدته لأمه عرضته رهينة للإنجليز حتى تنقذ حياتها

عاندته الظروف بداية قدومه للقاهرة فكان ينام فى بيوت الله

زوجته الثالثة عالجته من عقدته مع النساء

حجزت الضرائب على أمواله ومات قبل أن يكرمه الرئيس السادات

عاش إسماعيل ياسين الذى ولد بمدينة السويس فى 15 سبتمبر من عام 1912، طفولة قاسية، حرم فيها من أمه التى ماتت بالسكتة القلبية بسبب شجارها مع والده الصائغ، بعد أن ضاقت من تصرفاته، فإن كانت تحملت كثيرا بخله فى الإنفاق عليها وعلى ابنها، فلم تستطع كامرأة أن تتحمل غرامياته الكثيرة وولعه بالنساء، حتى ماتت كمدا.
الرهينة
رحلت الأم فافتقد الطفل إسماعيل حنانها، وزادت مأساته عندما تزوج أبوه بعد وفاة أمه بعدة أشهر، فوجد أمامه زوجة أب تعامله بقسوة، مما دفعه إلى أن يترك المنزل ويعيش مع جدته لوالدته، لكنها انتقاما من أبيه الذى تظن أنه وراء موت ابنتها كانت تعامله بقسوة أيضا وتجعله يقوم بكل الأعمال المنزلية، بل إنها كانت تحرمه من الطعام ولا تعطيه سوى وجبة واحدة طوال اليوم، لدرجة أن إسماعيل ظل يحتفظ لها بواقعة أبت أن تفارق ذاكرته طيلة حياته، وتكشف عن مدى القسوة التى كان يلاقيها من جدته، عندما ضلت طريقها ذات يوم وهو معها، فدخلا إحدى ثكنات الجيش البريطانى المحرم على المدنيين الدخول إليها، فاضطر الجنود لإشهار أسلحتهم فى وجههما، فخافت الجدة وطلبت منهم ألا يمسوها بأذى، وإذا أرادوا أن يتحروا عنها ليتأكدوا أنها بعيدة عن أى شبهات، يمكنهم أن يأخذوا الطفل كرهينة أو حتى يقتلوه بشرط أن يتركوها فى حال سبيلها.
بسبب هذه الحياة البائسة التى اجتمعت فيها قسوة الجدة وإهمال الأب، لم يستطع إسماعيل أن يوفق فى التعليم وحصل على الابتدائية بشق الأنفس، وزاد من مرارة أيامه دخول والده السجن، بسبب الديون التى تراكمت عليه والتى دفعته إلى إعلان إفلاسه وغلق محل الذهب، فضاعفت الجدة من معاملتها القاسية بسبب انقطاع القروش القليلة التى كان والده يرسلها إليها لتنفق عليه، فلم يجد إسماعيل أمامه، إلا أن يترك المدرسة ويبحث عن عمل فعمل مناديا أمام أحد محلات القماش، يغرى الزبائن بالدخول للمحل من أجل الشراء.

عبد الوهاب الجديد
شعر إسماعيل وهو يمارس هذه المهنة بأن لديه صوتا جاذبا للزبائن، خصوصا أنه كان يعلو به ويخفضه بأريحية، وكأنه يمتلك زمام السلم الموسيقى، كان يحوله إلى نغمات بشكل يلفت الانتباه إليه، حتى بدأ يقتنع من داخله بأن لديه موهبة الغناء، ومنذ ذلك الوقت أصبح حلمه أن يكون مطربا، مما دفعه برغم ضيق ذات اليد إلى شراء أسطوانات المطرب محمد عبد الوهاب الذى كان يعشقه جدا، ليحفظ أغانيه ويتعلم منها، حتى زاد يقينه بأنه لم يولد إلا ليكون مطربا.
دفعه هذا اليقين إلى أن يترك بلده السويس وعمره 17 عاما، ويأتى إلى القاهرة سعيا للالتحاق بمعهد الموسيقى العربية بناء على نصيحة أحد المقربين منه، وذلك بعد أن تمكن من ادخار بعض النقود من عمله، لكن هذه النقود سرعان ما تبخرت، مما جعله مضطرا لأن يلجأ لبعض أقاربه بالقاهرة، فلم يجد منهم سوى التجاهل، لذلك اختار بيوت الله لكى يبيت فيها، وأيضا كان يواجه بالطرد من بعض القائمين عليها، فالمساجد جعلت للصلاة وليست للنوم، وحتى لا يعود إلى السويس مرة أخرى يجر أذيال الخيبة، بعد أن فشل فى الالتحاق بمعهد الموسيقى العربية ولم يجد متعهدا يقتنع به كمطرب، لكنه وأمام كل هذه الظروف القاسية التى تلازمه منذ ولادته وإن تغيرت أشكالها، لم يجد أمامه سوى العمل مغنيا فى الأفراح الشعبية، بمصاحبة الراقصات، وبرغم أنه تخلى عن أغانى عبد الوهاب واستبدلها بالأغانى الخفيفة، فإنه كان يقابل بالسخرية من الجمهور، فلم يروا فيه سوى مهرج، هذا الأمر أحزنه كثيرا وجعله يصاب باليأس، فكان قراره بترك الغناء ، والعمل فى مكتب أحد المحامين.

الحياة تبتسم
كاد إسماعيل ياسين أن يستسلم لظروفه ويرضى بواقعه الذى يحول دون تحقيق حلمه، لكن شاءت الأقدار أن يتعرف على المؤلف الكبير أبو السعود الإبيارى فى أحد مقاهى وسط البلد، والذى وجد فيه موهبة فنية يمكن أن تجد طريقها للنور، فما كان منه إلا أن رشحه للعمل "كمونولوجست" فى الملهى الليلى الذى تمتلكه "بديعة مصابني"، لكنها قابلت هذا الترشيح بالرفض فلم تعجبها ملامحه وخصوصا فمه الكبير، لكنها فى النهاية ومع محاولات الإبيارى لإقناعها وافقت وهى على يقين بفشله، لكنها وجدت قبولا من جمهور الملهى لفقرته، فعدلت عن رأيها واقتنعت به، بل جعلت فقرته أساسية.
بدأ نجم إسماعيل ياسين يسطع فى عالم المونولوجات والاسكتشات الغنائية، حتى أصبح من أبرز النجوم فى هذا اللون طوال الفترة من 1935 إلى 1945، حتى إن الفرق الأخرى كانت تسعى إليه لكى يعمل معها، ليس فى مصر وحدها بل أيضا فى العديد من الدول العربية، والتى بدأ جولته فيها من خلال فرقة الفنان أمين عطا الله، التى تعاقدت معه وسافر معها إلى بيروت، فحقق فيها نجاحا كبيرا وكذلك فى دمشق واللاذقية، وبعد انتهاء عقده مع أمين عطا الله، تعاقد معه صاحب كازينو فى حلب، لكنه سرعان ما عاد إلى مصر ليواصل رحلته فيها.
مع انتشار شهرته لقدرته على انتزاع الضحكات من الجمهور، اختارته الإذاعة ليلقى المونولوجات بها، التى كان يؤلفها له صديقه أبو السعود الإبياري، كما أنه اختاره فؤاد الجزايرلى للعمل فى السينما من خلال فيلم "خلف الحبايب"، الذى فتح شهية إسماعيل ياسين لهذا العالم السحري، فشارك بعدها فى العديد من الأفلام منها "على بابا والأربعين حرامي" و"نور الدين والبحارة الثلاثة" وغيرهما من الأفلام، التى جعلت الفنان أنور وجدى يقتنع بموهبته ويرى فيه مشروع نجم قادم إذا أحسن استغلاله، فأصبح يستعين به فى معظم أفلامه بداية من عام 1944، ولم تمض سوى خمس سنوات حتى منحه أول بطولة مطلقة من خلال فيلم "الناصح"، هذا الفيلم الذى صاحبته ضجة كبيرة وأصبح حديث الناس بسبب بطلته الفنانة ماجدة التى كانت تمثل فيه لأول مرة، ولم يكن عمرها قد تجاوز 16 عاما، ودون موافقة أسرتها التى أخفت عنها الخبر لعلمها بأن والدها سيرفض، لكن ما إن عرض الفيلم وشاهدها فيه أحد أقاربها حتى أبلغ والدها الذى لم يكتف بضرب ابنته، لكنه أقام الدنيا ولم يقعدها ضد صناع الفيلم، حيث قام برفع دعوى قضائية ضد منتج الفيلم لاستغلاله طفلة قاصر.

فنان استثنائي
بدأت رحلة الصعود التى لا تعرف التوقف فى عالم السينما، فأصبح إسماعيل ياسين أحد أهم نجومها وتحول برغم افتقاده مواصفات نجم الشباك التى كانت سائدة فى ذلك الوقت وتتركز فى الوسامة، وقوة الجسم إلى نجم تسعى الجماهير لمشاهدة أعماله، بصورة جعلت المنتجين يتهافتون عليه، لدرجة أنه كان فى العام الواحد يمثل العديد من الأفلام وصلت فى منتصف الخمسينيات نحو 15 فيلما فى العام الواحد، وهو ما لم يحدث مع فنان قبله.
بل كان الفنان الوحيد الذى أنتجت له سلسلة أفلام تحمل اسمه، فلم يسبقه فى ذلك سوى الفنانة ليلى مراد، ومن هذه الأفلام، إسماعيل ياسين فى متحف الشمع، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، إسماعيل ياسين فى الجيش وإسماعيل ياسين فى الاسطول، إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين وغيرها من الأفلام.
لم يكتف إسماعيل ياسين بما قدمه للسينما، بل لعب دورا كبيرا فى تاريخ المسرح الكوميدى المصرى والذى أسهم فى كتابته عندما قام بتكوين فرقة تحمل اسمه، وظلت تلك الفرقة تعمل على مدار 12 عاما بدءا من عام 1954 حتى 1966 ، قدم خلالها ما يزيد على 50 عملا بمشاركة رفيق رحلته المؤلف أبو السعود الإبياري، ومن هذه المسرحيات "الكورة مع بلبل " و"عريس طنط جلاجل" "منافق للإيجار" ، كما قام التليفزيون بتصوير العديد منها، واستعان من أجل ذلك بكبار المخرجين لإخراجها تليفزيونيا مثل "السيد بدير" و"محمد توفيق" و"نور الدمرداش"، أيضا كانت فرقته مفرخة لاكتشاف وتقديم العديد من النجوم مثل سناء جميل وشكرى سرحان .
فى خلال رحلته مع النجومية كانت هناك محطات صعبة عاشها إسماعيل ياسين، خصوصا التى تتعلق بحياته العاطفية، فقد عاش لسنوات لا يفكر سوى فى فنه، حتى التقى بمن جعلته يغير رأيه فى النساء ويتزوجها وهى "فوزية" التى أنجب منها ابنه الوحيد "ياسين".
غدر الزمن
كما بدأ إسماعيل ياسين حياته بصورة مأساوية، وصفها "بالمركب التائه فى البحر"، انتهت أيضًا بنهاية مأساوية، حيث تعرض لعدد من الأزمات المالية، فهذا الفنان الذى كان يتنقل يوميا بين الأستديوهات، أصبح منذ بداية الستينيات يجلس بجوار تليفونه ينتظر من يطلبه فى عمل، ففى عام 1961 لم يمثل سوى فيلمين، وصل الأمر إلى أنه من عام 1962 حتى عام 1965 لم يقدم سوى فيلم واحد، وتناثرت الأقاويل حول تراجعه، بأنه أصيب بالجمود، ولم يعد قادرا على التعامل مع الأجيال الجديدة من المضحكين التى تجاوزته بالكوميديا التى تعتمد على الموقف، وليس مجرد الألفاظ أو تحريك قسمات الوجه.
عاش إسماعيل ياسين سنوات عمره الأخيرة أسيرا للأحزان التى أصابت قلبه بالمرض، خصوصا بعد أن تراكمت عليه الديون، وبعد علمه بأن معظم أعماله المسرحية التى قدمها وتم تسجيلها للتليفزيون المصرى محيت تماما واندثرت، وذلك بعدما أخطأ أحد الموظفين وقام بمسحها جميعا إلا فصلين من مسرحية "كل الرجالة كده" وفصل واحد من مسرحية أخرى.
لم يجد إسماعيل ياسين أمامه سوى السفر إلى لبنان، ليعمل هناك بفن المونولوج، ويشارك فى أفلام دون المستوى، بل إنه اضطر لتقديم الإعلانات، منها إعلان عن مساحيق الغسيل مما دفع الكثير من النقاد إلى مهاجمته، بدعوى أنها لا تليق بتاريخه العظيم.
عندما عاد إلى مصر، فوجئ بأن الضرائب حجزت على رصيده فى البنك، والذى كان يقارب 300 ألف جنيه، ولم يجد فى رصيده سوى جنيهين فقط، كما تم الحجز على بعض ممتلكاته وسيارته، مما أصابه بالشلل النصفى لأسبوع كامل، وبسبب الصداقة القوية التى كانت تربط ابنه الوحيد بأبناء الرئيس عبد الناصر أبلغهم بما جرى لوالده، مما دفع الرئيس بمخاطبة محافظ القاهرة وإعادة السيارة.

نهاية الرحلة
كان أشد ما يؤلم ملك الكوميديا ويجعل دموعه تتساقط بين الحين والآخر، ابتعاد أصدقائه ومحبيه عنه ومعظمهم من كان يمد يد العون لهم، لكنه ابتسم عندما حاول المنتج أحمد ضياء أن يرفع من حالته المعنوية السيئة، فأشركه فى بطولة فيلم "الرغبة والضياع" أمام رشدى أباظة وهند رستم، وبرغم أنه كان دورا ثانويا وجاء ترتيب اسمه فى المرتبة الخامسة، لكنه اضطر للموافقة عليه حتى يعود للأضواء من جديد، وشعر بأن الدنيا قد تبتسم له مرة أخرى بعد أن علم بأن الرئيس السادات ينوى تكريمه، لكنه فارق الدنيا فى 24 مايو 1972 وقبل أن يحدث ذلك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة