هو موجود في كل زمان ومكان، ومن الخمسة الذين حذرنا منهم حبيب الرحمن المصطفى العدنان ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ الذين قال عنهم إنهم في النار، لقوله صلى الله عليه سلم إن أهل النار خمسة: "الضعيف الذي لا يملك عقله أمام الشهوات والمحرمات، والخائن، والمخادع، والكذاب، والشنظير"، وذلك لسُنة الله في خلقه التي لا يستوي فيها الخبيث والطيب، لقوله سبحانه :"لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ" [المائدة : 100]، والسؤال: من هو الشنظير الذي حذرنا منه نبينا الكريم؟، ولماذا أمرنا ديننا الحنيف بعدم مصاحبته ومجالسته؟.
معناه
يقول الدكتور مختار مرزوق ـ العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: الشنظير هو الإنسان الفحاش سيئ الخلق الذي لا يقول خيرًا أبدًا، بل كل ما هو باطل وفاحش وبذيء، السباب اللعان، والقاذف للمحصن والبريء، المنساق وراء الشيطان ولايخشى الرحمن، والبعيد كل البعد عن طريق الهداية الذي هو سهل واضح للغاية ولا يحتاج بياناً أو توجيهاً لمعرفتنا بالحلال والحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم :"الحلال بين والحرام بين"، ولقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم :"دع ما يريبك إلى ما يريبك ـ أي اترك ما تشك فيه أنه حرام، واذهب إلى الحلال"، والذي يعد أساس السير فيه هو الاستقامة، لقوله تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"
[ فصلت : 30 ـ 32]، والتي تعني هذه الآيات البينات إن المؤمن إذا استقام وأخلص العمل لله تعالى وأدى ما عليه من فرائض وعبادات فإن الملائكة تبشره وقت موته واحتضاره بمنزلته في الجنة، حيث تكون هي المؤنسة له في تلك اللحظة القاسية، وتقول له : نحن أولياؤك وقرناؤك في الحياة الدنيا نحفظك بإذن الله تعالى، والآن نحن معك في الآخرة نؤنس وحشتك في قبرك وعند الفزع الأكبر، ونؤمنك يوم البعث والنشور، حتى تدخل جنة الخلد التي وعدك بها ربنا الغفور الرحيم لتنعم فيها بما تشتهي نفسك وتلذ عينك جزاء تقواك وسيرك في الحياة الدنيا بطريق الطاعة والهداية وليس في الشر والغواية.
ويضيف الدكتور مرزوق: ولهذا يجب على شبابنا أن يحرصوا على السير في طريق الاستقامة حتى لا يقعوا في بئر الخيبة والندامة، وألا يصاحبوا إلا الأصدقاء الأخيار الدالين على الخيرات والطاعات وليس على الرذائل والمحرمات للفوز في الدنيا والآخرة، ومن كان فيه خصلة من أهل النار الخمسة الذين حذرنا منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن أمامه فرصة للتوبة والندم والاستغفار والاعتذار لله الواحد الغفار، الذي إذا علم صدقنا وعزمنا على التوبة تاب علينا، لرغبتنا في الاستقامة، فعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال :"قلت : يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال صلى الله عليه وسلم : "قل: آمنتُ بالله، فاستقم". رواه مسلم.
الرفيق
ويوضح الدكتور أحمد كريمة ـ أستاذ الفقه والشريعة بجامعة الأزهر: المرء يعرف بأقرانه، فإذا كان أقرانه وأصحابه أناسًا صالحين فلا شك أنه مثلهم في الصلاح أو على الأقل يناله قدرًا من هذا الصلاح، وإذا كان أقرانه وأصحابه من الفاسقين فلا شك أنه سيصيبه أذى منهم، ولهذا نصحنا نبينا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ باختيار الأصدقاء الصالحين، فقال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، وذلك لأن الإنسان مولع بالتقليد، فالشاب إذا أحب صديقه فإنه يقلده ويحاكيه، ولذلك قيل قديمًا: "نبئني عمن تصاحب.. أنبئك من أنت"؛ فمصاحبة الأخيار تغرس في النفوس الأخلاق الكريمة، وتدفعها إلى الصفات الطيبة الحميدة. أما مجالسة الأشرار أمثال الشنظير ومصاحبتهم تدفعنا إلى الاستهانة بتلك الأخلاق، وتجرنا إلى اقتراف الآثام، وتجعلنا لا نميل إلى الخير بل للشر، فالرفيق الصالح هو الناصح الأمين لصاحبه في الدنيا، يبين له الطريق المستقيم، ويهديه للحق وإلى طريق النجاح والفلاح والسعادة، ويكون له شفيعًا يوم القيامة، لقوله تعالى:"فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ"[الشعراء : 100 ـ 101].
ويضيف الدكتور كريمة: ولهذا يجب أن نكثر من أصدقائنا وأصحابنا الصالحين حتى يكونوا شفعاء لنا يوم القيامة، ونحسن اختيارهم في الدنيا لأن الله تعالى أمرنا بذلك، لقوله سبحانه :"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" [الكهف : 28]، والتي بين لنا ـ جل شأنه ـ في هذه الآية الكريمة أنه يجب أن نصاحب الأخيار الذين يعبدونه حق عبادته لنستفيد ونتعلم منهم فضائل الأعمال الصالحة، وألا نصاحب الأشرار الذين غفلت قلوبهم عن ذكره، والذي نبهنا لهذا الأمر في آيةٍ أخرى، لقوله تعالى: "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"[النجم: 29]، ونبهنا كذلك نبيه الكريم أن مصاحبة الصالحين ومجالستهم فيه خير كثير وفوائد عظيمة، وإن في مصاحبة الأشرار ومجالستهم شرًا عظيمًا وعواقب وخيمة.
الحكم
ويؤكد الدكتور نصر فريد واصل ـ مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: أن الشنظير هو إنسان فاسق؛ لأنه من المجاهرين بالمعاصي، والمتباهين بفسادهم، والمرددين لخزيهم، والمستهترين بدينهم، والمستخفين بمجتمعهم، ومن الفاعلين للفواحش والمنكرات جهارًا، والله تعالى لا يتجاوز عن ذنبه ولايعفو عنه ما لم يقلع عن فعل ذلك ويتوب توبةٍ نصوح، ويتوقف عن ترويج الأكاذيب والشائعات والفضائح والتنابذ بالألقاب والألفاظ البذيئة والسباب والشتائم بين الناس الذي يعد كل ذلك من باب نشر الفاحشة التي قال الله تعالى عنها: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاتَعْلَمُونَ}[النور:19]، والتي تعد سببًا في البعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرمان من شفاعته وصحبته يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ـ كثيري الكلام والمتطاولون على الناس بالكلام ـ، فما المتفيقهون؟ قال: المتكبرون" رواه الترمذي.
ويضيف الدكتور فريد واصل: ولهذا يجب علينا أن نصون ألسنتنا وجوارحنا عن الفحش والبذاءة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والفحش، فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش" ؛ والخوف والحياء من الله، لقوله صلى الله عليه وسلم :"إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم"، ولقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم :"ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه.