لم يكد العالم يحتوي جائحة كورونا وتداعياتها، حتى تبعتها أزمة الحرب الروسية الاوكرانية، وهي بدورها تسهم في تراجع اهتمام المجتمع الدولي بظاهرة التغير المناخي، التي تهدد سلامة كوكب الأرض، ومن ثم فإن التحديات التي ستواجه العالم في "قمة المناخ" COP 27 بشرم الشيخ تتضاعف، وتهدد الالتزامات العالمية لتمويل مشروعات التخفيف من الانبعاثات، والتكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية.
وإذا كانت التحديات الطبيعية ماثلة أمامنا، إلا أننا أمام تحديات أخرى بشرية، تتمثل في الاستخفاف بتداعيات وإهمال مخاطر المناخ، وتجسد ذلك من محصلة نتائج مؤتمر الأطراف "COP26" الأخير في "جلاسجو"، حيث جاءت مواجهة متغيرات المناخ محبطة، وحتى اليوم، لم تتمكن الحكومات من تلافي أو تقليل الكارثة المناخية التي يسببها "الاحتباس الحراري"، وما يصاحبها من كوارث، وما تحقق مما وعدت به القمة الأخيرة من مخصصات مالية لا تزيد على 92 مليون دولار من بين 100 مليار دولار، بنسبة%0.92، أي أقل من 1%.
وفي الوقت الذي تتوالى الاخفاقات والتحديات على مدار الكوكب، إلا أن الشأن البيئي المصري يختلف.. حيث لا تمتلك مصر الموارد الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فقط، بل لديها أيضًا طاقة جديدة متجددة تضاف إلى طاقاتها الطبيعية.. هي الموارد البشرية، فهي طاقة مبادرة متفاعلة أسست في الماضي، عندما عرف المصريون القدماء كيفية التعامل مع الركائز الأساسية للحياة، الأرض والماء والهواء في بيئة نظيفة وصحية، وتفوقت الحضارة المصرية على حضارات العالم القديم والحديث معًا، وكانت البيئة بمثابة العقيدة الروحية والمؤشر لجودة الحياة، وهي اليوم تلهم العالم وتقوده، بمواردها الطبيعية والبشرية، سعيًا إلى الأمان أو الحياد المناخي المأمول والمرتقب قبل نهاية العام الحالي بشرم الشيخ.
وتتشكل خيوط عديدة سعى المجتمع المدني في مصر، ممثلا في المكتب العربي للشباب والبيئة، لبناء نسيج جاد وقوي في الداخل والخارج، بدأها بطرفي المعادلة على الأرض وهما الإعلام البيئي، والمجتمع المدني، عبر ورشة عمل للإعلاميين المتخصصين الأسبوع الماضي بالعين السخنة، على مدى 48 ساعة، في إطار مبادرة "بلدنا تستضيف قمة المناخ COP 27"، وبدأت بإطلاق ميثاق شرف لمواجهة التغيرات المناخية، وكتبت ديباجة الميثاق بعناية معبرة عن المجتمع، وتقول:
"نتعهد نحن الموقعين على هذا الميثاق؛ شبابًا وشيوخًا، رجالًا ونساءً، من مختلف الشرائح والطبقات والدرجات العلمية والمواقع الاجتماعية، حكوميين ومدنيين، ومن مختلف المهن وبلا تمييز بين جنس أو عقيدة، بأن نحافظ على بيئة وطننا، ونعمل على قدر المستطاع وبكل ما أوتينا من قوة على المشاركة في تحقيق التنمية المستدامة، امتدادًا لما فعله أجدادنا، فأنشأوا حضارة هذا الوطن وتاريخه، وحافظوا عليها لآلاف السنين، فقدموا للعالم العلوم والفنون والآداب".
من المكتب العربي للشباب والبيئة، وعبر ورشة العمل، تدفقت المشروعات والمبادرات والرؤى والمقترحات لمساندة ودعم الدور الرسمي للدولة، فضلًا عن رفع الوعي وتوحيد كلمة المجتمع المدني أثناء مشاركته في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ "COP 27" المقرر في نوفمبر المقبل بشرم الشيخ.
قبل تحركه في الاتجاه العربي والإفريقي، حرص المجتمع المدني المصري على إنشاء منصات للتفاعل مع الداخل، فقد تم إنشاء 27 منصة للإعلام البيئي والتنموي تسهم في تغطية كافة محافظات مصر، والهدف يوضحه رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة الدكتور عماد الدين عدلي المنشئ للمنصات، هو الوصول إلى نبض المجتمع المصري في كافة أرجاء الجمهورية بصدق وأمانة تسهم في رفع الوعي، وحفزه للمشاركة، والنهوض بواقعه الاجتماعي و البيئي والتنموي، وفي الاتجاه الخارجي، الدوائر العربية والإفريقية، يضيف عدلي، نسعى إلى ضمان توحيد الأفكار والمبادئ والبيانات التي تخرج من منظمات المجتمع المدني، لدعم القضايا المصيرية في مصر والعالم العربي وإفريقيا.
كانت، الدائرة الإفريقية، حاضرة في الشأن البيئي خلال ورشة العمل وما بعدها، عندما أكدت مدير المنتدى الدولي لحوض النيل فيردين نيرامانا، خلال كلمتها المصورة أمام منصة إطلاق مبادرة "بلدنا تستضيف قمة المناخ 27"، على ضرورة وضع خطط مستقبلية للتعاون بين مصر والقارة الإفريقية استعدادًا لقمة المناخ، مشيرة إلى أن المبادرة داعمة لمنظمات المجتمع المدني التي لها أهمية كبيرة في التوعية بقضايانا وآثار التغيرات المناخية، وأشارت إلى أن المجتمعات الإفريقية، تفتقد للاتصال الجيد وصعوبة توفير المعلومات للمواطن العادي، وهنا يأتي دور الإعلام، فهو المفتاح لتحقيق تأثير حقيقي على الأرض؛ سواء كان في إفريقيا أو دول حوض النيل، وطالبت المانحين بدعم الإعلام والمجتمع المدني.
ومن خلال مشاركاته العديدة في مؤتمرات خارجية لقمة الأطراف وغيرها من الفعاليات الدولية، لفت مستشار تغير المناخ الدكتور أشرف شلبي، الانتباه عندما كشف جانبًا إيجابيًا مهمًا لأداء المجتمع المدني المصري مقارنة بنظيره في الخارج، بأن المصري يشارك بفكر إيجابي ومبادرات جديدة، مقارنة بنظيره الأجنبي الذي تتركز غالبية مشاركاته في الاحتجاجات عبر تنظيم المظاهرات ضد أداء الحكومات أو وقوع مخالفات بيئية فقط.
وبالرغم من أن مصر من أكبر الدول تعرضًا لآثار التغيرات المناخية، وهي أقل الدول المتسببة في التلوث عالميًا، إلا أن تكامل الجهد الرسمي بإطلاقه "الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050"، بعد يومين من مبادرة المجتمع المدني بإطلاق "شبكة إعلاميون من أجل المناخ"، فإن ذلك يثري الشأن البيئي في الداخل والخارج، ويقوي النسيج بين كافة الدوائر البيئية المحلية والعربية والإفريقية والعالمية.. نعم.. فإن الشأن البيئي المصري، الرسمي والمدني، اليوم يختلف.
[email protected]