المناهج مشكلة أزلية.. فمنذ نشأة مدارس الابتدائي والثانوي، والمناهج كما هى.. ولن تجد فرقًا كبيرًا فى أسماء المواد، أو أقسامها وتنويعاتها.. والفارق فقط فى محتوى هذه المواد، وفى الكمية والمكيال، والأوزان التي يحملها التلميذ على أكتافه.. فابتدائية الخديو إسماعيل وما قبلها كالتالى: قرآن كريم - وألغوه للأسف.. والخط العربي - وهو الآن مادة أثرية متحفية!.. ثم اللغة العربية، والحساب والرسم، والتاريخ والجغرافيا.. لاشيء جديد هنا.. أما الجديد فهو اللغة التركية، والتاريخ والجغرافيا باللغة الإنجليزية!
وفى الثانوى أيضًا .. المواد المعتادة .. الكيمياء والفيزياء والأحياء ( أو التاريخ الطبيعي ) والعربي والإنجليزي، والتاريخ والجغرافيا باللغة الإنجليزية، والهندسة والجبر والحساب.. ثم مواد أخرى هى اللغة التركية، والقسموغرافيا، والمنحنيات، والخط الإفرنكي!! مجرد اختلاف في العنوان والشكل والمنظر.. والجوهر واحد.
ولهذا جاء تقرير الهلالى سنة (1935) - وكان وزيرا للمعارف وقتها - يصف حال التعليم .. أن الفصول مكدسة.. والمناهج متضخمة.. والتربية مفقودة.. والمدرسون ظلمة مظلومون.. وهو كلام لا يخرج عما نقوله الآن شعرة.
ثم يقول معلقا ً: "إن التعليم أخرج نسخا ً مكررة متشابهة من التلاميذ.. كذلك طغى حتى على المدرسين أنفسهم فأحالهم نسخا ً مكررة متشابهة لمعلم يمسك بيمينه الكتاب المفرد وبيساره مجموعة الأسئلة.." أي أن مشاكلنا عتيقة أبدية، ومرضنا التعليمى مزمن.
وحتى بعد ثورة 23 يوليو، لا تغيير، وإنما مجرد مواد أخرى تضاف للقائمة.. فهناك مادة المجتمع العربي.. ومادة الثقافة الاجتماعية، ومادة الدراسات العملية.. ثم مادة أخرى اسمها (الفتوة) - أى القوة - وهى مادة ذات لمسة عسكرية، للتدريب على أعمال الدفاع المدني، ومسألة المناهج ليست في حسابات أى طالب متفوق... فهو لا ينظر إلا إلى النجاح.. حتى لو وضعوا فوق منهجه ألف منهج.
والعاقل لا يحارب طواحين الهواء.. ولا يتمرد على قضية لم يضعه أحد طرفا ً فيها.. عادة قديمة..
التعليم فى مصر طبيخ سيء المذاق.. والمسئولون اكتشفوا هذا فى كل وقت.. وفى كل مرة يضيفون توابل جديدة، فيزداد الطبيخ سوءا ً وميوعة.
والقوانين التي صدرت لإصلاح التعليم كثيرة.. فلا التعليم أصلح، ولا القوانين توقفت، والتخبطات الوزارية التي شطرت الثانوية العامة إلى سنتين، أو ألغت السنة الابتدائية السادسة ثم أعادتها.. ليست موضة جديدة، وإنما صفة تشريحية أصيلة، وعادة من عادات التعليم عندنا!
حتى وزارة التعليم نفسها لم تكن موجودة قبل عام (1837).. وكانت المدارس تابعة لديوان الجهادية.. حتى نشأ "ديوان المدارس" أخيرا ً .. وجاء الخديو سعيد فألغى مدارس كثيرة، وألغى معها ديوان المدارس، فلم يعد له لزوم.. وأعيد إنشاؤه فى عهد إسماعيل، ثم تغير اسمه إلى نظارة المعارف عام ( 1878).. ثم إلى وزارة المعارف سنة ( 1915).. وأخيرا ً إلى وزارة التربية والتعليم سنة ( 1955).
والابتدائي تعرض لمطبات وتخبطات أكثر، فالكتاتيب ظلت موجودة بجوار المدارس فترة كبيرة، حتى تحولت كلها إلى مدارس أولية.
وجاء وقت اختلطت فيه أنواع الابتدائي ودرجاته.. فهناك مدارس أولية ، ومدارس ليلية، ومدارس أجنبية، ومدارس خاصة، ومدارس ريفية.. ثم مكتب الابتدائي من الدرجة الثالثة.. وهو مكتب من فصل واحد ومعلم واحد، وكان فى القرى الصغيرة.. ومكتب الدرجة الثانية.. من فصلين واثنين معلمين.. ثم مكتب الدرجة الأولى فى العواصم والمراكز الكبرى.. وهو الذي يؤهل للتعليم الثانوى!
ونوع آخر من التعليم الأساسي هو المدارس الإلزامية، ونشأ بعد سنة (1925).. الهدف منه التعليم المجانى لغير المتعلمين من أبناء الشعب.. لكنه لا يؤهل لأي شيء .. أى أنه تعليم مغلق لا يمكن القفز منه إلى الثانوى أبدا ً!.
وبسبب التخبط فى مدارس الابتدائي، والقوانين العائمة.. جاءت ثورة يوليو فوضعت قوانين للتنظيم.. فأصبح التعليم الابتدائى محصورا ً بين سن (6 : 12) سنة... كما تم توحيد سن القبول إلى (6) سنوات.. ثم تم تقسيم الابتدائى إلى مرحلتين.. مرحلة رياض الأطفال سنتين.. والابتدائي (4) سنوات.. ثم ألغيت رياض الأطفال، وأصبح الابتدائى (6) سنوات، والتلميذ من حقه أن يُمتحن بعد (4) سنوات فقط إن استطاع.. لكن هذا الحق نـُزع منه بعد 3 سنوات فقط.
وما زال التعليم يحافظ على عادته القديمة بإصرار عجيب! هذا غير التعديلات التي أدخلت على النظام الثانوى.. التحسين، ثم التشطير!
والله أعلم بالمفاجآت التي يخبئها لنا التعليم فيما بعد.
[email protected]