يتخلل نيل القاهرة بعض الجزر منها القديم وآخر مستحدث مثل جزر الزمالك والذهب والوراق وغيرها من الجزر الصغيرة، لكن جزيرة الروضة تعتبر من أقدم الجزر وأجملها في نهر النيل، فكانت موجودة عند دخول العرب أرض مصر 641م وكانت تعرف باسم الجزيرة أو جزيرة مصر، ثم سميت بجزيرة الروضة لخصوبتها وانتشار الزهور والأشجار عليها منذ أن أنشأ بدر الجمالي بستان الروضة.
وصفها الكاتب الفرنسي "دي فوجاني" عام 1883م قائلا: "فإن الجزيرة تكسوها الأشجار الكثيفة والنباتات المستوردة من الهند مثل البامبو، وتضم أوراقا مقطعة بغرابة وفاكهة غريبة الشكل والطعم، والعديد من الطرق الواسعة وأرضية مغطاة بالورد، ترتفع وسطها مساكن بديعة وأخرى مكسوة بالحشائش مثل الأحجار الكريمة الخضراء تعبرها روافد المياه الصافية" تخيلوا كل هذا الجمال كان في مصر!
ترتبط الروضة في الأذهان بالمماليك فكانت مقرا لقلعتهم الشهيرة وعرفوا بالمماليك البحرية، بينما برز دورها التاريخي حين حاصر المسلمون حصن بابليون أو قصر الشمع عند دخولهم مصر، وانتهى الحصار بعقد الصلح الشهير بين أقباط مصر وعمرو بن العاص بإعطائهم عهدا بالأمان، وتضمن استحقاق الجزية أو الخراج بوفاء النيل، لذلك كان الاهتمام دائما بإثبات وفاء النيل من خلال مقياس النيل بجزيرة الروضة.
وعلى مر العصور توالت الأهمية التاريخية للجزيرة ،حيث أنشئت عليها دار لصناعة السفن سواء الحربية أو التجارية، ثم إنشاء حصن بناه أحمد بن طولون لحمايته وأهله من غضب الخليفة العباسي المعتمد بالله، وظل الحصن قائما حتى عهد كافور الإخشيدي الذي أهمله وأنشأ بجواره "بستان المختار" بعد نقل دار الصناعة إلى الفسطاط، وظل البستان قائما إلى ان أنشأ بدر الجمالي "بستان الروضة“، تميزت الروضة بالبساتين المتعددة زمن الفاطميين، ومن أشهرها "بستان الهودج الذي أنشأه الحاكم بأمر الله لزوجته البدوية حتى لا تكون حبيسة جدران القصور ومن المفارقات أنه قتل حينما كان يتنزه فيه!
أما قلعة الروضة فأنشأها الصالح نجم الدين أيوب حين استشعر خطر الصليبيين على مصر لتكون مركزا للدفاع عن البلاد في حال تقدمهم للداخل، واتخذها مسكنا خاصا له ولمماليكه وقد اشترى عددا كبيرا منهم عرفوا باسم "المماليك البحرية"، ومنهم عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرس والناصر محمد بن قلاوون وأولاده وشجرة الدر.
وبعد وفاة الملك الصالح أهملت القلعة ولم يهتم بها سوى الظاهر بيبرس، ولكنها تهدمت في عصر السلطان منصور بن قلاوون.
ومن أشهر القصور التي بنيت في تلك الفترة قصر العيني الذي بناه شهاب الدين أحمد العيني 1466م، وجعله الفرنسيون أثناء الحملة الفرنسية مستشفى لجنودهم، وفى عهد محمد علي تم اتخاذه كمدرسة للطب، ثم مستشفى قصر العيني.
وفي العصر العثماني نشأت قرية صغيرة شمال جزيرة الروضة عرفت باسم منيل الروضة، وتعنى كلمة المنيل باللهجة المصرية "مقياس النيل"، ويقال أيضا إن معنى الكلمة يرجع إلى أن محمد على باشا اختار تلك المنطقة لبناء مصنع لتصنيع النيلة لإنتاج الصبغة المستخدمة في صباغة الأقمشة.
وكان لاتخاذ جزيرة الروضة مسكنا لعدد كبير من أسرة محمد على، أثر في جعلها أرقى أحياء القاهرة؛ حيث أنشأ القائد إبراهيم بن محمد علي باشا بستانا عظيما يحتوي على الأشجار المتنوعة والنادرة وأصناف من الطيور والحيوانات وخلجان وجبلاية صناعية وكان يتردد عليه كافة المصريين، وبنى له قصرا بها، وكذلك الخديو إسماعيل، وقصرا لوالدة عباس الأول، وقصر الأمير محمد علي توفيق المعروف بقصر المنيل والذى بني بين 1899-1929م، ويتكون من ستة مبان من بينها سراي لإقامة الأمير، ومتحف للأسرة العلوية.
على الجانب الشرقي لجزيرة الروضة انتشرت قصور الأمراء والأعيان وما زال منها حتى الآن قصر المانسترلي باشا وهو تحفة معمارية بناه حسن فؤاد المانسترلي 1851م وكان أول محافظ لمصر في عصر الوالي سعيد باشا، وألحقت به وزارة الثقافة 1998م متحفا يحمل اسم أم كلثوم يضم مقتنياتها، وقصر إبراهيم بك الهلباوي أول نقيب للمحامين في مصر وتوجد محطة تحمل اسمه إلى الآن "محطة الهلباوي"، وكان بها قصر سعيد باشا ذو الفقار، كبير أمناء القصر الملكي منذ عهد الملك فؤاد، وينسب إليه "ميدان الباشا" ويقطعه شارع يحمل اسمه، وقصر سليم باشا الجزائري، وحسن بك يكن وغيرهم.
ولكن مع الأسف ذهبت بساتين الروضة والمنيل كغيرها من بساتين وحدائق مصر، ولم يعد باقيا منها إلا شريط ضيق من الحدائق المتواضعة في شارع عبد العزيز آل سعود.