عندما نقول إن هناك أزمة اقتصادية عاتية؛ تضرب العالم؛ وبما أننا جزء منه؛ فهي تضرب بنا؛ ولكن بشدة أكثر من بقيته؛ لأسباب متعددة منها؛ أننا نعاني من ويلات فساد ترسخت جذوره حتى عمق كبير في الأرض؛ بدأت منذ سنين طويلة؛ قد يكون من الصعب حصرها؛ ولكن من السهل تبيان آثارها.
هذا الفساد كان كفيلًا بتآكل جزء ليس بالهين من ثمار التنمية؛ ليدور في دائرته بمفرده؛ حتى أضحى سكان تلك الدائرة متفردين؛ بل قل متنعمين؛ كل مؤهلاتهم؛ أنهم فاسدون.
ومنها أننا نصلح ما أفسده ماض سحيق بتبعاته؛ هذا الإصلاح مكلف للغاية بلا شك؛ ولكنه يحتاج لترشيد خاصة الآن حتى يؤتي ثمار مأمولة، وإلا سننتظر كثيرًا؛ قبل أن نرى عائدًا نقول عليه يسيرًا.
ومنها أن هناك من يديرون عملًا؛ ليسوا هم الأكفأ لإدارته؛ وهنا نشاهد هدرًا؛ نحسبه متعمدًا؛ بسبب جهل الإدارة؛ قد لا يطلق عليه البعض فسادًا؛ لعدم تربح المتسبب فيه منه؛ ولكني أطلق عليه فسادًا بينًا؛ لوجود خسارة غير مقبولة؛ وغير مبررة؛ وهو درجة مرتفعة من درجات الفساد شئنا أم أبينا.
السابق الإشارة إليها كفيلة بتبيان حجم واضح للهدر؛ فما يحدث في عدد من القطاعات الحكومية؛ التى تأخذ كل مستلزماتها من موازنة الدولة؛ جزء كبير من تلك الموازنة يتم تمويله من الضرائب المستقطعة من الشعب؛ بفئاتها المعلومة.
وهنا أعطي مثالًا واضحًا؛ بعدد السيارات التي تعمل في الجهات الحكومية؛ وكيفية تخصيصها؛ وآليات التعامل معها؛ وهل الوضع يسير بشكل معتدل ومقبول؟
الإجابة يعرفها بوضوح تام كل العاملين بتلك الجهات؛ لأنهم بطبيعة الحال شاهدون على مهازل كثيرة؛ تومئ بأن هناك تبذيرًا قد يبدو كبيرًا في نظر البعض؛ وصغيرًا في نظر الآخر؛ قياسًا؛ بحجم النظر إلى مفهوم التبذير؛ هناك من يرى أن عدد ثلاث أو أربع سيارات أو أكثر؛ يتم تخصيصها لمسئول واحد أمر جلل؛ وهناك من يرى أنه أمر "عادي"!
أما الإشكالية الكبيرة؛ فهي وجود عدد من الموظفين يتمتعون بكل شيء؛ شغل عدد من الوظائف لنفس الشخص؛ وتمتعه وحده بكل مميزاتها؛ بما فيها العوائد المادية الكبيرة جدا جدا؛ فبعضهم يتقاضى أجرًا؛ يصل لأكثر من ضعفي مرتب أقرانه منذ سنوات دون أن يتحرك أحد؛ ويبدو سبب عدم التحرك أن الوضع قانوني! لنلقي باللوم على القانون؛ والقانون فقط؛ أما من يحركون الأمور؛ فلا لوم عليهم!
وليذهب حنق الناس وغضبهم إلى الجحيم؛ ولو حدث ما يومئ بأن هناك خطأ؛ فالعيب على القانون!
وبت لا أعرف ما هي ضوابط تعيين مساعدين ومعاونين للوزراء؛ في الأجر أو العدد؛ هذا الشأن متخم بمفاجآت لا حصر لها؛ تبدو محزنة للغاية؛ لأن عددًا منهم يعمل بالأصل في وظيفة مختصة بنوع الترقية التي حصل عليها؛ وبات يأخذ أجر كل الأعمال المسندة إليه بالكامل!
فأي منطق هذا الذي يجبر المتابعين لقبوله وكيف!
وأصبح من الضروري التعامل مع بديهيات اللحظات الراهنة بقدور من التعقل وأيضًا الانضباط؛ فقبل مطالبة الناس بالترشيد؛ يكون من الأُولى تطبيق ذلك الفقه على المسئولين؛ ولنا في السيد عبدالفتاح السيسي عبر كثيرة؛ بعد أن قرر التنازل عن نصف أجره بالكامل لصندوق تحيا مصر؛ فهل من المنطقي أن نشاهد موظفًا في درجة أقل من رئيس الجمهورية يأخذ أجر مثل أجره!!
نعم ذلك غير منطقي، ولكنه موجود؛ بل هناك من يتقاضى أكثر! والتأكد من ذلك يسير وسهل للغاية؛ يمكن لنا معرفة أجور العاملين بالدولة؛ لأنهم يقبضون أجورهم من موازنة الدولة؛ فهل من آلية تعلن لنا حدود إجمالي الأجور لكل العاملين؛ وحدودهم إن وجدت؟
،،،، والله من وراء القصد
[email protected]