لم تكن العلاقة بين الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد والزعيم عادل إمام بالعادية في مشوار كليهما الفني، فهي علاقة صداقة وأخوة، وتجربة خاض فيها الاثنان حربًا ضد كثير من الأفكار الظلامية، وطرحا من خلالها كثير من التساؤلات التي شكلت وعي وثقافة الجمهور، لتكن رحلة الثنائي معًا "أيقونة" للإبداع وعشق الفن، وتجربة ملهمة لأجيال مضت وآخرى قادمة.
ولم تتوقف تجربة نجاح الزعيم مع الصديق فقط "وحيد حامد" هي النجاح الوحيد الذي جمعه بهذه العائلة "الاستثنائية"، فقد قدم النجم الكبير واحدًا من أهم مشروعاته السينمائية التي قدمها مطلع الألفية الجديدة مع المخرج المتميز مروان حامد والذي حمل عنوان "عمارة يعقوبيان"، هذا المشروع السينمائي الضخم الذي خرج في توقيت دقيق للسينما المصرية اعتمدت فيه فقط على الكوميديا كنتاج لمشروعاتها المقدمة، ليكتب هذا العمل تاريخًا وعهدًا جديدًا للسينما المصرية ليست فقط على مستوى المحلي ولكن على صعيد المهرجانات العالمية، ويكتب معه أيضًا شهادة ميلاد لمخرج محترف ستظل تجربته الأولى شديدة الأهمية والخصوصية لكونها حملت اسم الزعيم عادل إمام.
المخرج مروان حامد يتحدث في حواره ل "بوابة الأهرام" عن تفاصيل علاقته بالزعيم عادل إمام الذي نحتفل بعيد ميلاده اليوم الثلاثاء "١٧ مايو" منذ الطفولة وحتى تجربته الأولى بالسينما، ويكشف عن الدعم الذي منحه له النجم الكبير، وما الذي تعلمه منه، وكيف يرى الجماهير الزعيم بالمهرجانات العالمية، ويتمنى أن يعود ويتحقق الحلم مجددًا بتقديم مشروعًا جديدًا مع الزعيم، وغيرها من التفاصيل التي ترد على لسانه في السطور التالية...
في البداية، قدم مروان حامد التهئنة للزعيم بعيد ميلاده، ووجه له رسالة تضمن محتواها ما يلي:
"كل سنة وحضرتك طيب، أتمني لك عاما جديدا مليئا بالسعادة، ولابد أن أقول إن الأستاذ عادل إمام صاحب فضل كبير جدًا عليا لأن تجربة العمل معه في "عمارة يعقوبيان" هي تجربة فارقة في مشواري كمخرج، وفارقة للفيلم نفسه لأن وجود الزعيم دعم المشروع فقد كان أول نجم ينضم للعمل وهذا فتح الأفق بعد ذلك لتقديم أفلام ذات بطولات جماعية تجمع كبار النجوم في الوقت الذي لم تكن فيه هذه الفكرة منتشرة بخلاف طبيعة السينما حينها التي كان اعتمادها الأساسي على الكوميديا".
"عمارة يعقوبيان"
فيلم "عمارة يعقوبيان" تجربة أعادت الروح للأعمال الأدبية، وغيرت المفهوم السائد حينها للسينما في مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، فكرة أن الأستاذ "عادل إمام" تحمس للمشروع ومع مخرج جديد وهي مخاطرة فهو أمر فتح أبوابا كثيرة للفيلم على جميع المستويات.
حتى هذه اللحظة دائما استشهد بهذه التجربة مع الزعيم، وأي حد اشتغل مع الأستاذ استفاد كثيرًا من دعمه وفي نفس الوقت هو علامة فارقة في مشواري، فأول شوط أخرجته كان من تمثيل النجم الكبير عادل إمام، فدرجة الحب التي أكنها له لا يمكن وصفها.
تعلمت من الزعيم الكثير في تلك المرحلة لأنه قدم لي كثيرا من الدعم بلا حدود وبمنتهى الكرم، والحقيقة أن هذه هي شخصية الزعيم في الواقع، وقبل التصوير كان بينا جلسات عمل كثيرة كنت أشرح له فيها وجهة نظري وهو أمر طبيعي بين المخرج وبطل العمل، لكن خلال التصوير كنا نعمل بحب ومتعة كبيرة جدا.
الحقيقة أن الزعيم منحني ثقة كبيرة جدا فوق الوصف وكان يشجعني طوال الوقت وهذا فرق كثيرا معي لأنني إذا كنت داخل مهزوز أو فاقد الثقة مكنتش عرفت أنطلق ولا اشتغل بحرية، فالعمل مع عادل امام منحني قانون العمل والمنهج الذي استكملت به رحلتي.
تجربة التعلم من العمل مع الزعيم
تعلمت من الأستاذ الانضباط وتقديس العمل واحترامه الكبير للنص، عمري ما شوفته تدخل في النص سواء معي أو حتى في الأفلام التي حضرت تصويرها مثل: المنسي، النوم في العسل بالعكس هو بيركز في الحوار ويحترم النص كثيرًا.
هذا بخلاف احترامه لجميع العاملين في اللوكشن، فهو يعرف كل فرد بالاسم ومركز مع كل الناس، فهناك حالة دفء شديدة في العمل، احترام كبير لمن نقدمه واحترام لفكرة أن ما نقدمه له قيمة وتأثير كبير على الجمهور، فهذا ما شاهدته وتعلمته من الزعيم سواء في عملي معه كمخرج أو حتى من قبل دخولي المجال.
والحقيقة أن الزعيم منحني ثقة كبيرة ودعم لا نهاية له في "عمارة يعقوبيان" ولولا ما قام به في أولى تجاربي لم أعرف أنطلق ولا اشتغل بحرية، فالعمل مع عادل إمام منحني قانون العمل والمنهج الذي استكملت به رحلتي طوال السنوات الماضية.
عادل إمام في المهرجانات
لما تسافري خارج مصر في أي دولة عربية، أول حاجة بيسألوا عنها عادل إمام، وهذا إن دل على شىء يدل على القيمة العظيمة والهامة لهذا النجم الكبير في مصر والوطن العربي وحتى لو في دولة أجنبية ويوجد فيها أي حد عربي من الجاليات دايما يقولوا لي "سلملي على عادل إمام" فهي الجملة الاساسية التي نستقبل بها، فقد شرفت بالسفر مع الزعيم في العديد من المهرجانات، ورأيت بنفسي كيف يستقبله جمهوره في الخارج بالمطارات والشوارع وكل مكان فهو قيمة كبيرة في السينما المصرية وللفن.
علاقة أبي بالزعيم
علاقة والدي بالزعيم بدأت من قبل ما أتولد من أيام مسلسلات الإذاعة مثل طائر الليل الحزين، قانون سوكسنيا، ثم السينما ومسلسل أحلام الفتى الطائر، فأنا تربيت على هذه العلاقة وعادل إمام بمثابة أبًا لي، ومنذ صغري.
وهو نجمي المفضل، وطوال الوقت أنظر إليه أنه حاجة كبيرة سواء كطفل أو شاب، والعلاقة الأسرية بينا لا يمكن وصفها فبدون شك وجوده آثر فيا وأنا لا انسى عندما قدمت فيلمي القصير "لي لي" دعمني وأشاد بالفيلم رغم كونه فيلم قصير وهذا كان قبل تعاوني معه في "عمارة يعقوبيان" بثلاث سنوات ولا انسى هذه الكلمات التي اثنى بها على تجربتي حينها.
وقد تربيت في طفولتي على مشاهدة مسرحيات عادل إمام مئات المرات مثل "الواد سيد الشغال" التي شاهدتها في المسرح ما لا يقل عن ١٢ مرة في المسرح، ولدي صور كثيرة معه في طفولتي وهذا أمر فرق لي كثيرًا وأثر في تجربتي.
لحظات خاصة في "عمارة يعقوبيان"
شخصية "ذكي الدسوقي" التي قدمها الزعيم في يعقوبيان مؤثرة جدا ولا يوجد مشهد لها مكتوب مجرد مشهد عابر أو يقول معلومة عادية، لكن هناك لحظات خاصة خصوصا وأننا عرضنا الفيلم في كثير من المهرجانات بالخارج، وهنا أتذكر واقعة هامة.
وأتذكر خلال تواجدي بأحد المهرجانات الموجودة فالولايات المتحدة الأمريكية، تواجدت هناك سيدة متقدمة في العمر وقالت لي أنا النهارده عيد ميلادي الـ٨٠ وهنأتها بالفعل، وطلبت مني طلب وحيد هو أن تقابل زكي الدسوقي وترقص معه فقد كان هناك حالة سحر قدمها الزعيم بالفيلم، وعندما تواجدت مع النجمة يسرا بمهرجان ترابييكا بنيويورك سمعنا إشادات كبيرة من الممثل الأمريكي جون مالكوفيتش عن أداء الزعيم وشخصية زكى الدسوقي الساحرة.
وهناك كثير من المشاهد المؤثرة مثل نظرة الحزن التي ترتسم على وجهه بعد أن يحضر له "فانوس" الراحل أحمد راتب، ويقول له "دولت أختك مشيت وسابتلك الشنط دي"، ومشهد آخر وهو يسير بجوار يسرا ويقول "انا مااذتش غير نفسي بس"، ومشهد آخر خلال رقصه مع هند صبري، فجميع مشاهد الزعيم تحمل إبداعا وسحرا خاصا في هذا الفيلم.
الحلم واستمرار الدعم بعد رحيل الوالد
حلم حياتي أخرج مجددا مشروع سينمائي للزعيم عادل إمام، وفكرة أني أخرجتله فهذا أهم حدث في حياتي المهنية، دعم الزعيم لي موجود طوال الوقت قبل وبعد رحيل الوالد، فنحن على تواصل دائم لأنه كما ذكرت بمثابة الأب الثاني لي، وبالتأكيد رحيل الوالد مآثر فينا كلنا بشكل كبير جدًا.
عادل إمام فيلم عمارة يعقوبيان عادل إمام ومروان حامد عادل إمام ومروان حامد