جيروم باول : استقرار الأسعار يحدث مع تضخم نسبته 2 %
موضوعات مقترحة
كرستين لاجارد: الحرب على أوكرانيا تبطئ نمو الاقتصاد الأوروبى
كريستالينا جورجيفا: الحرب أدت لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والدول الإفريقية الأكثر تضررا
فخرى الفقى: مصر تحوطت بزيادة احتياطياتها الذهبية.. وفى الموازنة الجديدة لدينا 130 مليار جنيه احتياطى طوارئ
ما كاد العالم يشعر بعودة الحياة إلى الاقتصادات العالمية، بعد إغلاق قارب العامين بعد تفشى جائحة كوفيد -19، التى ألقت بظلالها على سلاسل الإمداد والتوريد، حتى لاحت فى الأفق الحرب الروسية - الأوكرانية، التى أثرت على أسعار النفط وعلى الصادرات الزراعية، حيث أعلن صندوق النقد الدولى أن هناك 44 مليون شخص، على أعتاب مجاعة، بسبب إيقاف الصادرات الزراعية الروسية والأوكرانية، وانعكس ذلك على الأسعار فى مختلف دول العالم.
وتفاقمت معدلات التضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى برفع سعر الفائدة مرتين متتاليتين، الأولى فى مارس بمقدار 0.25 نقطة، ثم تلاها الرفع الثانى فى الرابع من الشهر الجارى بمقدار0.50 نقطة، وبحسب تقديرات جيروم باول -رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى- أن كل ارتفاع بمقدار 10 دولارات لسعر برميل النفط، يتسبب فى تراجع النمو الأمريكى بنحو 0.1 نقطة، وزيادة التضخم 0.2 نقطة، وقد بلغ معدل التضخم 7.9 % فى فبراير الماضى، ثم قفز إلى 8.5 % فى مارس الماضى، وهو ما يستدعى تدخل الفيدرالى الأمريكى بأدوات السياسة النقدية، وقد اتبعت البنوك المركزية للعديد من الدول الفيدرالى الأمريكى، خوفا على استثماراتها وقيمة عملاتها، خصوصا تلك الدول التى ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكى.
مهمة البنوك المركزية فى أى دولة فى العالم، هى خفض معدل البطالة، وجعل الأسعار ثابتة إلى حد ما، ودعم الأسواق المالية لحماية الاقتصاد، وبعد ذلك يجب محاربة التضخم، كما قال ستيفن سكيتى بجامعة براندز بولاية ماساتشوستس، إن لجنة السوق المفتوحة للاحتياطى الفيدرالى، ترى أن استقرار الأسعار يحدث مع معدل تضخم نسبته من 1.5 % إلى 2 %.
لكن بعد أن أظهرت البيانات الحديثة، ارتفاع معدل التضخم لأعلى مستوى له خلال 40 عام فى فبراير الماضى، حيث بلغ معدل تضخم أسعار 7.9 % فى شهر فبراير الماضى، مقارنة بـ7.5 % فى يناير، مسجلا أعلى مستوى له منذ عام 1982، مما دفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى رفع سعر الفائدة 0.25 نقطة فى مارس، وهو ما يجعل النطاق السعرى للفائدة بين البنوك لليلة واحدة، يتراوح بين 0.25 % إلى 0.5 %، لكن يبدو أن تلك النسبة لم تكن كافية، وكان جيروم باول - رئيس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى - قد صرح أنه يمكن رفع سعر الفائدة مرة أخرى، وهذا ما حدث فى الرابع من الشهر الجارى، حيث تم رفع سعر الفائدة 0.5 نقطة أساس، وذلك بعدما بلغ معدل التضخم 7.9 % فى محاولة لكبح جماح التضخم، وتشير كل المؤشرات إلى أن الأربعة اجتماعات المتبقية، للاحتياطى الفيدرالى الأمريكى هذا العام، ستشهد زيادات فى أسعار الفائدة.
وقد أظهرت النماذج الإحصائية، التى يستخدمها خبراء فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، كما صرح جيروم باول، أن كل زيادة بمقدار 10 دولارات فى سعر برميل النفط، تؤدى إلى تراجع النمو الأمريكى بنحو 0.1 نقطة وزيادة التضخم 0.2 نقطة.
تداعيات رفع سعر فائدة الدولار
أدت أزمة كوفيد - 19 إلى قيام الولايات المتحدة، بضخ 1.9 تريليون دولار خلال فترة الإغلاق، هذا بخلاف أن انتشار الأوبئة تعطل سلاسل التوريد العالمية، وتتخذ كل دولة سياسات الحماية، حيث تتسارع البلدان المختلفة إلى تخزين الإمدادات الحيوية، مثل الأغذية والمنتجات الصيدلانية، وهو ما انعكس على جل الاقتصادات العالمية، وبعد ظهور بوادر التعافى للاقتصاد العالمى، حتى ألقت الحرب الروسية - الأوكرانية بظلالها على الاقتصاد العالمى مرة أخرى، حيث قفزت أسعار النفط وكذلك أسعار الحبوب الزراعية، مثل القمح والذرة.
ومع رفع سعر الفائدة الأمريكية، وتوقع استمرار زيادتها على مدار العام الحالى بمقدار 0.25 نقطة، فى كل اجتماع من الاجتماعات الأربعة المتبقية، مما يزيد من ترقب المستثمرين لتشديد السياسة النقدية فى منطقة اليورو، وزيادة سعر الفائدة الأوروبية خلال الشهور المقبلة، حيث أوضحت وكالة بلومبرج، أن هناك مؤشرات إلى اعتزام البنك المركزى الأوروبى، زيادة سعر الفائدة الرئيسية فى يوليو المقبل، فى ظل ارتفاع معدل التضخم فى منطقة اليورو، وزيادة الفائدة أكثر من مرة فى الولايات المتحدة وبريطانيا، مما يزيد من الضغوط على أدوات الدين لدول منطقة اليورو، خصوصا الدول ذات الدين العام المرتفع مثل إيطاليا وفرنسا.
وكانت البيانات الاقتصادية الأوروبية، قد أشارت إلى ارتفاع التضخم فى منطقة اليورو إلى 7.5 % خلال شهر مارس الماضى، وأوضحت وكالة الإحصاء الأوروبية يوروستات، أن الزيادة فى أسعار المستهلكين تعود بالأساس إلى ارتفاع تكاليف الطاقة، ومن المتوقع أن تظل أسعار الطاقة مرتفعة فى ظل التوترات بين الدول الأوروبية، وروسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، ورغبة الاتحاد الأوروبى تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.
وقد صرح لويس دى جويندوس، نائب رئيسة البنك المركزى الأوروبى، أن رفع الفائدة فى يوليو احتمال قائم، ففى ظل التضخم القياسى المرتفع فى منطقة العملة الأوروبية الموحدة، يضغط صناع السياسات من أجل قيام المركزى برفع الفائدة للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، موكدًا أن أى قرارات، ستعتمد على توقعات الاقتصاد الكلى الجديدة البيانات التى ستصدر فى الشهر الجارى.
وقد صرحت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزى الأوروبى، أن التضخم المصحوب بركود، ليس النتيجة الاقتصادية الأكثر ترجيحا فى منطقة اليورو، برغم أن الحرب فى أوكرانيا تبطئ من النمو الاقتصادى، وتسرع من وتيرة التضخم، وأوضحت أن التضخم المصحوب بركود، ليس السيناريو الأساسى فى الوقت الحالى، فى حين أن الغموض الكبير الاستثنائى، يمكن أن يسبب تباطؤ فى النمو الاقتصادى المصحوب بتضخم مرتفع، ولا يمكن مقارنة الوضع الحالى بنظيره فى حقبة السبعينيات من القرن الماضى.
وكذلك خفض صندوق النقد الدولى، توقعاته بشأن معدل النمو الاقتصادى إلى 4.9 % خلال عام 2022، مقارنة بنسبة نمو قدرها الصندوق بـ 5.9 % فى عام 2021، وكانت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى، قد حذرت من أن الحرب على أوكرانيا ستكون تبعاتها خطيرة على الاقتصاد العالمى، خصوصا على الدول الإفريقية، وأن تلك الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة فى العالم.
ردود الفعل على رفع سعر الفائدة
هنا يوضح الدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة، بمجلس الشعب، ومساعد الرئيس التنفيذى لصندوق النقد الدولى الأسبق، أنه دائما ما يعطى رئيس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، إشارات سواء للسوق الأمريكى أم إلى العالم، خصوصا أن 60 %، من احتياطيات البنوك المركزية فى العالم، والبالغ عددها 160 دولة عضو فى صندوق النقد الدولى احتياطات دولارية، وقد جرى العرف أن يتم الإفصاح أن هناك زيادات فى سعر الفائدة ستحدث، ليكيفوا أوضاعهم وكذلك ليتكيف مجتمع الأعمال، ويقوم بعمل توقعات رشيدة.
وفى اليوم التالى، اتبع بنك إنجلترا الفيدرالى الأمريكى، حيث رفع الفائدة للمرة الرابعة، فى كل مرة بمقدار 0.25 %، حتى وصل سعر الفائدة إلى 1 %، وكذلك فعلت الدول العربية الخليجية، وتحديدا المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين وقطر، فتلك الدول ترتبط عملاتها بالدولار، حيث تم رفع سعر الفائدة بمقدار 0.5 %، أما الكويت فقد قامت برفع سعر الفائدة 0.25 %، وذلك لأن الاحتياطيات فى بنك الكويت المركزى، تتكون من سلة من العملات الحرة وليس الدولار فقط.
ويرى الدكتور الفقى، أن العدو الأساسى للبنوك المركزية هو التضخم، وأنه يمكن أن يقبل بمعدل نمو اقتصادى متباطئ، وأن يكون كذلك معدل التشغيل، لكنه لا يقبل بمعدل تضخم مرتفع، لأنه يؤدى إلى آثار سلبية، حيث يزداد الغنى غنى، ويزداد الفقير فقرا فى الدول المتقدمة.
أما بالنسبة للدول الفقيرة، والتى يبلغ عددها 70 دولة، وهى الدول التى يقل متوسط دخل الفرد فيها عن 1100 دولار، فنجد أن ارتفاع أسعار الفائدة، يؤدى إلى مشكلة فى الاقتراض لتلك الدول، ويمكن أن يؤدى إلى تفاقم مشكلة الاقتراض، نظرا لارتفاع أسعار الفائدة، ويمكن أن يدخلها فى دائرة عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها، وتلجأ إلى صندوق النقد الدولى، الذى يقوم بعمل برنامج قاس للتقشف، مثلما حدث مع البرازيل إصلاح اقتصادها، وبعدها تحصل على قرض من الصندوق النقد الدولى، الذى يعد بمثابة شهادة ضمان، تستطيع الدولة أن تقترض بها من الأسواق الدولية، ومن تلك الدول سيريلانكا التى أعلنت تخلفها عن سداد قروضها، وكذلك لبنان الذى تخلف فعليا عن سداد أقساط بعض الديون، وإن كان لديه احتياطى ذهبى يصل إلى 287 طنا فى البنك المركزى اللبنانى، أى ما يعادل 18 مليار دولار، وتجرى السلطات اللبنانية مفاوضات مع صندوق النقد الدولى منذ فترة.
مصر وارتفاع أسعار الفائدة
عندما رفع الفيدرالى الأمريكى الفائدة بمقدار 0.25، نقطة أساس فى مارس الماضى، وبعد خروج 10 مليار دولار من البورصة مباشرة بعد القرار الأمريكى، اتخذ البنك المركزى المصرى، فى جلسة استثنائية عدة قرارات لضبط السوق المصرى، وهى رفع سعر الفائدة بـ1 %، وإطلاق شهادات ذات العائد 18 %، من خلال بنكى مصر والأهلى، لامتصاص السيولة من السوق المصرى، والذى بلغت حصيلتها 620 مليار جنيه، ليقلل من زيادة الطلب، ويقلل من معدل التضخم المتسارع، ويكون تأثيره أخف وقعا على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وكان البنك المركزى المصرى، قد أصدر بيان فى بداية الشهر الماضى، أوضح فيه أنه قام خلال شهر مارس، باستخدام جزء من النقد الأجنبى لتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وكذلك لضمان استيراد السلع الإستراتيجية، بالإضافة لسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة، وذلك التزاما بدور البنك المركزى المصرى فى الحفاظ على استقرار الأسواق المصرية، وفى ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة جراء الأزمة الروسية - الأوكرانية.
وبعد قيام الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة بمقدار0.5 %، فى الرابع من الشهر الجارى، لم يقم البنك المركزى المصرى، باتخاذ أى رفع لسعر الفائدة، مفضلا الانتظار لمعرفة مدى استجابة الطلب المحلى، وبالتالى معدل التضخم، ويرى الدكتور الفقى أنه يمكن أن يزيد البنك المركزى المصرى سعر الفائدة بـ1 %، أو أكثر فى الاجتماع المقبل فى 19 من الشهر الجارى، وليس هناك أى خطورة من زيادة سعر الفائدة لمدة 3 أو 6 أشهر، وأن تصل الزيادة فى سعر الفائدة إلى 3 %، وبعد أن تقل السيولة فى الاقتصاد المصرى وتقلل البنوك الإقراض، وعندما يتم كبح جماح معدل التضخم، يضع البنك المركزى معدل التضخم المستهدف، فإذا بدأ التضخم يستجيب، فى هذه الحالة يستطيع البنك المركزى أن يخفض سعر الفائدة.
وبالنسبة لتأثر القطاعات الإنتاجية بزيادة سعر الفائدة، فإن القطاع العائلى والذى يضم 105 ملايين نسمة، فإنه سيؤجل استهلاكه حتى تنخفض الأسعار، ويمكن أن تصدر شهادات بـ20 % لمدة عام ونصف العام، أو بنسبة 16 % لمدة 3 سنوات، أما بالنسبة لقطاع الأعمال سواء الحكومى أو الخاص، فإن الطلب سيقل على مستلزمات الإنتاج.
وتحوطا ضد حالة عدم اليقين والمخاطر الضبابية، والتجاذبات بين الدول الكبرى، قام البنك المركزى المصرى بشراء 44.4 طن ذهب، خلال شهر فبراير الماضى، وبحسب تقرير مجلس الذهب العالمى للشهر الجارى، فإن حجم الذهب لدى البنك المركزى المصرى ارتفع بمعدل 55 %، ليصل إلى 19.4 %، من إجمالى احتياطيات العملة الأجنبية، وتعد مصر الأعلى بين دول المنطقة.
وقد أعلن البنك المركزى المصرى، عن ارتفاع قيمة الذهب المدرج احتياطى النقد الأجنبى خلال فبراير الماضى بنحو2.703 مليار دولار، ليصل إلى6.907 مليار دولار، بينما تراجعت قيمة العملات الأجنبية المدرجة لتصل إلى 31.585 مليار دولار، ويوضح الفقى أن ذلك الرقم يحتوى على العديد من العملات، مثل الدولار، واليورو، والجنيه الإسترلينى، والين اليابانى، واليوان الصينى، ورصيد من حقوق السحب الخاصة بقيمة 2. 508 مليار دولار، لكن النسبة الأكبر فى العملات هى الدولار الأمريكى.
وقد أوضح الدكتور فخرى الفقى، أن مجلس النواب كان قد تقدم لوزارة المالية بطلب، لتوفير ضمانة من الوزارة لشركة مصر للطيران، لأنه وكما هو معروف، فإن شركة مصر للتأمين، هى التى تؤمن على طائرات الشركة الوطنية، وأنها تحتفظ بنسبة 30 %، لديها وتتم إعادة تأمين النسبة الباقية وهى 70 %، فى الخارج فى أسواق إعادة التأمين الدولية، لكن بفعل العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مما يؤثر على السياحة الروسية القادمة إلى مصر، وكذلك نقل صفقات القمح الروسى المتعاقد عليها، وخوفا من استمرار تلك الحرب لفترة قد تصل إلى نهاية العام الحالى، وامتداد تأثير ذلك على أسعار السلع الغذائية وأسعار النفط، فقد وضعنا مبلغ احتياطى طوارئ 130 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة للدولة، التى تمت مناقشتها فى مجلس الشعب.