قال لي صديق حين يهاجمني الألم، ويتسلل إلى قلبي الحزن، أشعر بالتعافي فور ما أحنو بأصابعي على رأس يتيم، وقد أجر قدمي وهي لا تقوى على السير من شدة المرض، واتجه صوب جمعية خيرية تساعد الأيتام بجوار البيت، وبمجرد مجالستهم كأن سرى في جسدي جرعة مسكن للآلام، وشعرت بصدق القول أن هناك سعادة تمكث في القلب ولا تغادره عند مد يد العون للآخر، وتغمر الجسد قوة لا يحسد عليها.
وهي سعادة تكتسبها على أثر ابتسامة تغرسها على فم طفل يتيم أو مشرد، وكانت الابتسامة كوقع السحر، وحولته من شرود ذهني إلى طفل إيجابي، وبدأ يتفاعل مع محيطه، ومنحته تلك الابتسامة البسيطة روحًا جديدة وثقة بالنفس لا حدود لها.
وهذه الابتسامة كمن يطفئ بها نار الغضب، أو كساحر جعل من الشرس حليمًا، ولذا قال المولى تعالى في رسوله: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، وكان لابد من تحريم النار على كل لين سهل.
وحتى لا يساورك أدنى شك أيها البخيل البائس في المكاسب التي سوف تحصدها من فعلك للخير أنظر لهذه التجربة، فقد عكفت أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا لأكثر من 20 عامًا على إجراء بحثٍ عن علاقة عمل الخير بالسعادة، واصلت الباحثة "سونجا ليوبو ميرسكي" تجربتها بشكل علمي، وتوصلت إلى أن أداء الأفعال الإيجابية لمرة واحدة خلال الأسبوع يزرع داخل الفرد سعادة لا توصف.
وعندما قام علماء بمسح ضوئي على المخ، اكتشفوا أن البشر مبرمجين على مساعدة بعضهم، ويشعرون براحة نتيجة لتدفق المخ في إفراز الإندروفين، ويساعد كذلك على التعافي السريع.
وأكدت دراسة في عام 2019 حقيقة الشعور بتعطل المناطق المسئولة عن الألم في الدماغ، ولاحظ الدارسون الفارق بين الإحساس بالألم لدى المتبرعين بالدم لضحايا أحد الزلازل وبين أشخاص أجروا اختبار فحص دم، وجد الباحثون أن المتطوعين شعروا بألم أقل من الفاحصين لدمائهم.
واسأل نفسك ماذا ينتابك من مشاعر إذا أعرضت عن إنقاذ مريض، وفي يديك العثور له على سرير بغرفة رعاية مركزة، أو بإمكانك توفير فرصة عمل لعاطل؟ فإذا تبلدت مشاعرك، فاعلم أنك بخيل تفتقر للإنسانية، وأنك شخص طماع تجتاحك غرائز إجرامية نحو سرقة الآخرين، ويقول المفكر الأمريكي "كورنيل وينست": إن معنى الحياة الثرية يكمن في مساعدة الغير.
ولا عيب في شعورك بالسعادة لربحك للمال، ولكن ستكون سعادتك بالغة وقتما تخرج بضع دراهم لمحتاج، وهنا أجرت عالمة النفس "ليزدن" تجربة عملية عن العلاقة بين المال والسعادة، وأظهرت أن المتبرع بماله تغمره طمأنينة على النقيض من البخيل في العطاء.
ولا تحزن يا من لا تقدر على عمل الخير، فبشرك رسولنا الكريم في حديثه: "الدال على الخير كفاعله"، وحين تعتاد أيها العاقل على تقديم يد العون ستدخل دائرة المتعة الأبدية، ولا تتعجب من وجود أشخاص مبرمجين على العطاء صباحًا مساءً، فهؤلاء تربوا في حضانة حب الآخر مهما اختلفوا معه، ونجحوا في مقاومة شراسة النفس وروضوها، وكانوا كمن عاش سعيدًا وخلده الآخرون.
Email:[email protected]