هل تعلمون مَن المُخطط الحقيقي لحملات تنظيم الأسرة في مصر؟ مَن منكم يعرف الإجابة فليرفع يده أولًا قبل الكلام. هكذا سألنا الأستاذ/صالح الخضيري مدرس مادة "التوحيد" بمدرسة "متوسطة رفحاء" بالمملكة السعودية الشقيقة. كان الخضيري عام 1991 مدرسًا شابًا أشبه في سمته بحسان ويعقوب والحويني الآن. لكن طالبًا بالصف الذي كان مزجًا من جنسيات عربية مختلفة، لم يملك إجابة لسؤاله، لذا كان عليه بنفسه أن يجيب، قال: النصارى هم مَن خططوا لحملات تنظيم الأسرة في مصر، حتى يقل عدد المسلمين، ويزيد عددهم هم!
في أعقاب الحقبة الناصرية، أُبيحت مصر للظلام تقويضًا لليسار، وعاثوا بيننا ما يمكن أن نطلق عليهم "نفايات الحضارة". تواكب هذا مع موسم الهجرة إلى الشرق. غادر مصريون بلدهم، ظلوا ولسنوات يعودون كل صيف، تزوجوا هنا وتكاثروا هناك، وكل عام عليهم يحل، يقررون أنه حتمًا الأخير لغربتهم، لكنهم لا يرجعون! فقط بالعطلة السنوية يهبطون ميناء القاهرة الجوي وقد تغضنت قسماتهم قليلًا، أصبحوا يرتدون مثل أستاذ صالح وقد نبتت بوجوههم لحية كلحيته! كذلك التغيير زحف ببطء على أسماء أطفالهم! لم نعد نسمع عن هاني وتامر ونجلاء، تحولوا لمعاذ وصهيب والشيماء. ومع نهاية الثمانينيات وبدء التسعينيات، كان منهم مَن يحف ذقنه بحمام المطار قبيل الوقوف أمام ضابط الجوازات. الثابت أنهم جميعًا بصالة الوصول، كانوا يدفعون عربات مكتظة بحقائبهم. موظفو الجمارك كانوا يُفتشون عن المراوح وأجهزة الكاسيت والفيديو، لكن الأخطر من بين الأمتعة كان محقونًا بأدمغتهم، نسخة أخرى صحراوية مزعومة عن الإسلام.
قبل الثورة الإصلاحية العظيمة التي يشهدها الخليج الآن، مصريون كثر بيننا اليوم كانوا قد ترعرعوا هناك داخل بيئات وهابية مغلقة، استمعوا لشرائط دينية سُردت فيها حكايات أقفاص الأسود بأديرة الإسكندرية، حيث يقوم الكهنة بإلقاء أي مسيحي يشهر إسلامه كطعام للوحوش! فضلًا عن قصص رش الشباب النصراني بالصعيد لثياب الطالبات المسلمات في جامعة أسيوط بمادة غريبة، وعندما تجف، تتشكل على هيئة صليب مرسوم فوق ملابسهن! وكيف أن القساوسة في تقليد كهنوتي، يتبولون بالعجين الخاص بخبز القربان نشرًا للبركة! أما عن تخزين الأسلحة بأقبية الكنائس فهذا لا جدال فيه! إلى جوار الأحدوثة الأشهر والتي تقص كيف تطفأ الكنيسة الأنوار بنهايات قداس الميلاد، حتى يتمكن النساء والرجال من تقبيل بعضهم البعض على نحو غير شرعي! أفراد هذا الجيل (المصري/ الوهابي) الذين تربوا على تلك الأساطير، كان لزامًا عليهم العودة مضطرين للالتحاق بالجامعات المصرية، وفي مدرجات كلياتها داهمهم أن كائنات حية ومصرية تدين بالمسيحية، فوجئوا أنهم بشر وليسوا مخلوقات فضائية! ماذا عليهم فعله إذن حين يحل على هؤلاء عيد أو يموت لهم عزيز؟! هل يهنئونهم؟! هل يشاطرونهم الأحزان ويطلبون لأحبائهم ولو على سبيل المجاملة الإنسانية.. الرحمة؟!
مع بدء الألفية الآنية وفي جريمة جديدة بحق الهوية المصرية، مُكن الزعم الوهابي عن الإسلام، من قنوات مدينة الإنتاج. وجوهٌ عديدة للأستاذ صالح الخضيري صارت تطل على المصريين ولسنوات بأفكاره وملابسه ولحيته، هؤلاء وبكل غلظة قلب، حسموا الصراع النفسي لكثيرين في هذا الجيل المزدوج في هويته، أراحوه وحرموا عليه تهنئة المسيحي بعيده، أو الترحم على أمواته. ومع انتصاف العقد الأول من القرن الحالي، كان هذا الجيل المنقسم هو أول مَن امتلك هواتف ذكية وحسابات على تطبيقات مواقع التواصل، ولم يتوقف عند اعتقاده بالأفكار التي نشأ عليها فحسب، بل شرع ينشرها بين القادمين الجدد. لذا وعقب هذه السنين لم أتعجب كثيرًا وأنا أرى تراجع بعضهم في الترحم على المراسلة الصحفية الفلسطينية، الشهيدة بإذن الله "شيرين أبو عاقلة" لما عرفوا أنها مسيحية! وتحذير بعضهم البعض من طلب الرحمة لها!
لقد كنت بداخلي محصنًا من الغرق بأفكار الأستاذ صالح الخضيري، سترة نجاتي أني وقبل أن يدرس لي، كنتُ قد صليت بالأزهر وبيتي بالظاهر بين شبرا والكاتدرائية، وقد زرت مع أبي المتحف المصري والقبطي والإسلامي وشاهدت عروض مسرح العرائس وصاحبت عائلتي مشاهدًا "الواد سيد الشغال". لكن آخرين رُبما بالملايين، رُبما لم يحدث لهم ذلك، رُبما بدأوا مع الأستاذ صالح وما زالوا! إن اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو، في معنى من معانيها كانت حدًا لكثير من جرائم الهوية التي اُقترفت بحق هذا الشعب، لكننا بالتعليم والثقافة والأمن رُبما نحتاج لسنوات بعدد التي مرت كي نبرأ مما حل بنا ونترحم جميعًا على شيرين.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: twitter.com/sheriefsaid