نبهت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" التابعة للإمم المتحدة، الي تزايد حجم المخاطر التي تجتاح الصحفيين، في وقت ترتفع فيه أعداد من يفقدون أرواحهم بمعدّل صحفي واحد كل خمسة أيام".
بسبب سعيهم لتوفير المعلومات للناس، ليصبح هؤلاء الصحفيون الفئة الأكثر تعرضًا للخطر، منها القتل، أو الاغتيال، أو الموت، أو الخطف، أو التحرش، أو الترهيب، فضلا عن الاعتقال غير القانوني والاحتجاز القسري باعتبار أن عملهم هو الوجه الآخر لأي تطور على الكوكب، سواء حدث بفعل الطبيعة، أو نتيجة لصراع أو نزاع بأيدي البشر.
وعرضنا، الأسبوع الماضي، لتعاظم المخاطر التي يتعرضون لها، فهم يعملون في بيئة تتولد فيها المخاطر، فلافرق فيها بين عالم متقدم وآخر نام، فهي بيئة سلبية في كل الأحوال، قلما ينج منه مجتمع علي هذا الكوكب.
ومن المهم، الاسترشاد بمبادئ تعني بحرية المعرفة والحق في تداول الأفكار، فضلا عن ممارسة الصحفيين لرسالتهم السامية، خاصة بعدما حدث بشأن اغتيال مراسلة قناة الجزيرة في القدس شيرين أبوعاقلة، وهي ضمن 55 صحفيا اغتالهم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، خلال الخمسين عاما الماضية، بينهم 16 صحفيا في عدوانها الأخير على غزة، ونتساءل: لماذا يرفض الاحتلال أي تحقيق قانوني دولي محايد ومستقل في هذه الجرائم، في الوقت الذي يدعي فيه عدم مسئوليته عن تلك الجرائم.
وبالرغم من تصاعد اشكال العنف وحدته ضد الصحفيين، إلا أنهم لايتمتعون بالحماية الدولية الواجبة، كما يحدث مع الأطقم الطبية وفرق الإغاثة في مناطق وبؤر النزاع في العالم، فهم يفتقدون إلى قانون دولي ملزم يوفر لهم الحماية مقابل آداء واجباتهم في مناطق الحروب والكوارث واندلاع العنف.
خلال الأزمات، نتذكر أن هناك مشروع اتفاقية للأمم المتحدة لحماية الصحفيين، إلا أنها لم تصدر، حيث وضع، مشروع الاتفاقية، تعريفًا للصحفي ووضع مدلولا له، فهو ليس فقط المعني بالكتابة، بل يشمل مراسلي الصحف المختلفة ووكالات الأنباء والإذاعة والتليفزيون، وكل العاملين فى هذا القطاع العالمي الكبير من مهندسين ومصورين وفنيين ومساعديهم، وبتكليف من الأمم المتحدة، اضطلعت "اليونسكو" بمهام التنسيق والجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، لتولي ضمان سلامة الصحفيين.
وكفل الدستور المصري 2013، حرية الفكر، حيث نص في مادته "65: "أن حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر"، وفى المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُعترف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، وأن لكل إنسان حقا فى اعتناق آرائه دون مضايقة، وأن لكل إنسان حقا فى حرية التعبير.
ومع كل صحفي يُقتل أو يُمنع من ممارسة مهنته بالقتل أو الترهيب والترويع، يفقد العالم شاهدا على الوضع الإنساني وحقيقة مايحدث علي الأرض، وهناك 3 جرائم فاضحة تراكم سمات وحشية قوات الاحتلال على أرض فلسطين، الجريمة الأولى عندما فضح الاحتلال نفسه عندما اغتال الصحفية شيرين، ثم كشف عن وحشيته عندما اقتحم سرادق العزاء بمنزل عائلة أبوعاقلة، وثالثا نزع فطرة ومشاعر البشر عندما هاجم نعش الفقيدة وانهال ضربا وعنفا على حاملي نعش شيرين أبوعاقلة.
يبدوا أن الرياح القادمة ستأتي بما تكره ولاتتخيله قوات الاحتلال في فلسطين، فقد شهدت جريمة اغتيال مراسلة الجزيرة تلاقي أطراف، وتضافر قوى لم تكن لتتلاقى في السابق، فقد شهدت كنيسة الروم الكاثوليك بالقدس تكبيرات إسلامية في باحة الكنيسة، كما وحدت هذه الجريمة بين الفلسطينيين، ويبدو أن هناك المزيد من التداعيات السلبية التي ستعصف بالكيان المحتل.
ولاشك أن انعدام حرية التعبير، أمام من يستخدمون وسائل الإعلام الجديدة للتعبير عن آرائهم، بالمجتمعات المحلية، والمساهمون في صحافة المواطن، وغيرهم، من شأنه عرقلة برامج المنظمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المحددة للعام 2030، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015.
يمتلك الاحتلال في فلسطين لائحة إجرامية، عمرها نصف قرن، من الاغتيالات للصحفيين وناقلي الحقيقة للعالم، فقد صعدت أرواح 55 صحفيا، بعد أن اغتالهم الاحتلال، كانت البداية الشاعر غسان كنفاني، ولن تنتهي بشيرين أبوعاقلة، فهناك مناخ من عدم المساءلة، وبيئة يسودها الانفلات من الملاحقة، وما حدث لنعش الفقيدة يعزز هذه الظاهرة، وانعدام المساءلة يعطي تفويضا مطلقا للمزيد من الإجرام، ونتساءل: ألم يحن وقت المحاسبة والمساءلة والمعاقبة لقوات الاحتلال؟!
وإذا كان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجر قد تحدث قائلا: "إن هناك أدلة على أن مقتل شيرين أبوعاقلة بالرصاص خلال غارة إسرائيلية على مخيم جنين في الضفة الغربية، كان "استهدافا متعمدا"، وبعد أن أقرت الأمم المتحدة مبدءا هاما، نتيجة لجهود منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة، ويتمثل المبدأ في: "إقرار الحق في بيئة نظيفة وصحية مستدامة"، واليوم، وبعد أن حشدت قوات الاحتلال كل فظاعتها ضد صحفية لم تحمل إلا قلما وأوراقا بيضاء، أمام الرأي العام العالمي، ألم يحن الوقت، للمنظمات الدولية، تطوير أدائها النمطي والتقليدي، بالتفاعل مع حجم الجريمة وردع مرتكبيها، وملاحقة ومحاسبة ومعاقبة من يسلب الآخرين حرياتهم وأرواحهم، ومن قبلها أرضهم وأوطانهم، لكي تضع حدا لظاهرة الإفلات من العقاب التي تتسبب في توالي الجرائم.
[email protected]