البدايات السيئة التي "قد" تصنع المصير المؤلم؛ ليست قدرًا محتومًا، ويمكن تجاوزها بامتلاك الوعي وإرادة التغيير.. هذا ما أثبته القليل من البشر عبر التاريخ؛ ليس لصعوبته، ولكن لأن الأكثرية "تستسلم" ولا تحاول..
أما من "يقرر" العيش لأجل هدف يؤمن به ويسعى بكل قواه لتحقيقه؛ فيفوز بحياة "حقيقية" يتنفس فيها الرضا عن نفسه ويحقق المعنى من "وجوده" المؤقت بالحياة ليظفر بالحياة الأخرى بكل ما يتمناه..
من هؤلاء مالكوم إكس الذي ولد 19 مايو عام 1925، نشأ في أسرة فقيرة، طالب أبوه بحقوق السود وحاول المتعصبون إحراقه هو وأسرته ببيته، ثم قتلوه بوضعه على شريط السكة الحديد ليمر عليه القطار..
كانت أمه قوية وتعتز بنفسها، في المدرسة كان متفوقًا وأحبه زملاءه واختاروه رئيسًا للفصل، ورغم ذلك رفض المدرس حلمه بأن يصبح محاميًا؛ لأنه أسود واقترح عليه أن يصبح نجارًا!! ثم طردوه من المدرسة واضطربت حياته وتعاطى المخدرات وارتكب أفعالًا مخلة وسرق ودخل السجن..
أن يخطئ الإنسان مرة لا يعني أبدًا أن "يلون" حياته بالأخطاء؛ ويبررها ويكررها ويصل بالبعض بأن يكون الخطأ جزءًا من شخصيته..
نجا مالكوم إكس من مصير المجرم؛ واختار "رفض" أخطائه وعدم تكرارها؛ وكيف لا يفعل وهو القائل: "الحقيقة تصل لقلوب العصاة إذا عرفوا واعترفوا بأنهم عصاة؛ فالسبيل الوحيد للحقيقة هو الاعتراف بالذنب".
في السجن تعرف على الإسلام واعتنقه وتبدلت حياته للأبد، حيث قابل سجينًا نصحه بالقراءة، لأنها أول شيء يفعله من يحترم نفسه ويحترم جسده وعقله، وأن يتوقف عن التدخين؛ لأنه من "سموم" الرجل الأبيض..
قال مالكوم: "غيرت القراءة حياتي تغييرًا جذريًا ولم أهدف من وراءها لكسب أي شهادات لتحسين مركزي وكنت أريد أن أحيا فكريًا".
اهتم بقراءة الكتب الدينية وتعمق بها وأكمل دراسته وحصل على الماجستير، كان يقوم بكي شعره -منذ مراهقته- "ليتشبه" بالأبيض واستمر وهو بالسجن، وبعد إسلامه توقف للأبد عن ذلك، وقال: "لولا الإسلام لكنت مجنونًا أو من تجار المخدرات"..
غادر السجن في عام 1952، وانضم لجماعة "أمة الإسلام" بزعامة الإيجا محمد؛ الذي استفاد من مهارة مالكوم في المناظرات وفي الإقناع..
واجه مالكوم العنصريين بحقيقتهم بقوة ودون مواربة، فقال: "الرجل الأبيض بأمريكا هو أكبر لص ومختطف بالتاريخ، وأنه سرقهم من إفريقيا وانتزعهم غصبًا من أرضهم وأسرهم وديانتهم وعاداتهم؛ ليساعدوا -رغمًا عنهم- في بناء أمريكا"، واعتز بأصله الإفريقي دومًا.. واضطر لمواجهة بعض قادة السود الذين تحالفوا مع البيض ضد مصلحة السود طمعًا بالمال.. نبه السود لمحاولات البيض "إغراقهم" بالجهل والمخدرات والأفعال السيئة؛ ليتمكنوا من السيطرة عليهم وأكد ضرورة نبذ كل ذلك والنجاح بالحياة وامتلاك اقتصاد قوي، وقال: "لا رأسمالية بلا عنصرية".
تعرض لمحاولة اغتيال برمي القنابل على بيته، وحاولوا إحراقه هو وزوجته وأولاده..
تحلي بالشجاعة وبالرغبة وبعزيمة التخلي عن كل ما "يثبت" خطأه؛ فعندما ذهب للحج "وتأكد" من كذب زعيم أمة الإسلام وتحريفاته للعقيدة؛ واجهه بقوة ودفع الثمن غاليًا، وحقق قوله: "أنا مع الحقيقة مهما يكن من يقلها، وأنا مع العدل مهما يكن من معه أو من ضده".
تأثر مالكوم كثيرًا بالحج؛ حيث رأى لأول مرة بحياته "امتزاج" المسلمين من كل الألوان والأعمار وتوحدهم بلا أية فروق أو عنصرية، ووجد الأسود بجوار الأبيض والأصفر والعربي والجميع بنفس المكان، وكأنهم أسرة واحدة ويتوجهون لله بتضرع؛ وتغير رأيه بضرورة الفصل "التام" بين السود والبيض بأمريكا؛ وهذا دليل على أن عقله "مفتوح" دومًا لفعل الأفضل.
قال: "في الحج تحدثت وأكلت مع "بيض"، ولكن الإسلام أزال "البياض" من عقولهم، فكانوا أخوة بصدق مع الآخرين؛ أيًا كان لونهم، فالإسلام الحقيقي يزيل العنصرية، وباستطاعته محو سرطان العنصرية من قلوب الأمريكيين البيض".
اعتقد بوجود صراع بين الشرق والغرب، وأنه سينتهي بمواجهات بين الراغبين بالحرية والمساواة والعدالة للجميع وبين من يريدون مواصلة استغلال الشرق "وستُنهي" هذه المواجهة احتلال الغرب للشرق.
ترك الإيجا محمد ورفض "التكسب" من دينه والاستفادة المادية منه، كما فعل الإيجا وبعض معاونيه، ولم يقبل الإغراءات المادية التي عرضوها عليه؛ وأوغر ذلك صدروهم ضده وهددوه ولم يرضخ، ونجا من مصير المتربح بالدين..
شكل جماعة جديدة للدعوة للدين الصحيح، واغتيل 21 فبراير 1965، وكما كان مفيدًا بحياته فموته كان "نافعًا" أيضًا؛ فاغتياله من خلال بعض المنتمين لجماعة "أمة الإسلام"، فترك كثيرون من أتباعها هذه الجماعة التي سارع ابن مؤسسها بعد موته إلى تصحيح مسارها والعودة بها لصحيح الدين..
كان واعيًا لحقائق الحياة ومن نصائحه:
· إن كنت ستتوقف عن شيء؛ فتوقف عن الكسل، وتوقف عن اختلاق الأعذار، وتوقف عن انتظار الوقت المناسب.
· الخطوة الأولى للنجاح تكمن في رفضك للاستسلام للظروف المحيطة.
· الحياة لا تصبح أسهل؛ أنت تصبح أقوى.
· إذا لم تتقن فن التجاهل ستخسر الكثير، وأولهم عافيتك.
· كل الأعمال يحدد نجاحنا أو فشلنا مدى تقديرنا واحترامنا للوقت.
· الخيبة الأولى موجعة؛ أما البقية فهي دروس تقوية لا أكثر.