"كُل ما يعجبك وألبس اللي يعجب الناس".. هناك من يراه منافيًا لأبسط حقوق الإنسان، كما أن الفرد سيصبح عبدًا لغيره من الناس والمجتمع، وهناك من يراه من باب أن الأكل لا أحد سيشعر بذائقته غيرك، وأما ما يخص اللبس فلا بد أن تكن في مظهر لائق أمام الناس وليس إجبارًا على شيء معين.
موضوعات مقترحة
ولكن شاهدنا منذ زمن ليس ببعيد استيرادات ضخمة لم تشمل الجانب المادي فقط، بل توسعت لتشمل الاستيراد الفكري، والذي على أساسه انتقلت إلينا أفكار غربية لا تناسب العادات الصحيحة والفكر الشرقي الموزون الذي نشأت عليه، الأمر الذي دفع البعض إلى تقليد كل أشكال الموضة من ملابس ومكياج وقصات شعر دون النظر إلى ملائمة ذلك للمجتمع الذي يعيش فيه، ويحول الموضة في بعض الأحيان إلى مسخ يصعب تقبله.
ولا نستطيع الإنكار بأن الاهتمام بالمظهر الخارجي، والاعتناء بالهندام والنظافة العامة تعد من ضروريات الشخصية الناجحة، لأن المظهر الجيد يبث طاقة إيجابية كبيرة في النفس، إضافة إلى الثقة التي تساهم في بناء الشخصية القوية للإنسان في مواجهة المجتمع.
كما إن المختصين في التمنية البشرية وعلم النفس، يعدون الاهتمام بالمظهر من الضروريات التي تُظهر الشخصية الناجحة بأبهى صورة، فإذا كنت إنسان مهم و ناجح في حياتك العلمية والعملية، و لك مركز اجتماعي مرموق وشخصية جذابة، لا بأس أن تهتم بمظهرك قليلاً كي تفتح للناس بابا للتعرف عليك من هندامك المرتب وملابسك الأنيقة.
ولكن الاهتمام بالمظهر ومواكبة الموضة لا يعني الالتفات إلى الصيحات الغربية التي تنم عن فكر غير صحيح، من ناحية الأزياء والأفكار والمفاهيم الخاطئة نتيجة التطور التكنولوجي.
انعكاس الذوق العام
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور وائل وفاء، استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، لـ" بوابة الأهرام": إن الموضة هي انعكاس للذوق العام، بمعنى أن الموضة هي ترجمة فورية للتوجه الثقافي المجتمعي، أي أنها انعكاس لثقافة المجتمع وتعبير عن هويته، بالعودة إلى الوراء، فنجد في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وحتى بداية عصر الانفتاح كان المجتمع المصري يصدّر ألوان وخطوط الموضة إلى العالم، أما الآن فأصبحت الموضة مستوردة بالكامل من الغرب، ويأتي انعكاس ذلك أن هناك تخلي عن الهوية الثقافية والهوية الاجتماعية والهوية الدينية.
الأدبيات المجتمعية
وتابع: إذا ما أردنا أن نعود إلى ما كنا عليه من رقي وتقدم فكري ومجتمعي، علينا أن نعود إلى الأصل بمعنى أن يكون في الهوية الثقافية تعلم الأدبيات المجتمعية التي نشأت عليها الأجيال السابقة مثل احترام الكبير، أن لكل مقام مقال، العطف على الصغير، موضحًا تعميم أخلاقيات المجتمع على كل طوائفه مثلما فعلت اليابان حينما استشعرت أن هناك خطر ما يتهدد أخلاق المجتمع.
دور المؤسسة الدينية
وأشار، من الناحية الدينية ينبغي أن يكون هناك دور بارز وواضح للمؤسسة الدينية المعترف بها في العالم الإسلامية وهي مؤسسة الأزهر في تعميم ما كان عليه " ما لا يسع المسلم جهله"، كذلك باقي الدينيات المتواجدة داخل نسيج المجتمع المصري والتي تحث جميعها على إرساء القيم والمبادئ القويمة.
ماذا يقدم تحت مسمى الفن؟
وأضاف، ثم نعود أخيرا إلى الآلة الإعلامية، ماذا يقدم تحت مسمى الفن؟، فيما مضى كان هناك رقابة على ما يقدم داخل البيت المصري، أما الآن فالمسلسلات الأفلام التي تدخل البيوت المصرية أصبح يتصدرها عبارات +18، +16، + 12، وأصبح هذا كل الدور الذي تقدمه هذه المسلسلات برغم كل ما تحويه من مشاهدات تعصف بكيان الأسرة المصرية.
الدكتور وائل وفاء استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات
ظاهرة غريبة
وفي السياق ذاته، يوضح الدكتور علاء الغندور،استشاري التحليل والتأهيل النفسي والعلاج السلوكي ، مؤخرًا ظاهرة غريبة وهي تزايد التغير في فكر الشباب بإظهار أسوأ ما فيهم فكرًا وشكلًا ومضمونًا وبشكل يتباهون به، و كأنه إعجاز غير مسبوق فنشاهد في الشارع قصات الشعر العجيبة وتربية الذقن بأشكال جنونية، ثم جاءت الملابس الممزقة و أسلوب تعامل الشباب مع البنات وكأنهم ذكور مثلهم، ثم تبعه تقليد البنات للذكور فيما بينهم وتنادي الفتاة زميلاتها بكلمة " يا أسطا" ، ثم بدأ أسلوب العنف بين البنات ويمزحون مع بعضهن في الشارع بنفس أسلوب الذكور لدرجة تجعل الناس يتشككون بلغة الكومبيوتر بأن هناك من قام بعمل تغيير في الإعدادات الشخصية للذكور والإناث، لافتًا وقبل الدخول في الأسباب النفسية لهذا التحول، فنجد من مشاهداتنا لأفلام الزمن الجميل كيف كان الوقار والاحترام والشياكة والأسلوب الراقي في التعامل والصوت المنخفض وقانون العيب، فمن المؤسف أن كل هذه السمات الجميلة للزمن الجميل قد اندثرت بشكل كبير مع بعض شباب هذا الجيل.
الأسباب النفسية لهذا التحول
أما عن الأسباب النفسية للتحول، فيرجع الغندور ذلك هو خروج الشباب والبنات عن سيطرة الأسرة في سن مبكرة ليأخذوا معلوماتهم من الشارع وأطفال الشوارع بكل السلبيات، والتي أظهرت التمرد والتنمر ورفض كل ما هو قديم وبدون فهم وكونوا فكرًا جديدًا شعاره " لا شيء يهم - أخطف وأجري-لا مسئولية- أنا الرابح الوحيد و ليحترق الآخرون- الحياة كلها تيك آوي- مش جايب حاجة للبيت"، وأمام هذا التحول الذي أصاب معظم البيوت والأسر أصبح لازم علينا أن نواجه بما يلي:
أولا: إعادة تأهيل الوالدين نفسيا وفكريًا وسلوكيًا لهذه الظاهرة الجديدة لدى الأولاد والبنات من منطلق إظهار المزايا والعيوب للتطور، و إبراز الإيجابيات في التطور والعيوب في التمرد الأحمق، وباللغة التي يفهما هذا الجيل، وبدون استخدام اللهجة الآمرة والسلطة الكاملة للوالدين على أبنائهم من منطلق المثل القائل "إن كبر أبنك خاوية"، فلا ترفضه ولكن عليهم تصحيح المعلومات بالشكل التربوي البسيط.
ثانيا: دور المدارس والجامعات التوجيه التربوي للطلبة ومكافأة المتميزين فكرًا وشكلُا وعقاب الفكر الجديد والأشكال الجديدة ويحدث الآن أن المدارس والجامعات ترفض دخول أصحاب البناطيل الممزقة.
ثالثا: الميديا والمسلسلات عليهم القيام بتقديم النماذج الإيجابية لأصحاب الشخصيات الناضجة وإظهار الأشكال الجمالية في الفكر والشكل الملتزم ومنع إظهار، أي أشكال شاذة في الفكر والشكل والملبس.
رابعا: دور البرامج التوعوية والدينية بالتليفزيون.
خامسا: أن يكون هناك قانون رادع يتم تشريعه في مجلس النواب لهؤلاء الشباب عند قيامهم بالتحرش والتنمرعلى باقي البشر، وعلينا جميعا أن نعلم أن هذه ظاهرة خطيرة وعلينا جميعا أن نواجهها بمنتهى الحزم والحسم والحكمة والمرونة في آن واحد وأن تجاهلها سوف يؤدي إلى كوارث.
الدكتور علاء الغندور استشاري التحليل والتأهيل النفسي والعلاج السلوكي