بمناسبة رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف 0.5% في أكبر زيادة خلال 22 عاما؛ فكان محتما أن يقوم البنك المركزي المصري بالإجراء نفسه؛
وبحسب معلوماتي ــ كمستهلك ــ أن الاقتصاد يشبه نظرية الأواني المستطرقة؛ والمعلوم أيضًا أن "البنك المركزي" يرفع الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد، أي زيادة أسعار السلع والخدمات!
و قبل أن ندخل في تفاصيل الأسباب والنتائج من باب شر البلية مايضحك ـ أن نشاطر الضحك هذا التاجر الذي فاض به الكيل من معاملات السوق وأسعار السوق.. وأفكار السوء!
وهنا نسوق الحكاية؛ يُحكي أن: حضر مندوب مصلحة الضرائب إلى مايسمونه ــ في مصر ــ الآن بالإنجليزية (سوبر ماركت) وترجمتها "سوق ممتاز"؛ ولا نعرف ماهي الحكمة في هذه التسمية العجيبة؛ والتي لاتعنينا في شيء عن حديثنا هذا...المُهم.. مندوب مصلحة الضرائب بعد معاينة المكان وبضاعته وطولُه وعرضُه؛ تمخضت المعاينة عن مبلغ تقديري "عشرة آلاف جنيه"؛ والعجيب أن صاحب المكان لم يقُم بالاعتراض أو المناقشة؛ وأحضر المبلغ بكل سهولة ويُسر للمندوب السامي الضرائبي؛ مما أثار دهشته لسرعة التلبية وعدم المناقشة والاعتراض، مما أثارة غريزة الطمع لدى المندوب الذي تظاهر بأنه أخطأ في التقدير؛ وطلب التعديل إلى خمسة عشر الفًا من الجنيهات؛ ولم يعترض الممول صاحب المكان؛ وسرعان ما أحضر الفرق بكل سهولة ويُسر إلى المندوب؛ وللمرة الثالثة يتظاهر المندوب بالاستدراك وأن المبلغ المطلوب يتجاوز الخمسة وعشرون ألفًا بالتمام والكمال.. وعندئذٍ صرخ الممول في المندوب قائلاً: ماكينة الطباعة موجودة بالداخل.. فلتدخل لتطبع ماشئت من الأوراق النقدية.. ولا تقم بإزعاجي بطلباتك!
وأنا أسوق تلك الطُّرفة لترطيب الأجواء في علاقاتنا الحياتية مع "البعض" من التجار؛ الذين يحاولون استغلال كل المشاكل الطارئة التي تعترض مسيرة الاقتصاد؛ مع عدم مراعاة التعامل بالضمير الإنساني السَّوي مع المستهلكين من أفراد الشعب.
ولكوني غير مختصة في هذا الصدد سأترك الحديث لرجال المال و الاقتصاد ــ بتصرف ــ عن: ماذا يعني رفع أسعار الفائدة؟ فيبادرون بالرد: إن رفع أسعار الفائدة، هو معيار يحدد أسعار الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من جُعبة البنك المركزي؛ وبناء عليها تضع البنوك خططها في آلية احتساب جديدة لأسعار الفائدة على القروض التي تقدمها للعملاء؛ وكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي؛ تزيد نسبة الفائدة بشكلٍ تلقائي على القروض القائمة والجديدة بالعملات المقومة بعملة المركزي أو المرتبطة بها.
ففي حالة الدولار الأمريكي، فإن كلفة الإقراض سترتفع على البنوك، وبالتالي على العملاء، وهذا مؤشر سلبي على الاستثمارات الباحثة عن تحفيز الأسواق من خلال وضع نسب فائدة منخفضة؛ وعليه.. سيدفع رفع كلفة الإقراض إلى تراجع وتيرة الإقدام على طلب التسهيلات الائتمانية في الأسواق العالمية؛ خصوصا بعملة الدولار والعملات المرتبطة به أو الدائرة في فلكه!
وإذا كان قرار رفع سعر الفائدة له أثر سلبي على الاقتراض، فإن القرار يحمل جانبًا إيجابيًا بشكل نسبي على أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة في الأسواق، إذ إن قرار رفع أسعار الفائدة يعني أيضًا أن المودع سيحصل على عوائد أعلى عن إيداعاته.
ومن الطبيعي على إثر هذه التقلبات؛ ستشهد الأسواق ارتفاعًا متسارعًا في ودائع العملاء لدى القطاعات المصرفية، وذلك للاستفادة من نسب الفوائد الصاعدة، في المقابل تتراجع وفرة السيولة داخل الأسواق؛ ويتم ـ تلقائيًا ـ تطبيق نظرية مايسمًّى بـ "المنفعة الحدِّيَّة"؛ أي أن المستهلك الذي كان يقوم بشراء "كيلو طماطم" مثلاً.. سيكتفي بشراء نصف كيلو فقط.. والقياس على باقي متطلباته الحياتية!
ولعله من المناسب الآن في ظل هذا التضخم الذي يتحكَّم في حركة الاقتصاد؛ أن نقوم بالتطبيق الاختياري ـ لا الجبْري ـ لقانون "المنفعة الحدِّيَّة"؛ بمعنى أن نعمل على انتشار ثقافة مغايرة للشراء تتمثل في "الشراء بالقطعة" للخضراوات والفاكهة واللحوم؛ وقبل هذا نقوم بإقناع البائع والمشتري بهذا المنطق؛ بدلاً من التعامل بـ "الشَّرْوَة"؛ وترديد مقولة: "خللي العيال ياكلُوا" ! وتكون النتائج الحتمية لهذه الشراهة الشرائية والمَعِدِيَّة؛ هو ذهاب معظم المشتريات إلى مقلب القمامة غذاءً للحيوانات الضالة.
إنها عجلة الاقتصاد ذات التروس التي لاترحم؛ وتدعس أو تدهس من يقف في طريقها في محاولات يائسة لإيقاف دورانها الأبدي؛ والذي يقف خلف ماكيناتها العملاقة هذا الغول الأمريكي الذي يسيطر على مقدرات العالم؛ فهو الذي يتحكم في توجيهات وتوجُّهات المسألة "البترودولارية"؛ والتي حدت بالسيدة الفقيرة "بائعة الجرجير" التي تفترش الأرض في السوق لتقول للمشتري: "شوف يا ابني الدولار بكام النهاردة"؟! أي أنه ـ بالاختصار ـ ستصبح: فوائد قومٍ عند قومٍ.. خسائرُ!
فهلا شرعنا في وضع الحلول سريعا لملاحقة هذا التغول الاقتصادي بفرض سلوكيات تعامل مختلفة لدى المواطنين المستهلكين بشراهة كل ما تمتد إليه أيديهم دون وعي حقيقي بوجود أزمة اقتصادية تجتاحنا مع العالم كله؛ والاستعداد لمواجهتها أصبح فرض عين للسيطرة على سلبياتها قدر المستطاع تجنبا لخسارات لا يمكن تعويضها يحصدها الغير وتعود عليه بالنفع، ويتركنا نهبا للاحتياج والعوز بتخطيط ممنهج يصب في صالحه ويضرب الجميع في مقتل.. اليقظة واجبة ياقوم بالله عليكم!
...............................................................................................
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر