جاءت الدعوة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية مؤخرًا، إلى حوار وطني شامل حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، بمشاركة كل القوى السياسية دون تمييز أو استبعاد، بمثابة إعادة الروح إلى الحياة السياسية في مصر، وفي توقيت دقيق تواجه فيه الدولة المصرية تحديات غير مسبوقة، تأتي في مقدمتها التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية - الأوكرانية، التي طالت نيرانها الاقتصادية العالم بأسره، كما أنه لا يبدو في الأفق القريب أي بصيص أمل في قرب انتهاء هذه الحرب المدمرة.
نعم نحن في أشد الحاجة إلى إجراء حوار شامل على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بمشاركة كل أطياف المجتمع، وكل القوى السياسية الفاعلة، حتى نخرج في النهاية برؤية شاملة لمواجهة كافة التحديات، يتم تحويلها إلى برامج عمل قابلة للتنفيذ في مختلف المجالات، حتى يكون الجميع على إلمام ودراية بحجم وجسامة التحديات، ويكون الجميع مشاركًا في وضع حلول لها.
وتأتي على رأس هذه التحديات تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي أوشكت أن تتحول إلى تهديد حقيقي يواجه الدولة المصرية كغيرها من دول العالم، ولابد من أن يصطف الجميع على قلب رجل واحد، حتى نخرج من هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، خاصة وأن مصر لم تحقق حتى الآن الاكتفاء الذاتي من القمح، وتعتمد في توفير جانب كبير منه على الاستيراد، رغم الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية في زيادة مساحة الأراضي المزروعة بالقمح وإقامة صوامع للتخزين تكلفت مليارات الجنيهات، وكأنها كانت تستشرف المستقبل وتعرف أن هناك أزمة غذاء ستواجه العالم.
وثاني هذه التحديات، الزيادة السكانية المرعبة، والتي تحولت هي الأخرى إلى تهديد حقيقي يواجه الدولة المصرية، وباتت غولا يلتهم كل ثمار التنمية بلا رحمة ولا هوادة، ولابد من وضع حلول جذرية مبتكرة خارج الصندوق بمشاركة جميع ألوان الطيف السياسي، وكل مؤسسات الدولة، لمواجهة هذه المعضلة المزمنة، والتي يتم مواجهتها حتى الآن بمسكنات لا تجدي نفعًا، ويجب أن يدرك الجميع أن ضبط الزيادة السكانية في مصر أصبح مسألة حياة أو موت للدولة المصرية، وليس رفاهية.
ومن بين التحديات أيضًا، والتي من الممكن أن تتحول في المستقبل إلى تهديد، أزمة وندرة المياه في ظل مماطلة وتعنت وإصرار إثيوبيا على عدم التوقيع على اتفاق ملزم يضمن حق وحصة مصر في مياه النيل، ناهيك عن التحديات الإقليمية الأخرى، التي فرضها الواقع الجديد بعد ثورات الخراب العربي، وعدم الاستقرار الموجود في الدول الحدودية المجاورة، والتي تجعلنا دائمًا في حالة يقظة وتأهب واستنفار لتأمين حدودنا، ناهيك عن التحديات الداخلية الأخرى كالبطالة والتعليم وغيرها.
ومن هنا أدعو كل القوى السياسية التي ستشارك في الحوار الوطني الشامل أن تكون على قدر المسئولية، وأن تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، وفوق أي مصلحة حزبية أو شخصية ضيقة، نريد من الجميع أن يشارك، وأن يطرح رؤى مختلفة، ولكنها رؤى قابلة للتنفيذ العملي، لا رؤى هلامية وكلمات معسولة لا تغني ولا تسمن من جوع، نريد اختلافًا لا خلافًا، فمن الممكن أن نختلف فيما بيننا على آليات تنفيذ الرؤى، ولكن يجب أن يكون الاختلاف من أجل مصلحة الوطن.
سفينة الوطن، تحتاج الآن إلى سواعد جميع أبنائها المخلصين لكي تواصل الإبحار نحو شاطئ الأمان، كما تحتاج وقبل أي شيء آخر أن يقف الجميع صفًا واحدًا خلف ربان السفينة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي استطاع أن يبحر بسفينة الوطن نحو بر الأمان بكل كفاءة واقتدار في بحر متلاطم الأمواج، حيث تمكن باصطفاف الشعب المصري خلفه وبسواعد أبناء الشعب، الذي آمن الرئيس بقدرتهم على صنع المستحيل من القضاء على الإرهاب والعشوائيات، وبعد أن كانت مصر شبه دولة، أصبحت الآن ليست دولة فقط، ولكن قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط يشار إليها بالبنان، ويكفي أنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، وقام بتعمير سيناء وترسيم الحدود البحرية واستخراج الغاز، وأضحى يضع خطوطًا حمراء لا يستطيع أي كائن مهما يكن أن يتجاوزها.
وتبقى كلمة لابد منها، إذا كانت هناك بعض الأحزاب والقوى السياسية فاعلة إلى حد ما، ولها تواجد في الشارع السياسي، فلا تزال هناك أحزاب كرتونية وكيانات وهمية، لا تواجد حقيقي لها على أرض الواقع، قائمة على أشخاص ومقرات فقط، وعلى الجانب الآخر يجب على الدولة أن تقوم بإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية وقانون تنظيم الجامعات، لتوسيع دائرة الحراك السياسي والحوار الوطني، لأننا وبصدق نحتاج إلى حوار على مختلف المستويات بداية من الأسرة، مرورًا بالجامعات، حتى نصل إلى مستوى الأحزاب، كما أننا نحتاج إلى خلق كيانات جديدة بشكل قانوني يستطيع أن ينخرط من خلالها الشباب في العمل السياسي، كيانات خارج الصندوق يبتكرها الشباب بأنفسهم، يعبرون من خلالها عن آرائهم وأفكارهم ورؤيتهم للمستقبل بكل حرية.
[email protected]