تلك طبيعة البشر وليس الزمن، محاولة التجمل، نحن بشر بنا عيوب كما توجد المميزات، ستر الله يمنحنا الأمان، تجميل الواقع أمر مقبول مادام في حدود الصدق.
أما الزيف أو الغش فهو طبيعة المنافقين، كهادئ الطبع الذي يكيد للآخرين بنعومة.. أو كمن يرحب بغيره بمشاعر واضحة وينهش لحمه حيًا.. فاجر يدعي التدين.. ظالم يدعي العدل.. متسلط يدعي سعة العقل.. أمثلة لا تنتهي وأغلبهم يستترون وراء مصلحة أو غرض، ربما لو انتهت المصلحة ظهر الوجه الحقيقي، والذي يكون عادة أنضر رغم قباحته.
الفنان الراحل سعيد صالح وصف السجن بعد خروجه منه - والذي كان قد دخله في قضية بسيطة لا تمس الشرف - قائلا السجن كل شيء فيه واضح، هذا تاجر مخدرات، الآخر "قتال قتله"، ذلك حرامي وهجام، آخر قواد، أما هذا فمظلوم وبريء، كنا نجتمع على حصيرة ونصلي ونقول يارب، كل شيء هناك واضح جدًا، لا أحد يرتدي ثوبًا لا يخصه ويدعي إنه شريف وهو قواد أو حرامي، أو أنه أمين وهو يتاجر بالمخدرات أو يغسل أموالا ويبني عمارات تقع على رؤوس الناس.
وأضاف سعيد صالح أن السجن هو العالم الحقيقي النقي، لدرجة أننا كنا نتخيل أنهم وضعوا أسوارًا وحراسًا بسلاح كي يحمونا من السجن الكبير والعالم الكذاب الموجود بالخارج، لكني أزورهم حتى الآن؛ لأنهم ناس حقيقية ليسوا مزيفين.
ربما توضح تجربة سعيد صالح مدى فداحة الزيف ومدى الحمل الذي يصدره المزيف للآخرين.. لكن للأسف المزيف ذاكرته انتقائية.