حملت الأيام الأخيرة من رمضان وقائع معركة إسرائيلية واستئساد يمينى فج على المقدسيين خاصة، والفلسطينيين عامة، وعلى الأقصى الأسير، أراد اليمين أو حكومة الراسبين الهشة والضعيفة، أن ترسل رسالة للداخل الإسرائيلى أنها قوية فى تعاملها مع الفلسطينيين والعرب، تذكرهم بأن المسجد الأقصى والقدس تحت سيطرتها، وأرادت تثبيت تقسيم المسجد مكانيا، بعد أن استطاعت تقسيمه «زمانيا»، لكن المقدسيين الشجعان حرموا إسرائيل من هذا الانتصار ووصلوا إلى المسجد، برغم أن سلطات الاحتلال حاولت منع المصلين من دخوله وسمحت للمستوطنين بدخوله.
لكن المقدسيين كسروا هذا التابو والقوة، وغيروا المعادلة، وأكدوا أنه لا يمكن حرمانهم من الصلاة والوصول إلى المسجد والحرم، فتحية للمقدسيين الأبطال الذين وصلوا بصدور عارية وبأيديهم وبإيمانهم للصلاة.
أرادت إسرائيل أن تحول الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى من صراع سياسى على الحقوق المدنية الفلسطينية إلى صراع دينى مقيت، لا نستطيع أن نعرف نتائجه أو أبعاده، ليس فقط على المنطقة، بل على العالم برمته.
رسالة الأقصى كانت واضحة أنه ليس مجرد معلم دينى إسلامى، بل هو رمز للقداسة الإسلامية، بل هو ذروة إسلامية، إنه أول قبلة للمسلمين، إنه مسرى الرسول، صلى الله عليه وسلم ومعراجه، الذى عبر الأقصى حمل رسالة السماء للمسلمين وللعالم كافة، مشهد الاعتداء على المصلين والمقدسيين، جدد المخاوف العربية والإسلامية بأن حالة العداوة والصراع الإقليمى لم تنته.
إسرائيل مازالت برغم اتفاقيات السلام العربية المتتابعة ومبادرة السلام العربية، ترفض التسليم بحقوق الفلسطينيين، وترفض إخماد النيران فى الأرض المقدسة، وهذا يكشف الضعف والخلل الداخلى فى تركيبة الحكومة وفى بنيان الدولة الإسرائيلية نفسها، المشهد الفلسطينى، ومشهد الأقصى، حمل رسالة المخاوف للمنطقة من تجدد الحروب والصراعات، لكن سرعة التدخل المصرى ورسالة مصر، المباشرة مع إسرائيل، موضحة أن القدس محور الصراع ودائرته، القدس مدينة المقدسات، القدس فضحت الاحتلال أمام العالم وأمام نفسه.
القدس برمزيتها ومكانتها أكبر من الحدود الجغرافية، ونحن مطالبون أكثر من أى وقت مضى وبكل ما أوتينا من قوة بفضح سياسات الاحتلال، القدس تفرض علينا دعم أصحاب الحق والدفاع عن حقوقهم بكل الأساليب التى كفلتها الشرائع الدينية والمواثيق الدولية.
القدس أكبر من كل محاولات الطمس والتعتيم، مصر قالتها لإسرائيل ولأمريكا، القدس والأقصى وقفان إسلاميان خالصان للمسلمين فى الأرض.
وكان محور حوار مصر مع واشنطن، أن تحرير القدس والأقصى هو الضمان للاستقرار الإقليمى، وإسرائيل انكشفت بعد هذه الأحداث، إنها لا تستطيع السير فى قمع الفلسطينيين والحفاظ على استقرارها، أو ضمان حدودها.
وسمعت إسرائيل من الجميع وبوضوح أن القدس هى جذوة الحروب المشتعلة المقبلة، وأنها خط أحمر، لن تستطيع أن تبتلعها أو تلغى حقوق الفلسطينيين والعرب.
إنها قضية وجودية، وإن كان الفلسطينيون فى حالة ضعف وانقسام الآن، فهى حالة عابرة ومؤقتة فى التاريخ، فالضعف والقوة ليسا قدرا متواصلا، بل حالة مؤقتة، لأن قانون الحياة ومسار الطبيعة، يقضى بأن القوي سيصبح ضعيفا، والعكس صحيح.
وكانت مصر واضحة فى مكاشفة إسرائيل وأمريكا بكل هذه الحقائق بشفافية كاملة، بأنه طالما استمر العدوان فلا استقرار ولا سلام، لأن الفلسطينيين يكشفون ويعرون القوة الإسرائيلية أمام الرأيين العام الداخلى هناك، والإقليمى العالمى.
وإذا استمر العدو الصهيونى يفكر فى العداء والكراهية، فعليه أن يعرف أنه سيواجه بنفس هذا العداء.
وحالة الصمود الفلسطينى والمقدسى، كشفت أن قوة الفلسطينيين تكمن فى الحق، وأن ما يحدث على أرضهم، عدوان على التاريخ والهوية الحضارية، وأن استمرار العدوان على الأقصى وعلى الشعب ينذر بالأسوأ فى قابل الأيام، وأنه يصعب هزيمة تلك القوة الغاشمة، ويعطى الفلسطينيين فرصا أكبر فى تحقيق استقلالهم وكشف وتعرية العدوان.