Close ad

جلال المشاهدة في المرآة الكونية.... (الأخيرة)

4-5-2022 | 14:17

تطول الوقفة مع تجليات سورة الفاتحة، وجلال المشاهدة في المرآة الكونية، التي نحدق فيها مع العالم الجليل «فخر الدين الرازي» الذي طرح رؤيته في 239 صفحة، وشغلت جزءًا كاملًا، من موسوعته التي لا تزال مرجعية للباحثين والعلماء في كل عصر «مفاتيح الغيب.. التفسير الكبير»، ونختتم هذا التجلي بلغة الأعماق البعيدة.
 
حركات الصلاة السبع مساوية لعدد آياتها فآيات الفاتحة سبع، والأعمال المحسوسة أيضًا في الصلاة سبعة، وهي: القيام، والركوع، والاعتدال، والسجود الأول، وبينهما الاعتدال، والسجود الثاني ثم القعدة، فصار عدد آيات الفاتحة مساويًا لعدد هذه الأعمال، وصارت هذه الأعمال كالشخص، والفاتحة لها كالروح، والكمال إنما يحصل عند اتصال الروح بالجسد، وفيها ينكشف أن مراتب الأجسام كثيرة، ومراتب الأرواح كثيرة، وروح الأرواح ونور الأنوار هو الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى {وأن إلى ربك المنتهى}.
 
 في سورة الفاتحة عشرة أشياء، منها: خمسة من صفات الربوبية وهي: الله والرب والرحمن والرحيم والمالك،، وخمسة من صفات العبد وهي: العبودية، والاستعانة، وطلب الهداية، وطلب الاستقامة، وطلب النعمة.. هذه الأسماء الخمسة تنطبق على هذه الأحوال الخمسة، وتتوزع الأسماء على أسماء القبلة الخمسة، بمعنى أنواع القبلة خمسة: بيت المقدس والكعبة، البيت المعمور، العرش، حضرة جلال الله، فوزع هذه الأسماء الخمسة على الأنواع الخمسة من القبلة، وفيها ينكشف أن الحواس الخمس تستعين بالأسماء الخمسة الحواس خمس: أدب البصر بقوله {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} والسمع بقوله {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} والذوق بقوله {يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَٰلِحًا} والشم بقوله { إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ} واللمس بقوله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} فاستعن بأنوار هذه الأسماء. الخمسة على دفع مضار هذه الأعداء الخمسة.
 
،،،،،،
 
وفي السورة أحوال البداية والوسط والنهاية، ففيها كلمتان مضافتان إلى اسم الله، واسمان مضافان إلى غير الله أما الكلمتان المضافتان إلى اسم الله فهما قوله: بسم الله، وقوله: الحمد لله. فقوله بسم الله لبداية الأمور.. وهي ذكر، وقوله الحمد لله لخواتيم الأمور.. لله شكر، يمكن أيضًا تنزيل هذه الأسماء الخمسة على المراتب الخمس المذكورة في الذكر المشهور: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
عند وصول العبد إلى هذه المقامات ينتقل الكلام من الغيبة إلى الحضور: {إياك نعبد} فإنك إذا انتفعت بهذه الأسماء الخمسة في هذه المراتب الخمس وانتقلت إلى دار الجزاء صرت بحيث تتكلم معه على سبيل المشاهدة لا على سبيل المغايبة، {إياك نعبد وإياك نستعين} إياك نعبد لأنك الله الخالق.. وإياك نستعين لأنك الرب الرازق، إياك نعبد لأنك الرحمن.. وإياك نستعين لأنك الرحيم، إياك نعبد لأنك الملك.. وإياك نستعين لأنك المالك.
 
،،،،،
 
والصلاة معراج العارفين فعندما وصل النبي الكريم إلى المعراج، قيل له: (إن تحفة أمتك الصلاة) لأنها جامعة بين المعراج الجسماني، وبين المعراج الروحاني.. أما الجسماني فبـ {الأفعال} وأما الروحاني فبـ {بالأذكار}.
 
فإذا أردت الشروع في هذا المعراج فتطهر أولا، لأن المقام مقام القدس، فليكن ثوبك طاهرًا، وبدنك طاهرًا، وأيضًا فعندك ملك وشيطان، ودين ودنيا، وعقل وهوى، وخير وشر، وصدق وكذب، وحق وباطل، وحلم وطيش، وقناعة وحرص، وكل الأخلاق المتضادة والصفات المتنافية، فانظر أيهما تصاحب.
 
مقام الركوع لا يحتاج قولك الله أكبر، فنفسك في هذه اللحظات معروضة على نار خوف الجلال فإذا هي تلين، فلتكن محنية بالركوع وهي تسبح: سبحان ربي العظيم، ففي الركوع إقرار للحق بالكبرياء، وللنفس بالذلة والمسكنة ونزول من صفة الكبرياء إلى صفة العظمة، بـ: سبحان ربي العظيم، والاعتدال هنا بدون ذكر الله أكبر، لأن التكبير مأخوذ من الكبرياء وهو مقام الهيبة والخوف، ومقام الاعتدال للحمد إنما هو الشفاعة وهما متباينان، وفي الاعتدال تقف النفس متمثلة موقف الخاشعين وحمد الحامدين بــ: سمع الله لمن حمده، فإنك إذا سألتها لغيرك وجدتها لنفسك، بعد هذه الشفاعة ثمة عودة إلى التكبيرـ وهبوط به إلى صفة العلو بـ:سبحان ربي الأعلى، لأن السجود أكثر تواضعًا من الركوع.
 
،،،،،
 
حين تصل إلى السجدة الثانية يكون قد حصل لك ثلاثة أنواع من الطاعة: الركوع الواحد، والسجودان، وبها تنجو من العقبات الثلاث المهلكة، فبالركوع تنجو عن عقبة الشهوات، وبالسجود الأول تنجو عن عقبة الغضب، وبالسجود الثاني تنجو عن عقبة الهوى، وأسرار السجود هنا تتجلى في خمس: الأول: أن السجدة الأولى للأزل، والثانية للأبد، والارتفاع فيما بينهما إشارة إلى وجود الدنيا فيما بين الأزل والأبد، لأنك تعرف بأزليته أنه هو الأول لا أول قبله فتسجد له، وتعرف بأبديته أنه الآخر لا آخر بعده فتسجد له ثانيًا. الثاني: السجدة الأولى فناء الدنيا في الآخرة، وبالسجدة الثانية فناء عالم الآخرة عند ظهور نور جلال الله. الثالث: السجدة الأولى فناء الكل في نفوسها والسجدة الثانية بقاء الكل بإبقاء الله تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه}. الرابع: السجدة الأولى تدل على انقياد عالم الشهادة لقدرة الله، والسجدة الثانية تدل على انقياد عالم الأرواح لله تعالى، كما قال {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. الخامس: السجدة الأولى سجدة الشكر بمقدار ما أعطانا من معرفة ذاته وصفاته، والسجدة الثانية سجدة العجز والخوف مما لم يصل إليه من أداء حقوق جلاله وكبريائه.
 
،،،،،
 
في مقام التشهد روح وراحة وريحان، فإذا تجاوزت هذه العقبات وتخلصت من هذه الدركات فقد وصلت إلى الدرجات العاليات، وملكت الباقيات الصالحات، وانتهيت إلى عتبة جلال مدبر الأرض والسموات، فيقال عند ذلك: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، فالتحيات المباركات بـ: اللسان، والصلوات بـ : الأركان، والطيبات بـ : قرة الإيمان. في هذا المقام يصعد نور روحك، وينزل نور روح محمد عليه الصلاة والسلام، فيتلاقى الروحان، ويحصل هناك الروح والراحة والريحان. فلا بد لروح محمد عليه الصلاة والسلام من تحية، فقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فعند ذلك يقول محمد «صلى الله عليه وسلم»: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: