فصول مطولة من تاريخ مصر يحكيها قصر القبة أكبر القصور الملكية، منذ بنائه في الفترة من 1867-1872م؛ حيث تم افتتاحه في يناير 1873م في حفل زفاف الأمير محمد توفيق ولي عهد الخديو إسماعيل، ومنذ ذلك الحين ارتبط القصر بحفلات زفاف أمراء وملوك الأسرة العلوية ومن أشهرها حفل زفاف الملك فاروق والملكة فريدة 1938م.
بنى الخديو إسماعيل قصر القبة على أنقاض منزل والده إبراهيم باشا بغرض أن يكون مسكنًا لزوجته والدة ولي العهد، وبالطبع لم يكن القصر بالشكل الحالي، فتم بناؤه على مراحل زمنية مختلفة حتى اكتمل بناؤه بالشكل الحالي، ويقع القصر على مساحة 190 فدانًا منها حوالي 70 فدانًا حدائق تضم مجموعة نادرة من النباتات والأشجار منذ عهد الخديو إسماعيل، وبه 400 غرفة.
يعود اسم القبة إلى قبة بناها الدوادار يشبك المملوكي تحيطها الأشجار وبركة مياه بغرض التنزه ثم عرفت بقبة الغوري، والحق بها جامع القبة أو الغوري، وضم إلى القصر وأضاف له الخديو عباس حلمي الثاني جزءًا جديدًا يشمل الباب الرئيسي والقبلة المزخرفين بالنقوش الإسلامية والآيات القرآنية.
صمم القصر على الطراز الكلاسيكي إذ يجمع أثاثه بين الشرقي والغربي والعربي والصيني، شارك مجموعة من المهندسين الفرنسيين والإيطاليين والمصريين والأتراك في بناء وزخرفة القصر، وأضاف الملك فؤاد محطة سكة حديد خاصة بالقطار الملكي لزوار القصر القادمين من الإسكندرية أو من محطة مصر بالقاهرة.
يتمتع القصر بقيمة فنية وتراثية نادرة فإلى جانب المجموعة النادرة من اللوحات الفنية العالمية والتماثيل النادرة والأثاث المصنوع من الخشب الملون والمزخرف والمطعم "بدرق السلحفاة"، فإنه يضم بالدور الثاني دولابًا كبيرًا فريدًا من نوعه يضم مجموعة آلات موسيقية تعزف تلقائيًا دون تدخل أحد، نوتات موسيقية كاملة، وتعد من القطع الفريدة في العالم.
بعد استقرار الأوضاع المالية في مصر 1892م، بعد تسوية ديون الحكومة، وتصفية الدوائر السنية، وإنشاء صندوق الدين (والذي ألغي بعد عقد اتفاقية ثنائية بين حكومتي مصر وبريطانيا 1940م بسبب اهتمام الحلفاء بتحسين علاقاتهم بالقاهرة)، وبعد أن تم الفصل بين مالية الدولة وثروة الحاكم الخاصة، عندئذ تحددت للحاكم أربعة قصور تتبع الدولة منها قصران للحفلات الرسمية والاجتماعات واستقبال الضيوف وهما سراي عابدين بالقاهرة، وسراي رأس التين بالإسكندرية، وقصران لإقامة الحاكم وأسرته؛ وهما قصر القبة بالقاهرة، وقصر المنتزه بالإسكندرية، وهي القصور التي أصبحت قصورًا رئاسية بعد 1952م.
ولأن قصر القبة كان مخصصًا لسكن الحاكم فكان الملك فاروق يحتفظ بمقتنياته الخاصة وكل متعلقاته في هذا القصر، وتركها عند خروجه من مصر؛ حيث كان بالإسكندرية، وقد بيعت مقتنياته في مزاد علني 1954م، ضمت مجموعات نادرة من الساعات والطوابع والمجوهرات والأواني الفضية ولوحات عالمية وطقم قهوة من الذهب الخالص، وبيضة فابرجيه كان يهديها قياصرة الروس إلى زوجاتهم وأمهاتهم في عيد الفصح، حضر المزاد عدد كبير من المصريين والأجانب ومندوبين عن الملكة اليزابيث وأمير موناكو، وكانت حصيلة المزاد 218 ألفًا و841 جنيهًا مصريًا!!!!
في قصر القبة ولد الخديو توفيق، وشيعت منه جنازة الملك فؤاد، ومنه ألقى الملك فاروق أول خطبة له بعد وصوله من إنجلترا عقب وفاة والده عبر الإذاعة المصرية في 8 مايو 1936م، وفيه سجي جثمان الرئيس جمال عبدالناصر حتى موعد الجنازة، وكان القصر مقر إقامة شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد لجوئه السياسي إلى مصر.
.. أما قصر المنتزه فله قصة طريفة عند اختيار موقعه، في صيف 1892م كان الخديو عباس حلمي الثاني يسير على الشاطئ الشرقي للإسكندرية في موكب مكون من ثمانين حمارًا يرافقهم عازفو الموسيقى الخديوية يسيرون بمحاذاة الشاطئ، أثار إعجابه ذلك الشاطئ بما يحويه من ألسنة صخرية تخترق مياه البحر وخرير المياه الناتج عن تسرب المياه بين الصخور، فقرر بناء قصر له في تلك المنطقة التي تشكل مربعًا صغيرًا داخل مياه البحر، تطل على طرفيها رابيتان بارتفاع 16 مترًا فتم بناء قصر الحرملك على إحداهما، بينما كانت الأخرى عليها مدافع لحماية الشواطئ منذ عهد محمد علي ولا زالت موجودة إلى الآن وأقيم أمامها مبنى السلاملك وسينما الأميرات.
كلف الخديو عباس حلمي مهندس القصور الملكية ديمتري فابريشيوس بناء القصر على طراز القصور النمساوية التي تتوسط الحدائق الشاسعة، فبلغت حدائق القصر نحو 370 فدانًا زرعن بزهور وأشجار نادرة شكلت منها أشجار الكازورينا غابة طبيعية حوالي 60 فدانًا ومثلها غابات النخيل والموالح والفاكهة، كما أنشئ كشك الموسيقى للحفلات الصيفية، كما تم بناء فيلا من دور واحد سكنًا للحريم، وأطلق محمود باشا شكري رئيس ديوان الخديوي على تلك المنطقة اسم "المنتزه “.
بعد عزل الخديو عباس حلمي ظل القصر خاليًا، إلى أن تولى الحكم الملك فؤاد فأراد شراء القصر من مالكه الأصلي وهو عباس حلمي؛ لكنه رفض وهو في منفاه، فأوعز فؤاد إلى الحكومة شراء القصر الذي أصبح ملكًا للحكومة المصرية وأحد قصورها الرسمية.
وفي 1925م هدم الملك فؤاد قصر الحرملك وبنى آخر جديدًا ليكون تحفة معمارية وآخر القصور الملكية التي شيدت في تاريخ الأسرة العلوية على أن تقوم الحكومة بتجميله وفرشه، وإعادة تخطيط الشواطئ وتنسيق البساتين والغابات، صممه المهندس الإيطالي فيروتشي على غرار قصر ماكنزي في فلورنسا، وهو ما يعرف الآن بقصر المنتزه.
وفي عهد الملك فاروق تم تكليف المهندس المعماري المصري مصطفى باشا فهمي بإنشاء كوبري يربط جزيرة الشاي بالقصور الملكية، بالإضافة إلى العديد من المباني الملحقة منها برج المياه ومحطة القطار الملكية.
ومن أشهر ما يميز قصر المنتزه برج الساعة فكانت تخرج منه أربعة تماثيل ذهبية للملك فاروق عندما تدق عقارب الساعة.
اهتم الملك فاروق بالحدائق فأنشأ إدارة خاصة للاهتمام بحدائق المنتزه والإشراف على إنتاج المحاصيل من الفواكه، خاصة البلح والموالح وإنتاج وتربية الدواجن والنباتات النادرة في صوب خاصة.