راديو الاهرام

«الاختيار .. قرار 3 يوليو»

30-4-2022 | 16:21

الحقيقة الدقيقة في مسلسل "الاختيار3 " الذي أوشك على الانتهاء أنه لم يكن مجرد عمل درامي سردي لأحداث وطنية حاسمة في تاريخ مصر، بل كان عملًا وثائقيًا، وتأريخًا لفترة عصيبة مر بها وطن كاد أن يضيع وأمة كانت على شفا حرب أهلية بعد أن كشفت جماعة الإخوان عن مخططاتها وأهدافها الحقيقية من وراء حكم هذا البلد.. إلا أن وعي الشعب، أسقط هذه المخططات وأفسد تلك المؤامرات، فخرج في ملايين مطالبًا بإسقاط هذا الحكم، فجاء القرار في 3 يوليو مستجيبًا لمطالب الشعب طاويًا صفحة سوداء في تاريخ هذا الوطن.

عبقرية "الاختيار 3" أنه قدم حقيقة ما جرى في كواليس مراكز الحكم في مصر خلال حكم الإخوان، وأزال الستار عن أدوار صناع القرار، وكيف كان الرئيس مرسي أداة لا غير ووسيلة لا أكثر في تنفيذ ما يريده مكتب إرشاد جماعة الإخوان، بل لم يبالغ صناع المسلسل في إظهار القيادي خيرت الشاطر باعتباره الشخصية الأقوى في حكم مصر، والصانع الرئيسي للقرار في الدولة؛ بل ربما هو أكبر من ذلك وأخطر من تلك الصورة التي ظهر عليها في المسلسل، وسيطرته على قرار مرسي لم يأت من فراغ؛ بل جاء نتيجة لما يمكن وصفه باتفاق ضمني وبمباركة المرشد والأعضاء المؤثرين أن تكون الرئاسة لمرسي والقرار للشاطر، ولعلنا نتذكر الظروف والملابسات التي ترشح فيها مرسي للرئاسة؛ حيث كان القرار الذي اتخذته الجماعة بعد تراجعها عن عدم الدفع بمرشح رئاسي هو ترشيح خيرت الشاطر نائب المرشد ورجل الأعمال صاحب النفوذ والمال في مكتب الإرشاد إلا أن قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باستبعاده لإدانته فى قضايا جنائية، دفع الجماعة إلى ترشيح "الاستبن" مرسي -كما كان يطلق عليه في الإعلام- وبذلك دخل مرسي سباق المنافسة وهو على يقين أنه لن يحكم، وأن الرئيس الفعلي هو الشاطر "المدان في قضايا جنائية".. ومن هنا لا غرابة أن نجد مرسي الرئيس شخصية مهزوزة ضعيفة لا تملك من الأمر شيئًا، ولا من القرار أي شيء..

وقد وصل التدخل السافر من خيرت الشاطر وقيادات مكتب الإرشاد إلى حد أن مرسي كان يتم ابلاغه بالقرارات في أظرف مغلقة ترسل له من مكتب الإرشاد ليصدق عليها؛ حتى تأخذ الشكل الدستوري لها دون أن يكون له رأي فيها حتى خطاباته كانت تكتب ليخرج يتلوها فقط، وهنا أذكر أن عددًا من مستشاري مرسي -الذين كانوا أعضاء في لجنة استشاريه شكلها من بعض السياسيين والإعلاميين بزعم أنها تشاركه الرأي في الحكم- وجدوا أنفسهم مجرد ديكور فتقدموا باستقالات مسببة، وذكروا في استقالاتهم أنهم فوجئوا بأن مرسي لا يحكم، وأن مكتب الإرشاد هو الذي يملي عليه ما يفعله.

الحقيقة الثانية الثابتة التي أشار إليها مسلسل "الاختيار" وهي أيضًا تمثل دليلًا قاطعًا على فشل حكم مرسي وخطورته على الوطن أنه يؤمن بفكر هذا التنظيم، ويدعم حالة الاستقطاب السياسي في المجتمع، والتي كادت أن تؤدي إلى احتراب أهلي، ولعل ما كشفته التسريبات الوثائقية في المسلسل أكدت بوضوح أن مرسي وجماعته لا يرون في مصر سواهم.. القوى السياسية والأحزاب مجرد مرتزقة.. شباب الثورة "شوية عيال تافهين".. حتى من التيارات الدينية الأخرى لا يثقون فيها؛ فالسلفيون "أصحاب مصالح ولا أحد يثق فيهم".. هكذا قالوا عنهم في تسريب، وحتى رجال الأعمال والسياسيين الذين كانوا فاعلين في المشهد السياسي اتهموهم بالخيانة وتلقي رشاوى من الخارج، أو السعي لتولي منصب وزاري.. في المقابل سعت الجماعة إلى فرض الأخونة على كل مؤسسات الدولة واستبدلت أهل الخبرة بأهل الثقة ولعلنا نتذكر مئات القيادات التي دفعت بها الجماعة دون أن تكن لديها الكفاءة ولا المؤهلات التى تمكنها من النجاح في مواقعها.

الحقيقة الثالثة أن مسلسل الاختيار كان كاشفًا لفشل الإخوان في إدارة البلاد؛ حتى إن الرئيس مرسي تعهد بما أسماه برنامج الـ100 يوم الأولى بحل مشكلة نقص الخبز، وتوفير السلع الأساسية، إلا أن شيئًا لم يحدث؛ بل زادت الأزمات وتضاعفت المشكلات.. طوابير ممتدة أمام المخابز للحصول على رغيف الخبز، وانقطاع متكرر للكهرباء والماء، وتدهور مروع في المرافق والخدمات.. وتراجع مفزع في الاحتياطي النقدي وإغلاقات متتالية للمصانع ومراكز الإنتاج.

لم تكتف الجماعة بذلك فذهبت إلى امتلاك السلاح وتشكيل المليشيات التي توفر لها القوة التي تساعدها على تنفيذ مخططها، ولم يكن ما عرضه الاختيار من معلومات وثائقية حول توجه جماعة الإخوان إلى تأسيس حرس ثوري يكون تابعًا لهم، سوى جزء من مخطط أكبر وفكر تنظيمي أوسع لا يؤمن بالحدود الوطنية.. مخطط يسعى إلى تمكين بعض القوى الإقليمية من هذا البلد، وإدخال أراضيها في حسابات وصفقات إقليمية، وتسوية أزمات تاريخية على حساب تراب هذا الوطن.

هكذا كان المشهد.. دولة تضيع وأحلام تتبدد، فكانت هبة الشعب الذي ثار في 30 يونيو طلبًا لاسترداد هوية وطن، والذود عن دولة كادت تسقط في يد هذه الجماعة الفاشية.

وأمام هذه الثورة الشعبية، لم يجد جيش مصر العظيم إلا أن ينحاز إلى مطالب الشعب ويحمي ثورته وينقذ هذا الوطن من حرب أهلية كانت واقعة، فجاء قرار 3 يوليو؛ الذي تلاه الفريق عبدالفتاح السيسي في مشهد تاريخي لا ينسى، حينها تنفست مصر الصعداء ونزل الملايين في الميادين للاحتفال بطي صفحة الجماعة الإرهابية، وبناء مستقبل جديد يليق بهذا الوطن.. وأذكر أنني كنت في الأهرام بالدور الثامن نتابع وزملائي بيان 3 يوليو، وما إن تلا الفريق السيسي البند الثالث من البيان وقال فيه: "إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، لحين انتخاب رئيس جديد"، حتى وجدت نفسي أسرع إلى سلالم المبنى دون انتظار للمصعد جريًا إلى ميدان التحرير، وتبعني عدد من الزملاء لنحتفل مع شعب مصر بهذه الفرحة التي أعادت للوطن أمنه واستقراره وحفظته من خطر جماعة إرهابية تسمى نفسها "الإخوان".

كل الشكر والتقدير لصناع "الاختيار" الذين أبهرونا بأداء فني مبدع فجاءت الحلقات شهادة للتاريخ ووثيقة وطنية تؤرخ لفترة عصيبة في تاريخ الوطن، وتجسد لعمل وطني مسئول قام به الأبطال الحقيقيون في جيش مصر، والأجهزة الأمنية الأخرى الساهرون على حماية هذا الوطن والمرابطون للذود عنه..

حفظ الله مصر وجيشها العظيم

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة