ما إن يبدأ هلال شهر رمضان فى الظهور، حتى تتجلى المشاعر الروحانية داخل المرء، وتنشط الذاكرة بمظاهر بهجة وسرور تخلفها ذكريات متراكمة منذ الطفولة عاما بعد عام، ورغبة عارمة فى صنع مزيد من الذكريات فى هذا الشهر الكريم الذى يفيض بالخير، إلا أن البعض حين تداهمه هذه الذكريات يصاب بغصة فى القلب، لعدم قدرته على استعادتها لوجوده خارج الإطار الزمانى والمكانى لها، إنهم أولئك المغتربون بالجسد ولكن أرواحهم مازالت تحوم حول أماكن الصبا ومراتع الذكريات، خاصة أولئك الذين لا يعيشون فى بلدان إسلامية ولا يمتلكون القدرة على أن يعيشوا مظاهر شهر رمضان التى تطالعنا فى كل مكان داخل الوطن.
موضوعات مقترحة
لا يوجد أى مقارنة بين رمضان فى مصر وفى السويد، ففى مصر لاتزال صوره منطبعة فى الذاكرة وهى مرتبطة بالفرحة والبهجة والجو العائلى والشعائر الدينية المختلفة، وهو الأمر الذى يرتد بالحسرة كلما يمر علينا رمضان فى السويد لافتقادنا التام لهذه المظاهر.
هكذا بدأ الدكتور هشام احمد أستاذ الهندسة بجامعة لوليو بشمال السويد ورئيس الجالية المسلمة بها حديثه، قائلا: رمضان فى السويد له طابع خاص ففى فصل الصيف لا يوجد لدينا ليل لذا فالمسلمين فى السويد والدول الإسكندنافية يعيشون تجربة فريدة من نوعها حين يأتى شهر رمضان فى الصيف، حيث تغرب الشمس عند منتصف الليل، وتشرق بعد غروبها بساعتين فقط خلال ذروة الصيف، وهو ما يعنى صيام يقترب من عشرون ساعة وقد يصل إلى 23 ساعة.
يضيف د. هشام: ولكن هناك بعض الجهات الإسلامية التى أعطت تصريح بالإفطار على توقيت غروب الشمس فى أقرب دولة بعيدة عن الدائرة القطبية وترى الليل والنهار، وذلك للمسلمين الذين يعيشون فى بلدان لا تغرب فيها الشمس، مبديًا سعادته لان هذا العام هو أفضل من الأعوام السابقة حيث نصوم ما بين سبعة عشر ساعة وتسعة عشر ساعة.
ومن المظاهر الهامة والمرتبطة برمضان فى دولة مثل السويد «يضيف محدثنا»، أن عدد ساعات الصيام فى أول الشهر تختلف اختلافا كبيرا عن اخره فى نفس العام حيث يطول النهار عادة فى باقى بلدان العالم بين ٥ ثوانٍ إلى دقيقة كل يوم بينما فى السويد يطول يوميا بمعدل خمس إلى ست دقائق، وان كان رمضان فى السويد يتميز بان الجو خلاله بارد سواء فى الصيف او الشتاء مما يجعلنا نتحمل ساعات الصوم الطويلة، وبالمناسبة فانه لا يوجد فرق بين توقيت السويد وتوقيت مصر حيث يقع البلدان على نفس خط الطول، الا ان هناك فرقا فى موعد الإفطار ففى الوقت الذى يكون فيه المقيمون فى مصر يصلون التراويح نكون نحن قد بدأنا نتناول الإفطار.
يصل عدد سكان السويد إلى عشرة ملايين نسمه يمثل المسلمون حوالى 10 ٪ من سكانها والأغلبية المسلمة هنا من العراق والصومال واريتريا وأفغانستان وأضيف إليهم السوريون واليمنيون مؤخرا وهو ما ينعكس على معرفة السويديين بالشهر الفضيل.
وان كان المسلمون لا يحصلون على أى امتيازات كتلك التى تحدث فى البلدان الإسلامية مثل تقصير عدد ساعات العمل، إلا انه يؤكد انه من الممكن ان تجد بعض المظاهر الرمضانية الطفيفة فى العاصمة والمدن القريبة منها نتيجة تواجد المراكز الإسلامية الكبرى بها بينما تقل هذه المظاهر حتى تكاد تنعدم كلما اتجهت إلى الشمال، حيث فى مدينتنا نصلى القيام فى احد القاعات التى نؤجرها لهذا الغرض كما انه يوجد إفطار جماعى نقيمه فى اجازات اخر الأسبوع حيث لا يوجد وقت لأى تجمعات خلال الأسبوع بسبب العمل وان كانت بعض المراكز الإسلامية الكبرى فى الجنوب تقدم إفطارا يوميا للمسلمين، ونحاول ان نغير روتين الحياة داخل المنزل حتى يشعر الاولاد ببعض مظاهر رمضان مثل تزيين المنزل والطعام المميز والمسابقات الدينية البسيطة.
بينما فى أمريكا توجد مظاهر مختلفة عن تلك التى فى السويد حيث تقول الباحثة بجامعة يوماس امهرست بولاية ماساتشوستس، سايونارا طموم: رمضان فى بلاد العم سام يبدأ حين يعلن مسجد المدينة رؤية الهلال المتمم لشهر شعبان، وقد تختلف الرؤية من مدينة لأخرى حتى لو كانوا جميعا بنفس الولاية. وكما يبدأ الإعلان من المسجد، تبدأ طقوس الشهر الفضيل من المسجد أيضا فتتجمع الجاليات المسلمة لصلاة التراويح بأول ليلة ثم يتم التنسيق على الإفطار اليومى أو الأسبوعى الذى يقدمه المسجد لرواده وتتولاه الجاليات المحيطة بكل حب وكرم. يتجمع الأطفال فى حرم المسجد مع الآباء والأمهات كل يوم فيبتهجون بزينة رمضان التى تملئ الأركان ويركضون هنا وهناك بين المصلين فى راحة وسعة.
أما العشر الأواخر من رمضان فلها بريق خاص حيث تقدم المساجد وجبة سحور بالإضافة إلى الإفطار تعده الجاليات أيضا ويتعهد بعض أئمة المساجد بوجبة خاصة جدا ليلة السابع والعشرين ليحثوا أكبر عدد من مرتادى المساجد على الحضور. ويقوم بعض الرجال القادرين فى المسجد بحثّ الشباب على الحضور إلى الصلاة عن طريق الانضمام إلى مجموعة المسجد بالواتساب وقد يعرض البعض أن يتولوا مسؤولية التوصيل من وإلى المسجد لمن لا يستطيع القدوم بسبب صغر السن أو عدم وجود وسيلة مواصلات. وبهذا يكون المسجد نقطة التواصل بين رمضان والجاليات المسلمة وقلب الشعائر والعمل الاجتماعي.
وتضيف كل تلك المحاولات الجادة والحثيثة لإقامة ترابط بين الجالية الإسلامية تحاول ان تكسر حدة الغربة التى يمكن ان نستشعرها بالطبع قد لا يفهم أهميتها المقيم فى مصر لأنها محيطة به ويمارسها بشكل اعتيادي.
ومن اقصى الشرق من اليابان يحدثنا يسرى الحمزاوى مدير المركز الإسلامى بطوكيو عن رمضان فى اليابان، قائلا: المركز الإسلامى فى اليابان يقع فى قلب طوكيو وفى واحد من أرقى أحياءها تم انشاء المركز الإسلامى سنة ١٩٥٦ بواسطة جمعية الطلاب المسلمين فى اليابان يقدم المركز الإسلامى خدمات كبيرة للجالية الإسلامية فى اليابان وكذلك يقدم الكثير من الأنشطة الدعوية المباشرة وغير المباشرة لليابانيين ومن أنشطة المركز الإسلامى لقاء الجالية الإسلامية الشهري، حيث يتخلله محاضرة عن موضوعات تهم الجالية الإسلامية فى اليابان وبعقب المحاضرة عشاء يتناوله الجميع فى جو أسرى دروس اللغة اليابانية للعرب لتأهيلهم لاجتياز اختبارات إجازة اللغة اليابانية، وحلقات تعليم القرآن الكريم هناك حلقات للرجال وحلقتان للنساء وحلقة للبنات من سن ١٢ سنة دروس اللغة العربية لليابانيين حيث يتعرف اليابانيين على الثقافة الإسلامية والدين الإسلامى أثناء دراستهم اللغة العربية دروس الأطفال الصغار لتعليمهم مبادئ الإسلام واللغة العربية وممارسة أنشطة أخرى مناسبة لأعمارهم.
اما عن أنشطة المركز خلال رمضان فتتركز فى حفلات الإفطار الاسبوعية والتى تتم بالتعاون مع جمعية زوجات السفراء العرب فى اليابان. حيث يقيم المركز الإسلامى فى اليابان حفل إفطار كل يوم سبت فى رمضان يدعى إليه أبناء الجالية الإسلامية وكذلك بعض اليابانيين الغير مسلمين ليتعرفوا إلى الإسلام ويختلطوا بالمسلمين ويتعرفوا عاداتهم وثقافتهم فى رمضان.
وعن احساسه الشخصى فى بالفرق بين مظاهر رمضان فى مصر واليابان يقول: رمضان فى مصر مختلف تماماً عن رمضان فى اليابان، فى مصر كل من حولك يذكرك برمضان وبالصيام، صلاة التراويح والأعداد الكبيرة فى المساجد وخارج المساجد فى مصر الإفطارات الجماعية مع الأصدقاء والأهل الأنشطة الرمضانية التى تجمع أبناء الحى الواحد كالأنشطة الرياضية فى اليابان يحاول المركز الإسلامى وكذلك المراكز الإسلامية الأخرى أن توفر نفس الجو الرمضانى للمسلمين فى اليابان وذلك بإقامة حفلات الإفطار اليومية والاسبوعية، المسابقات الرمضانية، والأنشطة المختلفة.
فى النمسا التي يصل عدد المسلمين فيها إلى سبعمائة الف مسلم، تتجلى المظاهر الرمضانية فى بيوت الله من تكاتف المسلمين فيما بينهم، فيجتمعون لصلاة المغرب وتناول الإفطار من خلال الولائم الرمضانية فى قاعات المساجد والاستماع إلى المحاضرات الدينية، ثم تليها صلاة التراويح.
ويقول الدكتور عبد الرحمن احمد مقيم بالنمسا إن المغتربين من المصريين والجنسيات الأخرى يحرصون على الاحتفاء بهذا الشهر الكريم، وإضفاء الشعور بالأجواء الرمضانية من خلال تجمعاتهم تلك بالمراكز الإسلامية وهو ما ينعكس على شعور النمساويين أنفسهم بالشهر الكريم.
رمضان في اليابان