Close ad

حسين خيري يكتب: في ضعفه قوة ومناعة

26-4-2022 | 14:03

بصر الإنسان محدود، ولا يرى إلا في نطاق الضوء الأبيض ومكوناته من ألوان الطيف، ويعجز عن الرؤية إذا تغيرت تركيبتها، فلا يرى تحت الأشعة الحمراء أو فوق البنفسجية وغيرها، بينما عيون الطيور والحيوانات ترى الأشياء في ظل تلك الأشعاعات.
 
وكذلك حال الأذن البشرية لا تستطيع سماع كل الأصوات وخاصة ذات الترددات المختلفة، أما الكلاب فتميز السماع في ظل التردد المنخفض، والخفاش يستقبل الموجات الصوتية ذات التردد العالي.
 
وبرغم هذا الضعف عالج الإنسان عجزه، وتوصل بالعلم إلي سماعها ورؤيتها، وفك شفراتها، واستخدمها في تسخير الطبيعة له، واكتسب هذه القوة من قدراته العقلية، وهو ما يلقي بمزيد من الرؤى حول تفسير الآية الكريمة: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ"، بمعنى أن القوة هنا لا تقتصر على بنيان الإنسان.
 
ومع مرور العصور تتشعب محاور تفسير قوله تعالى: "..وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا"، ولكن دائمًا ما نتساءل لماذا خلقنا الله ضعفاء ولم يخلقنا أقوياء؟ ونتعجب كذلك من أن القوة هي سبيل الاستقرار على الأرض، والإجابة ببساطة أن الخالق وضع سر قوة الإنسان في عقله.
 
ومازالت أسرار قدراته العقلية تتكشف، ونظريات تقول إن الدماغ ليست هي العقل، وأن القلب المسئول الأول عن التعقل، ولذا يخاطب الله في كتابه الكريم القلب، ويقول المولى عز وجل: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا"، وفي قول ثاني: "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"، وبعد أجراء عمليات زرع قلوب لمرضي، اكتشف العلماء تغيرًا في تفكيرهم وسلوكهم، وأصبحت أفعالهم تتشابه مع أصحاب القلوب الأصلية من المتبرعين بها قبل وفاتهم.
 
أما الحكمة الجلية من مسألة ضعف الإنسان، أن يكون ضعفه الدافع الرئيسي إلى باب الله، حتى يلوذ بحماه، ويقبل عليه، ويفتقر إليه، والضعف وسيلة وليس هدفا، والتكليف يأتي على قدر طاقة الإنسان الضعيفة، ويقول تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا".
 
ويتضح في أمور التكليف الإلهي أن المسلمين الأوائل كالصحابة كانوا يمتكلون قوة من الإيمان تمكن الواحد منهم بقتال عشرة من المشركين، واليوم علم الله في المؤمنين ضعفا كما في قوله تعالى: "الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا".
 
والضعف دعوة للتخلي عن الأولياء من دون الله من أصحاب المال والجاه، فلا يعقل أن يستنجد مخلوق بمخلوق، ومن جهة أخرى يمجد الملحد ذاته، ويرى بمنطقه الضال أن تفاعله مع أسباب الطبيعة هي القوة الكامنة للحياة.
 
وبعض الفلاسفة والمفكرين عظموا الذات مثل الفلسفة الوجودية، التي ضخمت الأنا، وغفلت أن تلك الدعوات تكسب الإنسان الغرور وعبادة الذات، وجعلته ينحرف، وسرعان ما يهوي، بسبب نسيانه لعجزه، ولكن بعدما أفسد الحياة من حوله.
 
وليعلم الإنسان أن في ضعفه تحررا له من عبودية نفسه، التي لا تشبع من ملذات الدنيا إذا أطلق لها العنان، ويصبح أسيرا لها، وفي المقابل لو انطلق في رحاب الله والتزم بتكاليفه، صار في تكامل وانسجام مع الوجود.
 
ويستطيع بفكر راق السمو في آفاق العلم والإبداع، ويتخطى بذلك حاجز المكان والزمان عن طريق ما سخره الله له، وهذا الإنسان المتحرر من عبودية الذات والدنيا يكتسب مناعة من الغرور، ويعلم أنه لن يبلغ الجبال طولا.
 
Email: [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة