Close ad

مصادفة الحرب وفرصة العرب

26-4-2022 | 14:43
الأهرام العربي نقلاً عن

مصادفة وقعت الحرب بين الأخوة السلاف فى روسيا وأوكرانيا، هذا إذا ما استبعدنا التخطيط والتجهيز، ومن المصادفة دائما ما تولد الضرورة، ضرورة أن تتغير الأفكار فيما يسمى المجتمع الدولي، من أفكار تقوم على تنميط البشر إلى أفكار طبيعية تقوم على أن البشر أمم وشعوب وجماعات، مختلفة اللسان والثقافة والألوان، وضرورة احترام هذا التنوع الخلاق.

الضرورة حتمية الآن، وسواء أكانت تكاليف هذه الحرب باهظة الأثمان على الاقتصاد الدولي، واتفاقياته الثنائية والجماعية أم لا، فإن أزمة أخرى كانت ستقع فى مكان ما، مادام المجتمع الدولى يرتكز على القوة والسيطرة من جانب قوة مهيمنة منذ عقود طويلة، ولا تسمح لغيرها بالتنفس.

بيدى لا بيد عمرو هكذا يقول المثل العربي، وبيدنا كعرب نستطيع أن نخرج إلى مسرح المستقبل الحتمى هذا، خروجا قويا، مساهما فى منتخب العالم الجديد، والذى سيحدث ضروريا وحتميا، ولدينا الماضى والتاريخ، والموارد والثقافة، والحضور الذى يمكن أن يجعلنا قادرين على الجلوس حول مائدة الكبار القادمين، وهم متعددون، شرقا غربا.

كانوا يتهموننا بأننا نعيش فى الماضي، وأننا لم نشارك فى صناعة الحداثة، وأن نقوم فقط بتحديث التخلف، ولم يسألوا أنفسهم مرة عن ماهية الحروب التى تندلع على أراضيهم، أليست حروبا ماضوية، موروثة من عقائد مستقرة لدى هذه الشعوب، ولنشاهد من مقاعد المشاهدين حرب الإخوة على المسرح الأوراسي، الممتد من قلب باريس إلى قلب كييف.

لنجد أن الماضى يقاتل بشراسة على الأراضى الأوكرانية، ماضى الحرب العالمية الثانية القريب، وماضى القيصرية الروسية البعيد، يختلط الدين بالجغرافيا والتاريخ، لكن الحرب ستنتهى ككل ظاهرة، حتى لو دفع فيها البشر الأبرياء أثمانا باهظة من أموالهم وأمنهم وأنفسهم.

كل طرف فى الصراع يدعى ذرائع موثقة، وتلعب مافيات دولية فى مسألة استمرار القتال، ومصانع الأسلحة لا تتوقف عن الدوران، وهناك تخطيط لاستمرار الحرب كبئر استنزاف لسنوات عشر، وهناك من يدعى أن الأسلحة النووية الخطيرة قد تستخدم مرة أخرى بعد استخدامها من قبل فى هيروشيما وناجازاكي.

أيا تكن المخططات الخيالية أو الواقعية، فإن شركاء النصر فى الحرب العالمية الثانية بينهم حسابات قديمة، تركوها لمرور الزمن لعل وعسى، لكن الزمن لم يفلح فى تصفيتها، حسابات عقائدية، وعرقية، وجغرافية وتاريخية، حتى إن روسيا نشرت تخطيطات لخريطة أوكرانيا الحالية، ومراحل تطورها منذ عام 1917 إلى الآن، وكيف توسعت من أراض أخرى، كانت تنتمى إلى دول مجاورة، وقد ضمت إليها فى سياقات إدارية تاريخية معينة، وبقيت هكذا إلى أن تفجرت مسألة الثقافة واللغة والعرق فى شرق وجنوب أوكرانيا، ودخول الغرب على الخط من خلال التوسع لحلف الناتو شرقا.

روسيا تخشى من الذوبان، الثقافى والعرقي، وبدت مظاهر الذوبان فى ازدراء اللغة والثقافة والفن الروسى لدى قطاع عريض فى الغرب، وتجلى أكثر فى العقاب الاقتصادى الصارم، وصولا إلى فكرة جعل أوكرانيا مكانا لحرب استنزاف طويلة، أما أوكرانيا فتخشى من استمرار هذا الوضع، فتتمزق بين الدول المجاورة، وعبر عن ذلك الرئيس الأوكرانى فى فيلمه الذى يدور عن تخيل هذه الحالة، حالة تمزيق أوكرانيا كشعب وأمة.

 والشاهد أن الماضى يطارد الحاضر بشراسة مميتة، ولكن المطاردة ستتوقف عند محطة معينة، وتتجلى ضرورة التخلى عن أنماط سياسية واجتماعية سادت طوال ثلاثة أرباع القرن، أى منذ الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الأوكرانية الروسية، كآخر كناسة للدكان على الأراضى الأوروبية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة