راديو الاهرام

د. آيات الحداد تكتب: كن من الغرباء ومن عباد الله القليل

24-4-2022 | 15:22
الأهرام المسائي نقلاً عن

في مرحلة ما في حياة كل منّا نصل فيها للصدمة والخوف من كل شيء ومن أي شيء، أي مرحلة عدم فهمك لبعض أمور الحياة  والاشخاص، عدم استطاعتك التمييز ما بين الحق والباطل، ترى من يتحلى بصفات سيئة كالكذب والغش والخيانة هو من يربح ويصل لمراده! ومن يتحلى بالصدق تتعرقل أمور حياته بسبب صدقه! وتسأل نفسك دومًا هل أكون مثل هؤلاء أم هؤلاء؟

في تلك المرحلة ستتعلم أن لا تلجأ إلا لله ولا تعتمد غير على الله ولا تستعين إلا بالله ولا تتوكل إلا على الله، ستشعر في تلك المرحلة بالقوة، ولا أقصد قوة جسد أو قوة عضلات بل قوة من الله، بأنك لا تخشى غير الله، ولا تخاف من أي شيء أو أي شخص في الدنيا غير الله، ستشعر بأنك تغيرت كليًا للأفضل، وأنك قادر ومستعد لمواجهة الحياة والمستقبل بأحداثه وناسه، ستُسعدك الأشياء البسيطة المعنوية أكثر من المادية، ستبتعد عن كل من يجلب لك الحزن والضيق حتى ولو كانوا أقرب الناس لك.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء، قيل: ومن هم؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس"، فهؤلاء الغرباء يزيدون إذا نَقَصَ الناس؟ أي إذا قلَّ أهلُ الخير زادَ خيرهم، وإذا قلَّ أهل المعروف زادَ معروفهم، وإذا قلَّ أهلُ الورع زادَ ورعهم، وإذا قلَّ أهلُ الالتزام زادَ التزامهم.

لقد أثنى الله عز وجل على عباده القليل، ومدحهم في مواضع من كتابه بقوله: "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"،" وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ‌"،" وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا"، وآيات أخرى يذمّ فيها الكثير ويمدح القليل: "وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون، لا يشكرون، لا يؤمنون، فاسقون، يجهلون، معرضون، لا يعقلون، لا يسمعون".

كما قال ابن القيم  رحمه الله: "ليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين"، فهناك شعور ينتاب الإنسان المؤمن، بأن يشعُر أنه في زمن عمّ فيه الظلم، وانتشرت فيه الفواحش، وانتشرت فيه الفتاوي، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، يشعُر فيه المؤمن بالحيرة لكثرة الظالمين وكثرة الفاسدين وتوسوس له نفسه بأنه من المُحال أن كلُّ هؤلاء الناس على خِلاف الحق!؟ جاءت الآية الكريمة تؤكدُ أنك على حق: "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ "، هذه الآية تدل على أنَّ الناجينَ قِلة، وعلى أنَّ المستقيمين قِلة، معنى ذلك أنَّ الفسادَ ظهرَ وعمّ، وأنَّ هذه القِلةَ القليلة تنهى عن الفساد في الأرض، فاليوم لو أُتيحَ لإنسان أن يحصل على مال بغير حق ورفضه لأُتهم في عقله، لو لم تتبع الباطل لأتهمت بالجنون، فأشعر بالسعادة أن كنت من القليل، فحينما يَعمُّ الفسادُ في الأرض، أكثر الناس لا يبالون أكانَ كسبهم حلالاً أم حراماً؟ أكثرُ الناس لا يبالون أكانت علاقاتهم مع بعضهم مشروعةً أو غيرَ مشروعة؟ أكثرُ الناس لا يبالون إذا كانت أعمالهم أساسها طاعة أو معصية؟ !فمن يتمسك بدينه وبمبادئه يشعر بالغربة حتى وهو بين أقرب الناس إليه أهله! وضرب لنا الله مثلًا امرأة لوط وابن نوح وامرأة فرعون.

فالعبرة ليست في كثرة العدد، فليس بشرط حينما يجتمع الكثير على أمر ما أنهم على حق، بل غالبًا هم أقرب للباطل! فإذا وجدتَ نفسكَ في عصرٍ ما مع القِلة الطائعة بعيداً عن الكثرة العاصية، مع القِلة المتبّعة للحق بعيداً عن الكثرة التائهة والضالة المُتبعة للباطل، فأنت من عباد الله القليل الذين أثنى عليهم الله سبحانه وتعالى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: