المتأمل لروح الإسلام وجوهره، يشفق كثيرًا على من يستخدم نعمة العقل والتفكير ويحصرها في مزاعم وادعاءات جهولة أو مغرضة، مفادها، أنه دين يعامل المرأة بأسلوب رجعي، وأن الإسلام يعادي الفن، ويتبع الذبح المتوحش للحيوان، وتعدد زوجات النبي، وانتشار الإسلام بالسيف، وتعدد الزوجات، وغيرها من المغرضات والنفعيات..
ومن منطلق حالة التأمل، التي يفرضها شهر رمضان المبارك، هناك مفكرون ومثقفون وفلاسفة وأدباء وفنانون في الغرب، يدعون إلى التأمل والتفكر في الإسلام بعمق للوصول إلى مراميه وجوهر مقاصده السامية، هؤلاء كثر تتزايد أعدادهم، مثل الفيلسوف جوته، وشيلر، ونيتشه، وجونتر جراس، ورينيه جينو، وكات ستيفنز، يوليوس جرمانوس، ومراد هوفمان، وجان بول سارتر، والمفكرة اليهودية الأمريكية ليزلي هيزلتين، وغيرهم الكثير..
وكانت نظرة الشاعر والفيلسوف الألماني فولفجانج جوته "1749-1832"، إلى الثقافة العربية والإسلامية منفتحة يغلفها الفهم والتسامح، وأصدر "الديوان الشرقي الغربي" من بين أهم أعماله التي تأثرت بالشرق وتحمل الكثير من السمات العربية والاسلامية.
أما المفكرة اليهودية الأمريكية ليزلي هيزلتين فقامت بدراسة السيرة النبوية لسيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"، على مدى 5 سنوات، بمدينة سياتل، وتأملت ليلة الإسراء والمعراج التي قابل فيها الرسول الله سبحانه، وتقول: "باعتباري عقلانية التفكير فإن ما حدث تسبب لي فيما يشبه "الصاعقة"، كما تقول في محاضرة لها في مدينة أدنبره باسكتلندا عام 2013، وتوضح: "لقد كان متوقعًا أن الرسول، بعد عودته من السماء إلى الأرض، أن تشكل عودته في ذاتها حدثًا تجهز له المراسم وطقوس، وتعد الاحتفالات والموسيقى والمهرجانات، باعتباره أن الله كلمه، وأنه رسول عائد من السماء، إلا أن ذلك لم يحدث، فما حدث كان على العكس تمامًا، فقد عاد الرسول ليزاول حياته العادية والطبيعية بلا صخب أو ضجيج، فهو كما هو في الأرض أو في السماء، ويكفي أن مبدأ "من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعًا، يوصل الإجابة على كل ما نراه من إرهاب وعنف، وقد التزم بالسلام بعد ذلك، وهذه رسالة لكل من يدعي الإرهاب باسم الإسلام".
أما مراد هوفمان "1931 – 2020" وهو قانوني ودبلوماسي ألماني شغل منصب سفير ألمانيا بالجزائر أواخر القرن الماضي، واشتهر بكتابه "الطريق إلى مكة" والآخر "الإسلام كبديل" وهو يشكل مع نخبة من مفكري ومثقفي الغرب صوتًا ثقافيًا متميزًا يدعو الغرب إلى إعادة قراءة الإسلام والتخلي عن مركزيته ونزعته الأيديولوجية المتعالية، كما قدمه الكاتب إبراهيم مشارة، على موقع "قنطرة" الألماني، حيث يتعامل مع الغرب مع الآخر المختلف، بمبدأ الطمس والحجب والإلغاء، وهو مسلك في الفكر الغربي برر سياسة الاستعمار والاستغلال، كما أضاع على البشرية منافذ روحية وثقافية رحبة.
يقول، هوفمان، في كتابه "الإسلام كبديل"، إن أنانية الإنسان الأبيض وجشعه، سولت له نفسه أنه حقًا إله هذا الكون، وجاءت التقنية والثورة الصناعية ليدشن الغرب فتوحه الاستعمارية، تحت دعوى تحضير وتمدين الشعوب البربرية، لكنه ارتكب مجازر في حق الجنس البشري والحيواني والنباتي من إبادة لمجموعات بشرية وحيوانية ومساحات خضراء وتلويث البيئة وإشعال الفتن والحروب في مناطق مختلفة من العالم والجشع في صناعة السلاح وتسويقه وتجارة المخدرات والدعارة وتشكيل عصابات سياسية موالية للاستعمار في بلدان العالم الثالث ونهب ثرواته بمعية مافيات اقتصادية وإعلامية.
وتملكت هذا الإنسان صفات غرور القوة والنظر إلى العالم باستخفاف، فالغرب أصبح في غنى عن العالم، أصبح قادرًا على التحكم في العالم، وأن لديه القدرة على الإنتاج والاستهلاك، إرضاءً لشهواته.
وتأثر هوفمان من موقف سائق جزائري، حيث قدر له العلم بالجزائر، حين التحق ببعثة بلاده الدبلوماسية خلال الاحتلال الفرنسي، فقد سجل إعجابه من صلابتهم وصبرهم وإيمانهم بالله، وفي كتابه "الطريق إلى مكة" يعرض لسلوك سائق سيارة تاكسي كان ينقل زوجته الأمريكية الحامل إلى المستشفى وقد كانت نازفة، وعرض السائق منحها دمه، وكان يحمل نفس فصيلة الدم، وعلق على ذلك أن تربيته ودينه يفرضان عليه مساعدة الغير ولو كان من غير دينه، هكذا بدون خلفية حاقدة على الآخر "الغربي" تصرف هذا السائق عارضا الخدمة الإنسانية في حين يصف الخطاب الاستعماري هذا السائق بأنه من السكان الأصليين، بربري، وهمجي، متوحش، وشكلت هذه الحادثة بداية التحول في فكر ومسار الرجل.
أما الفيلسوف الفرنسي جارودي مؤلف كتاب "أمريكا طليعة الانحطاط"، و"الإسلام يسكن مستقبلنا"، فقد كان في مرحلة تفكير ونقد واكتشاف التراث الغربي، ويشاء القدر أن يسجن في الصحراء الجزائرية، بسبب اشتراكه في المقاومة ضد النازية، ولما خطط، ورفاقه، للهرب من سجنه في الصحراء، رفض الحارس المكلف بحراستهم -وكان جزائريًا- إطلاق النار عليهم، وقد باح لجارودي أنه مسلم والروح مقدسة لا يجوز إهدارها، فكان ذلك الرفض من الجندي لإطلاق النار عليهم حياة ثانية لهم، دفعته إلى التعرف على الجزائر والاقتراب من الثقافة العربية والإسلامية، ثم اعتناقه الإسلام، وكتب أن تلك اللحظة التي رفض فيها الجندي إطلاق النار عليه لحظة ميلاد جديدة.
يكفي أن هذا الدين رحم المرأة، فأسقط عنها النفقة فلا تُنفق على ولدها ولا والديها ولا زوجها؛ بل لا تنفق على نفسها هي، ويلزم زوجها بالنفقة عليها.. لا تتحدثوا باسم الإسلام، فالإسلام يتحدث عن نفسه.
[email protected]