المخرج العبقري (فهمي عبدالحميد) خريج الفنون الجميلة الذي تتلمذ على يد فنانَي الرسوم المتحركة الشهيرَين: (حسام وعلي مهيب)، كان رائدًا في ابتكار فكرة "فوازير رمضان" التى شغف بها الناس عندما قدم مع الفنانة "نيللى" فوازير (صورة وفزورة) تـَلتها ستة مواسم من الفوازير كان أشهرها (عروستي) و(الخاطبة).. وكان المؤلف هو العبقرى (صلاح جاهين)..
ثم تغير شكل الفوازير مع (سمير غانم) وفوازير "فطوطة" التي قام بتأليفها (عبدالرحمن شوقي)، ثم جاء الثنائي الرائع: (طاهر أبوفاشا) و(عبدالسلام أمين) فكتبا معًا فوازير "ألف ليلة وليلة" التي قدمتها (شيريهان).. وكان ممن كتب الفوازير أيضًا الكاتب الساخر (يوسف عوف)، وآخرون.
كانت الفوازير تجربة رائدة رائعة تكاملت فيها أركان العمل الفني الفريد من استعراض إلى تأليف إلى إخراج إلى تمثيل، والتلحين قام به حينها عدد من كبار الملحنين منهم : (حلمي بكر، سيد مكاوي، منير الوسيمي، فاروق الشرنوبي، منير مراد، محمد الموجي، عمار الشريعي، عمر خورشيد، هاني شنودة) وغيرهم.
بعد وفاة (فهمي عبدالحميد) في الخمسين من عمره، لم يستطع أحد تقديم الفوازير بنفس الكفاءة والروح، فلم تلبث أن توقفت، واقتصرت فوازير رمضان على فوازير الإذاعة الأقل تكلفة.
فوازير جاهين تم طبعها ضمن مجموعة الأعمال الكاملة لصلاح جاهين، وبقي أن يحتفظ التراث الأدبي بباقي الفوازير التي كتبها شعراء آخرون.
(جمال بخيت) مثلًا كان ممن قدم فوازير إذاعية، وقام بطبعها في مجموعة أعماله الكاملة، وكانت الفوازير عن مشاهير المطربين، كلماتها رشيقة وطريفة.. منها مثلًا: (بطلة على كل شاشة.. وف طلِّتها البشاشة.. فقيرة وبنت باشا.. شابة وشبابها دايم.. وأرق من النسايم.. والكل بيها هايم.. عبد الحليم طلبها.. وفريد الأطرش خطبها.. ومحمد فوزي سابها.. ولكنه رجع لها).. ومنها : (صوت الندى والخير.. والحب والعناقيد.. معجون بطين نجعنا.. نخل وبلح وجريد.. مواله أهل البلد.. حافظينه زي العيد.. وحبيبته تحت الشجر.. توهب له عمر جديد)... ومنها: (لو تسمع غناها.. ح ترجّع شبابك.. وتداوي جراحك.. م السهم اللي صابك.. أما إن كنت ناسي.. رح افكر جنابك.. بأخوها اللي غنى / في رصيف نمرة خمسة.. حبيتها وهويتها.. وفريد شوقي لسه.. كان حاكي حكايتها). والفوازير الثلاثة السابقة كانت عن (صباح، محمد رشدى، هدى سلطان) بالترتيب.. وما زال للفوازير سحرها الخاص.
الثنائي ( مصطفى حسين) و(أحمد رجب) قدما نوعًا آخر من "الفوازير" و"ألف ليلة وليلة" من النوع المقروء المدعم برسوم الكاريكاتير.. منها مثلًا ما قدمه (مصطفى حسين) في أحد أعداد "كاريكاتير" الرمضانية، حيث رسم "نيللي" ترتدي عددًا من الأثواب العجيبة الطريفة على طريقة الفوازير، وهي تسرد فوازير مسجوعة تحت عنوان: (دول صفحتين كلهم فوازير، بس الشطارة تعرف عن أي وزير).
ومن هذه الفوازير الساخرة: (خَضّر الصحرا وزرعها كُرّات.. ونبِّت الجرجير تحت الصوبات.. وبرضه خيار، يجمع بين السلطات.. صحيح ده كُله، ولّا تصريحات؟).. فزورة أخرى: (وسّعوا له ده جاي م الدردنيل.. مصمم وفي دماغه حاطط ورد النيل.. حالف يطهّره من نهر النيل.. شال الورد وساب في المية عزرائيل).
صناعة الضحك صناعة ضخمة وصعبة..
وهي جزء من صناعة أكبر وأضخم هي "صناعة الترفيه – Entertainment"، ورغم أنها سلعة شعبية رائجة، فإن النقاد يصرون على إنزالها إلى مراتب دنيا من مراتب الأدب والفن، بل إنهم يزدرون الكوميديا لدى سائر الفنون كالمسرح والسينما والفن التشكيلي والنحت.
فالفنون الراقية عندهم هي الفنون المتجهمة المغرقة في الجدية والصلافة والتقعر، والأدب الوحيد الذي يستحق الاحترام هو الأدب الجاد الجهوم.
وإذا كان الأدباء الساخرون نادرون، فإن نقاد السخرية معدومون، كأنها سُبة في جبين الناقد أن يتخصص في نقد الكوميديا.
إن صناعة الضحك لا تعبأ بالنقد ولا بالنقاد، مثلها مثل شعر العامية الذي ليس له نقاد، وكلاهما – الفكاهة وشعر العامية – ينموان ويزدهران ويتكاثران بل وينقسمان إلى عشرات التصانيف والأشكال والتنويعات كل يوم، أسرع حتى من قدرة نقاد اليوم على اللحاق بهما.
[email protected]