"طراز العظمة الذي يتطلبه الشرق في الوقت الحاضر"؛ كان هذا رأي عباس محمود العقاد في محمد إقبال.. وقال الأخير عن نفسه: جسدي زهرة في حبة كشمير وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز..
وصدق العقاد وإقبال في كلماتهما؛ وما زال الشرق يحتاج لطراز إقبال الذي جسد بكلماته مسيرة حياته ومشروعه الثقافي ومشواره الشعري وسعيه "بجدية" ومثابرة لتحويل أفكاره لواقع يرضيه مع حرصه على تطوير مهاراته دومًا وحلمه بتوحيد العالم الإسلامي..
ولد إقبال في الهند في 9 نوفمبر 1877 وغادر جسده الحياة في 21 أبريل 1938 بعد أن عاش حياة حافلة وثرية وممتلئة بالإنجازات؛ فلم يكن شاعرًا فقط؛ كما يعرفه الكثيرون، وكان فيلسوفًا له فلسفته الخاصة، والتي تركز على أهمية اليقظة واحترام الذات ورفض التواكل والسعي بجدية للنهوض بالذات وبالأمة..
كان سياسيًا بارعًا نادي بتكوين وطن مستقل للمسلمين بالهند؛ وتحقق بعد وفاته بسنوات بتكوين دولة باكستان، وعمل بالمحاماة وبالتدريس الجامعي وكان له نجاحًا كبيرًا بالأبحاث الاقتصادية..
أتقن اللغات الأردية والفارسية والعربية والإنجليزية والألمانية ودرس بالجامعة في الهند، ثم حصل على الماجستير من كمبريدج وعلى الدكتوراه من ميونيخ..
كتب الشعر وهو صغير وكان جريئًا وذكيًا ومتميزًا؛ فراسل أكبر الشعراء بعصره ولم يكتف بالغناء للحب وللمحبين؛ كبعض الشعراء واستخدم الشعر لبث الطموح وتحقيق الأماني ونبذ الضعف وكراهية التكاسل؛ فأنشد:
دع الشطآن؛ لا تركن إليها
ضعيف عندها جرس الحياة
عليك البحر؛ صارع فيه موجًا
حياة الخلد في نصب تواتي
ومن قصائده حديث الروح التي غنتها أم كلثوم ومنها:
قيثارتي مٌلئت بأنات الجوى
لابد للمكبوت من فيضان
صعدت إلى شفتي بلابل مهجتي
ليبين عنها منطقي ولساني
لم ينغلق على بلده وانفتح على العالم وقام "بتوسيع" أحلامه والمساحات التي "يتحرك" فيها لإيصال أفكاره وكلماته لأكبر ما يمكنه؛ فزار أوروبا باحثًا ومتحدثًا عن الحضارة الإسلامية ودعاه موسوليني -حاكم إيطاليا آنذاك- لإلقاء محاضرة عن الحضارة الإسلامية التي عاش إقبال عاشقًا لها داعيًا لنفض الغبار عنها وإعادة شموخها إليها لتتبوأ مكانتها اللائقة بها بالعالم أجمع، ولنشر الإيمان الحقيقي؛ وكيف لا يفعل؟ وهو ابن لرجل اهتم بالحكمة وبالعلم؛ وإن عمل بالتجارة، ومهد لابنه الطريق لينهل من العلوم بالشرق وبالغرب ولتتنوع مدارسه بالحياة..
تعلم الدرس مبكرًا، حيث عانى وهو صغير نفسيًا بعد اكتشاف أن مدرسه "يكذب" ولم يستوعب ذلك؛ وقرر ترك التعليم حتى عرف مدرس آخر ذلك، وأخبره أن عليه تعلم مواجهة هذه الأمور وألا يفزع أو يهرب منها؛ فسيواجهها لاحقًا كثيرًا؛ فهي جزء من الحياة، وحدث ذلك لإقبال حيث تعرض لبعض الظلم بحياته، ولكنه لم ينكسر، وظل قويًا ويعمل رغم مرضه، وكان تجسيدًا لأفكاره وأشعاره وفلسفته، وقال: أنا لا أخشى الموت؛ أنا مسلم، ومن شأن المسلم أن يستقبل الموت مبتسمًا.
نصحه أبوه بقراءة القرآن وكأنه نُزل عليه؛ وكانت أهم نصيحة؛ فتعني أن يقرأه بخشوع وبتدبر وبلا تعجل، ويذكر نفسه أنه كلام الخالق عز وجل؛ ليستفيد من ثواب القراءة وليتأدب بأداب القرآن الكريم وليتعلم منه ما يفيده ويسعده بالدنيا وبالآخرة..
استفاد محمد إقبال من النصيحة وأشار للقرآن بكثير من أشعاره وكتب: إن كان قلبي مرآة غير مصقولة، وإن كان مقالي يتضمن غير القرآن؛ فلك أن تؤاخذني سيدي يا رسول الله يوم القيامة واحرمني من سعادة تقبيل قدميك المباركتين..
وقال إن قلب المسلم عامر بحب المصطفى "صلى الله عليه وسلم" وهو أصل شرفنا ومصدر فخرنا في هذا العالم إن هذا السيد الذي داست أمته تاج كسرين كان يرقد على الحصير.
ومن شعره في حب الرسول:
وامش وراء محمد وكفى به
نورًا يضيء لكل ميمم
صلى الله عليه نورًا هاديًا
متعبدًا في غار لم يسأم
تنوعت إبداعاته بين الدواوين الشعرية والكتب الاقتصادية والأبحاث الفكرية، وامتزج بالواقع ولم ينعزل ببرج عاجي ونادى بوحدة العالم الإسلامي ونبذ الفرقة التي مزقته وصنعها الاستعمار فقال:
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت
كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور وإن قصصت جناحها
تسمو بفطرتها إلى الطيران
فهم إقبال النفس البشرية جيدًا وضع بيده "بمهارة" على أسباب النجاح وكيف يستطيع "كل" إنسان مواجهة الصعاب بقوة نفسية وبعزيمة وطرد "أسباب" الفشل والهزائم أولًا بأول..
فلنتأمل بعض أقواله:
· أعلى فن هو الذي يوقظ الإرادة النائمة فينا ويستحثنا على مواجهة الحياة برجولة.
· ليس منتهى غاية النفس أن ترى شيئًا؛ بل أن تصير شيئًا.
· الغاية القصوى للنشاط الإنساني هي حياة مجيدة فتية "أي شابة" مبتهجة، وكل فن يجب أن يخضع لهذه الغاية.
· أخرج النغمة التي في فطرتك يا غافلا عن نفسك، أخلها من نغمات غيرك.
· إذا صانت الذات المتينة نفسها.. أعيت على الأيام كل ممات.
· يا الله اعطني القوة لأقول لا والعقل لأعرف كيف أقلها والحكمة لأعرف متى أقولها.
· ياربي إذا أعطيتني نجاحًا لا تأخذ تواضعي، وإذا أعطيتني تواضعًا لا تأخذ اعتزازي بكرامتي.