راديو الاهرام

«فى حب الرسول 6».. البشرية والوحى

21-4-2022 | 10:52
;فى حب الرسول ; البشرية والوحىغار حراء
إبراهيم الأزهرى

قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( الكهف - ١١٠).


هذه الآية الكريمة تركز على ملمح غاية في الأهمية وهو بشرية الرسول، فلم يكن من الجن أو الملائكة لاستحالة اتصال البشر بهم، ولقد كان لأعداء الرسل والرافضين لدعوتهم اعتراض يقيمون عليه حجتهم في عدم اتباعهم لهم، وهو أن الله تعالى: لماذا أرسل الأنبياء والرسل من البشر؟ وهو ما أتى فيه قول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 94 ( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولا ). وقد اعتبروا أن مسألة اتباع الدعوة والرسالة التي يحملها بشر مثلهم هو تقليل من شأنهم واستهزاء بهم، ففي سورة المؤمنون الآية 34 يقول الله تعالى ( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنّكُمْ إِذاً لّخَاسِرُونَ ) وفي سورة القمر الآية 24 يقـــــــــــول تعالى ( فَقَالُوَاْ أَبَشَراً مّنّا وَاحِداً نّتّبِعُهُ إِنّآ إِذاً لّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ ).

 

يقول الدكتور سامى عبد العظيم العوضى،  الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: كان لأعداء الرسل رأي واقتراح، يدعون أنه الأقرب للحق والصواب وهو أن الرسل الذين يبعثهم الله يكونون من الملائكة، يشاهدونهم بأعينهم أو أن يرسل الله مع الرسول من البشر رسولا من الملائكة، يقوي موقفه ويساعده على الدعوة، وكأن ذلك هو ما كان سيقنعهم باتباع رسالة الرسول، ففي سورة الفرقان الآية 21 يقول تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ) ونادوا أن كيف للرسول المشي في الأسواق وتناول الطعام مثلهم وهو ما جاء في سورة الفرقان الآية 7 في قوله تعالى ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا ) ويمكن الرد على أولئك الكافرين من وجوه عدة على النحو الآتي :


لم يترك القرآن الكريم صغيرة ولا كبيرة إلا وناقشها ومنه يمكن الرد على سؤال:  لماذا أرسل الله تعالى الرسل من البشر ولم يخلقهم من الملائكة، فقد اختار الله جل وعلا الرسل بشرا، لأن في ذلك أعظم اختبار وابتلاء وهو ما ورد في الحديث القدسي ( إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ).

ومن وجه آخر فقد اختارهم الله حتى يكونوا من عباده الصالحين المكرمين، ففي اختيار الرسول من البشر تفضيل وتكريم له، وهو ما ورد ذكره في سورة مريم الآية 58 ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ).         

                        
ويضيف الدكتور العوضى انه حينما يكون الرسول من البشر فإنه يكون ذا مقدرة أكثر على قيادة من مثله من البشر وتوجيههم إلى ما فيه الرشد والصواب، كما يكون هو الأصلح للتأسي والاقتداء به ممن حوله، فكان من الضروري إرسال الرسل والأنبياء من البشر لكي يتمكن الخلق من الفقه عنهم ومخاطبتهم، والفهم منهم في أمور دينهم ودنياهم، ولو أن الله بعث الرسل من الملائكة لما أمكنهم ذلك، والدليل على هذا الأمر ورد في القرآن الكريم في سورة الإسراء الآيات 94:95 (ومَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً).

ولكن إن كان الله قد أراد لسكان الأرض أن يكونوا من الملائكة وليس البشر لكان الله تعالى أرسل فيهم الرسل من جنسهم، لكي يسهل عليهم التعامل والتواصل معهم ويسهل عليهم فهمهم، ولم يكن يرسل بينهم بشرا غريب عنهم التعامل معه، والقوة والشكل والهيئة متفاوتة بينه وبينهم فينفرون عنه.

الشيخ محمد حسنين شلبى، المدرس والخطيب بوزارة الاوقاف، يرى أن من عظيم نعم الله على البشرية أن ارسل سيدنا محمد  ( صلى الله عليه وسلم ) بشرا رسولا نبيا، وهذا ما اختتمت به سورة من القرآن ( الكهف) بما فيها من نور وبيان واصطفاء من الملك الرحمن، فبالرغم من بشريته صلوات الله وسلامه عليه إلا أنه للعالمين رحمة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : ١٠٧ / بما فضل به  من الأنوار التى تسرى بين حنايا القلوب فتملؤها نورا وضياء وهدى ، بآبائنا وأمهاتنا من تهتز له القلوب شوقا وتهتز بذكره طربا، تحتار عنده الحروف وحق لها أن تحتار، فكيف لحروف قاصرة من سوء تقصيرها ! فأى قلب كقلبه وأى سمو كسموه تدبج أحلى الكلمات فيه وتحتار الأفكار حين تريد أن تعبر معانيهد ما أسعد من عرفه وعلم بمقداره وشرف بعظيم رسالته واتباع نهجه، من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه بما شرفه الله وحباه وأجزل عليه من فضله وعطاياه، فقد كان ويظل، صلى الله عليه وسلم، الوحيد  الذى نجح بشكل أسمى فى كلا المستويين (الدينى والدنيوى)، لذا فهذا الإتحاد الفريد يجعله، صلى الله عليه وسلم، أعظم شخصية أثرت فى تاريخ الإنسانية، فقد كان دائما حريصا على عموم الناس يفرح بأفراحهم ويحزن بأحزانهم ويواسى فقيرهم ويعزى فى مصائبهم ويقضى مصالحهم ( بالمؤمنين رءؤف رحيم ) التوبة :  ١٢٨،وقد كان حديثه رصينا بليغا مؤثرا، يأكل قليلا ويكثر من الصيام لا يميل أبدا إلى الترف، تحمل كثيرا من أجل دعوته إلى ربه .


يقول الدكتور تامر محمد فتوح، الباحث بدار الإفتاء المصرية: هنا ملحظ دقيق قلَّ من ينتبه له، فالنبوة فيها جانبان؛ الصورة البشرية وهي التي يحصُل بها الاقتداء، والحقيقة الروحية التي بها يتأهل بها النبي لملاقاة الملك.


الكثير يقف عند قوله تعالى: (قل إنما أنا بشرٌ مثلكم) ويضع نقطة، فيقصرون النبوة على مجرد البشرية الظاهرة، نعم هذا جانب، وهو صنو الجانب الآخر وهو قوله تعالى بعدها: (يُوحَى إلي) وهو ما يشير إلى الحقيقة الروحية التي يتمكن بها النبي من تلقي الوحي وثِقله.


من الخطأ الكبير أن نقصر النبوة على مجرد البشرية وفقط، وإلا فلا نعرف من النبوة إلا الاسم؛ دون الحقيقة والكُنه.

كلمات البحث
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة