أبواب رحمة الله لا حدود لها؛ سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم؛ ورغم ذلك هناك من يهرب منها ولا يلجأ إليها؛ دون استيعاب للسبب الذي يدعو لذلك.
شرع الله العبادات؛ كما شرع كيفية أدائها؛ وأجر تلك العبادات؛ إلا أن صوم رمضان كما أقر الله؛ هو لله؛ فكل العبادات تأخذ عليها أجرًا؛ كي تكون سبيلا لدخول الجنة؛ بما يعني أن كل عمل له مقابل؛ إن كان حسنًا؛ تأخذ حسنته؛ وإن كان سيئًا؛ تأخذ سيئته.
إلا الصوم؛ فهو لله؛ ولذلك أجر الصوم بيد الله ولا حدود له؛ أي ليس كبعض الحسنات؛ الحسنة بعشر أمثالها؛ بل قد يصل إلى أن يرزق الله الصائم لوجهه؛ بغير حساب.
لذلك فشهر رمضان هو أحد أهم السبل التي يتقرب بها الإنسان إلى الله؛ ففيه ليلة بألف شهر؛ وفيه رحمات وخيرات لا حصر لها ينزلها الله على عباده الصالحين.
والأمر بسيط؛ وهو مرتهن بقبول الصوم.
فكيف تصوم؟
بتنا نعي جميعًا؛ ماهية الصوم؛ وموجبات قبوله؛ فهل نصوم بالشكل الصحيح؟
هنا أتطرق لجانب هو الأهم في سياق المقال؛ وهو يتعلق بعدد من الناس؛ ظاهرًا هم صائمون؛ ولكن هل يقبل الله صيامهم؟
فمثلا الموظف المرتشي؛ الذي يأكل من حرام؛ والذي لا ينجز عملًا دون أن يأخذ رشوة؛ ثم يبررها بقوله "أن الأجر ضعيف لا يكفيه"؛ ثم تجده حريصًا بشكل تام على عدم دخول المياه لجوفه وهو يتوضأ!!
مع ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة؛ لفت نظري عدم وجود بعض الأدوية الخاصة ببعض الأمراض المزمنة كالضغط والسكر؛ وبعد بذل مزيدٍ من الجهد؛ توصلت لمن يبيعها ولكن بسعر مضاعف؛ رغم أن تاريخ إنتاج تلك الأدوية منذ عامين؛ أي أنها لم تخضع لظروف الإنتاج بالأسعار الجديدة!
وعندما حاولت لفت نظر البائع لذلك؛ كان رده مفاجئًا لي؛ حيث قال إنها تجارة "والتجارة شطارة"؛ وحين قلت له إن ما يفعله ليس من الشطارة؛ أن تتاجر بمرض الناس خاصة مرضى الضغط والسكر؛ وهي أمراض تحتاج لعلاج منتظم؛ ثم لفت انتباهه؛ أننا في شهر رمضان؛ هل يقبل الله منكم ذلك؟
كان رده أن كل العاملين معه صائمون؛ فقلت وهل يقبل صيامكم؟ قال نعم.
وأنا أقول إن كل من يتاجر بمرض الناس ليحقق مكاسب كبيرة؛ دون أن يراعي الله في عمله؛ فلن يقبل منه صيام.
فالصيام ليس الامتناع عن الطعام والشراب فقط؛ ولكنه الامتناع عن كل ما يُغضب الله؛ وليس في نهار رمضان ولكن طوال يومه؛ فليس من المنطقي أن تصوم عن كل ما حرم الله؛ ثم تنتظر أذان المغرب لتفعل ما يغضبه!!
والأمر يمكن إسقاطه على آخرين؛ يمكرون على الناس؛ يقترون في أرزاقهم؛ يقتاتون من حرام؛ يضللون الناس؛ كل هؤلاء وأشباههم يمكن أن يتنعموا قليلا؛ ولكن من المؤكد أنهم سيخسرون كثيرًا؛ لأنهم يهدرون فرصة عظيمة منحها الله لكل عباده.
شهر رمضان؛ هو الفرصة الذهبية لترك المعاصي والفرار إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء؛ فإن ضيعت تلك الفرصة؛ فلا تلومن إلا نفسك؛ وإن استثمرتها فهنيئًا لك.
مهما عاش الإنسان من سنوات؛ ومهما امتلك؛ سيموت؛ ويرحل مغطى برداء أبيض؛ هو الكفن؛ ثم يدفن في مساحة قد لا تتعدى الـ 2 متر مربع. ولن يأخذ إلا العمل؛ فلو صلح سيكون خلوده نعيمًا؛ ولو فسد والعياذ بالله؛ سيكون خلوده جحيمًا.
باقي أيام قليلة ويرحل شهر الرحمات؛ وهي فرصة لتترك ما يفسد الصيام؛ فيٌقبل؛ فهل يتعظ العاصون قبل فوات الأوان؟
،،، والله من وراء القصد
[email protected]