راديو الاهرام

د. خالد قنديل يكتب: جبرُ الخواطرِ.. كنزُ الدنيا والسماء

18-4-2022 | 06:49

"ربنا يجبر بخاطرك".. ما أجمل أن تسمع أصداء هذا الدعاء يتردد في جنبات مكان عبرت فيه، وكنت قد طيّبت خاطر عجوزٍ بأن مددت لها يد العون تعبرُ طريقاً أو قدمت لها طعامًا أو شرابا أو أي مساعدةٍ كانت، فاستشعرت هي أن نفسها هدأت وأن الحياة لا تزال بخير، فاطمأنت وطاب خاطرُها الذي ربما كان قلقًا أو خائفا أو غير واثقٍ في الحياة، وقد سخرك الله في هذه اللحظة سببًا في هدأته حتى توجهت من صفو خاطرها وضميرها بهذا الدعاء الصادق الغالي.

ولعلنا نستخلص حقيقةً مفادها أن مسلك جبر الخواطر بمثابة عبادة من عبادات المولى عز وجل، تؤول بنا إلى جميع أعمال الخير التي حثنا الله عليها، ليمنحنا بفضله ثوابًا عظيما، لقاء عمل عظيم القدر يسير الفعل، فما من كلمة طيبة تريح قلوب الناس وتسعدهم، وما من ابتسامة من القلب تُهيئ الصباح في وجه من يستقبلها، والدعاء للآخر، وزيارة الأقارب وعيادة المرضى، والاعتذار عن الخطأ والكثير من الأفعال تقع في رحاب جبر الخواطر.

وإذا تأملنا اسم الله الجبار تأملا مهتديًا قد نبلغ متعة الفهم واليقين بالله، وندرك هذا الإعجاز في اسم عظيم من أسماء الله وصفاته، فهو جبار على كل طاغٍ وظالم، يساند عباده الطيبين ويدفع عنهم الأذى فيرى كل متجبر قدرة الله الجبار في خلقه الطاغين، بينما نجد الاسم (جبار) على صيغة المبالغة فعّال مشتقة من جبر الكسر والدفع نحو التئامه، لأن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم بعباده، جابر كسورهم وخواطرهم، حتى أننا نسمع من جداتنا والطيبين من الناس قولهم "جبر الخواطر على الله"..

وقد بعث فينا نبيا هو نبي الرحمة، فكان عدلا ورحمة وإشفاقا وخير يمشي على الأرض، وكان صلى الله عليه وسلم الهادي الأول والمعلم الأول لجميع القيم الإنسانية الطيبة السامية ومنها جبر الخواطر، حتى أنه عليه الصلاة والسلام لبى طلب عبدالله ابن زعيم المنافقين عبدالله بن أبي سلول، عندما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على والده، فوافق النبي جبرًا لخاطره، وإذا كان للإنسان من شيء في هذه الصفة، فإن هداه الله يكون متواضعا وبارا وغير متعالٍ، جابرًا للخواطر وهي صفة من صفات الأنبياء، الذين اتسموا جميعهم بحسن المعاملة وطيبة القلب، حتى في ظل إيذاء قومهم لهم، وجبر الخاطر ليس شرطا فيها بذل المال أو الجهد الكبير، لكن مسحة باليد الدافئة على رأس يتيم بكنوز الأرض فجبر خواطر اليتامى أمر عظيم،  وقد نهى الله في كتابه الكريم عن قهر اليتيم، وذلك قوله تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر"، وكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو الصادق الأمين "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة".. مشيرا إلى إصبعيه المتجاورين.

وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: "التقوى وحسن الخلق"، وجبر الخاطر يعد من الأمور التي تقع في عداد حسن الخلق لأنها تقدم دون انتظار مقابل، فإدخال السرور على الناس، ومد يد العون لهم والرفق بهم، والإحسان إليهم وابتسامة في وجه يائس لا يضاهيها مال، وإماطة الأذى عن طريق الناس ورفع الحرج عن الناس، والتواضع مع الناس، كلها جبران للخاطر، فما أجمل أن نبلغ هذه المنزلة من السلوك النبوي والصفة الإلهية في شهر مبارك تزداد فيها الخيرات وتتضاعف، لأن جبر الخواطر في شهر رمضان الكريم من أجمل وأهم العبادات المحببة عند الله سبحانه وتعالى، فاللهم اجعلنا ممن جبرت خواطرهم وجبرتهم واللهم اهدنا لسبيل الخير والرحمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة