أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا(٧٨) ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا((٧٩ - الإسراء).
" أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله "، فأساس الصلاة الصلة بين العبد وربه، لذا فهي لها أهمية شديدة، وعليه لا يجوز ترك المسلم صلاته دون عذر شرعي،. تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ تصلح من شأن المسلم في كل معاملاته وتنقي خلقه من كل سوء وتريحه من ضغوطات الحياة وتعمل على التهيئة النفسية بالمثول بين يدي الله والتقرب له في كل وقت وحين .
وهي تمحو الذنوب والخطايا، فقد قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: ( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات فهل يبقى من درنه شيء؟ ) فقال الناس : لا يبقى من درنه شيء، فقال صلى الله عليه وسلم : (فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )، ومن مميزاتها عظم ثواب فاعلها في الدنيا والآخرة وقد وعد الله المصلي بالبركة في الدنيا والآخرة، فالصلاة تجلب الرزق وتضع البركة فيه وفي سائر مناحي الحياة ولأهميتها فرضها الله في السماء في رحلة الإسراء والمعراج.
يقول الدكتور سامى عبد العظيم العوضى، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: في هذه الآيات الكريمات يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه، وكل اتباعه، بإقام الصلاة في أوقاتها التي حددها لها، وقد أخبرالله أمته بهذه التوقيتات، فقال جل من قائل :( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ( سورة النساء آية 103 ).
يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها : أقم الصلاة لدلوك الشمس، قيل لغروبها، قاله ابن مسعود وغيره وعن ابن عباس : ( دلوكها ) : زوالها وهي رواية أيضا عن ابن مسعود واختاره ابن جرير ، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : دعوت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( اخرجْ يا أبا بكر فهذا حين دَلَكَتِ الشمس ).
فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلاة الخمسة فمن قوله : لدلوك الشمس إلى غسق الليل وهو : ظلامه وقيل : غروب الشمس أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقوله تعالى : وقرآن الفجر : يعني صلاة الفجر وقد ثبتت السنة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفا عن سلف وقرنا بعد قرن.
وفي هذه الآية : إن قرآن الفجر كان مشهودا، قال الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال : ( فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ) ويقول أبو هريرة : ( اقرءوا إن شئتم : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) وبنحوه أخرج الإمام أحمد في مسنده .
وقال الإمام الواحدي في كتابه ( الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) : "أقم الصلاة أي : أدمها، لدلوك الشمس: من وقت زوالها، إلى غسق الليلِ: إقباله بظلامه، فيدخل في هذا صلاة الظهر والعصر والعشاءين، وقرآن الفجر يعني : صلاة الفجر، سماها قرآنا، لأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة القرآن، إِنَّ قرآن الفجر كان مشهودا: تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار.
ويضيف الدكتور العوضى أن " دلوك" : اسم مصدره دلك ومنه دلوك الشمس : أي ميلها للغروب وهو من الزوال إلى الغروب ويدخل في وقت دلوك الشمس صلاتي الظهر والعصر، وغسق الليل : إذا أظلم واشتدت ظلمته، يقول الله تعالى في سورة الفلق : ( ومن شر غاسق إذا وقب ) أي إذا أشتد ظلام الليل والمعنى : التجئ بالله العظيم وأعتصم به من شرور الليل إذا اشتد ظلامه وما فيه من شرور ولصوص ويدخل في هذا الوقت صلاتي المغرب والعشاء وقوله تعالى وقرآن الفجر : أي صلاة الفجر وسميت قرآنا، لأن الصلاة لا تصح إلا بالقراءة.