في رمضان هذا العام، لا يفوتني برنامج "مصر أرض المجددين"، فهو وجبة دسمة فى التاريخ والدين والتراث والمواقف والمآثر عن عظماء مروا على أرض الكنانة، أثروا (من الثراء) وأثروا (من التأثير) في واقع وحياة المصريين، وجبة لا تتجاوز مدتها 30 دقيقة.
يحكيها بطريقة فلسفية عميقة سهلة مفتى الديار المصرية السابق الشيخ الدكتور علي جمعة، في ضيافة الإعلامى عمرو خليل.
للحقيقة كل حلقة تخرج بمعلومة جديدة، منها الطريفة، ومنها نصيحة قديمة يمكن أن نستفيد منها فى عالم اليوم.. فمثلا قال الشيخ علي جمعة: إنه في إحدى المرات سألوا الشيخ أحمد الصديق عن حكم الصورة الفوتوغرافية في عام 1821 في عصر محمد علي باشا، وحينها خرج الشيخ الصديق بكتاب أسماه «الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي».
تخيل كتابًا كاملًا عن جواز الصورة الفوتوغرافية..
كتاب لو كنا قرأناه لما دار الجدل الكثير حول التصوير الفوتوغرافي خلال الأعوام السابقة.. فيما لا يخلو عنوان الكتاب نفسه من السجع الذى كان منتشرًا فى حينها فى عناوين الكتب.. كما كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» للدكتور رفاعة رافع الطهطاوي.
ويحكي الدكتور علي جمعة موقفًا عن الشيخ محمد محمد المدني، هذا الموقف، شخصيا أتمني أن يبدأ الأزهر، ومن بعده الجامعات المصرية في دراسته والاستفادة منه.. وخاصة أنه يُطبق فى جامعات أوروبا وأمريكا.. وكان موجودا عندنا في تاريخ التعليم المصري فى فترة من الفترات.
الموقف كان أن رأى وعرف الشيخ الظواهري إمام المعهد الذي يدرس فيه الشيخ المدني، ذكاء وفطنة وسرعة تحصيل المدني، ولأن الشيخ الظواهري كان عنده شيء من الثورة على الأوضاع ويحاول تصحيحها.. فقد رأى أن نظام التعليم المطبق في حينها يؤخر دراسة هذا النابغة العبقري.. لأنه قد أنهى الدروس التي في سنهِ وتجاوزها وقادر على فهم دروس السنوات التي تليه.. ورأى الظواهري أنه لو استمر المدني في نفس نظام التعليم فإنه سيضيع سنين طويلة، كان يمكن تجاوزها بسهولة لو كنا مرنين بعض الشيء فى هذا النظام التعليمي.. وسمحنا لأمثال المدني بالدخول لسنوات أعلى من سنه الحقيقية! وبالفعل استثناه ودفعه إلى سنوات دراسية أعلى.
من ضمن ما حكاه الشيخ علي جمعة وأعجبني شخصيًا هو وصفه للدكتور طه حسين في الحلقة التي خصصت لاستعراض حياة عميد الأدب العربي ومواقفه فى التجديد: بأنه «الشيخ» طه حسين.. ثم استعرض مواقفه بالاهتمام بالتعليم والاهتمام بتطويره وإتاحته للجميع.. ثم مواقفه من نقد الشعر الجاهلى وبعض المواقف الأخرى عنه.
للحقيقة الأمثلة كثيرة في هذا البرنامج المهم لحوالي 30 شخصية وما حولها من تلاميذ وأساتذة وأسرة، الأمر الذي يجعلك تُبحر في مواقف وعبر ودروس المجددين، هذا البرنامج ومثيله، يجمعون ما بين الدين والتاريخ والتراث.. في وجبة شهية وفاعلة مهمة جدا في شهر رمضان المعظم.. الذى نحتاج فيه لمثل هذه البرامج لنكشف ما جهلناه عن ديننا ولنزيد حفظ ومعرفة ما قد قرأناه سابقا..
وأجمل ما في هذه البرامج هو تعب الجميع من المعد والمذيع والضيف.. فى البحث والقراءة والتدقيق عن المعلومة الصحيحة.. حتى تخرج لك في النهاية حلقة واحدة لا تتجاوز نصف الساعة.. فتزيد معرفتك الثقافية والمعرفية وأنت متكئ على أريكتك.. أو في عصرنا الحديث وأنت ممدد فى فراشك تشاهده على هاتفك الذكي.
تويتر: @AhmedTantawi