تمتلك مصر كم هائل من القصور، تمثل معظم عصورها بدءا من عصر الفراعنة مرورا بالرومان والبطالمة والفاطميين والمماليك وصولا إلى العصر الحديث حيث المملكة المصرية.
تنتشر هذه القصور في معظم محافظات مصر، فهي شاهدة على تاريخ وحضارة مصر العظيم.
شهدت مصر منذ بداية حكم محمد علي باشا 1805 م وعلى مدى 148 سنة هي مدة حكم الأسرة العلوية، طفرة كبيرة في بناء السرايات والقصور، ليس فقط للأسرة الحاكمة، ولكن لكبار الساسة والأعيان والباشوات.
تميزت القصور الملكية بفنونها المعمارية الرائعة والفريدة، وكنوزها النادرة، فهي شاهدة على حقبة مهمة من تاريخ مصر، تم خلالها بناء مصر الحديثة، وشاهدة على أحداث غيرت مجرى التاريخ.
- قصر محمد علي بشبرا -قصر الفسقية- اختار محمد علي باشا مكانا بعيدا عن القلعة وجبل المقطم ليبني قصرا يقيم فيه وأسرته فاختار منطقة شبرا على شاطئ النيل مباشرة، وبعد ثلاث سنوات من توليه الحكم، بنى قصرا على مساحة 50 فدانا سنة 1808م، فكان تحفة معمارية جمعت بين العمارة الأوروبية والإسلامية، على نمط قصور تركيا التي تتميز بالحدائق الواسعة المطلة على البوسفور، أشرف على إنشائه ذو الفقار كتخدا، واستعان محمد علي بفنانين فرنسيين وإيطاليين ويونانيين وأرمن في زخرفة القصر.
وتخللت المساحات الزراعية عددا من القصور كان أولها قصر الإقامة وملحقاته عبارة عن عدة مبان خشبية ومرسى للمراكب على النيل وكان موقعه وسط طريق الكورنيش الحالي، وفي 1821م أضيفت سراي الفسقية وهو القصر الموجود حاليا وهو مستطيل الشكل صممه مسيو دروفينى قنصل فرنسا في مصر آنذاك وقام بالتنفيذ المهندس الفرنسي باسكال كوسيف، وبعدها بسنوات أضيفت سراي الجبلاية.
كان هذا القصر أول مبنى في مصر يضاء بغاز الاستصباح بعد أن عرفته إنجلترا 1820م، فأمر محمد علي استدعاء مخترعه م. جالوى لتنفيذه بالقصر.
ومن روائع قصر الفسقية "برج الساقية" فقد بناه المهندس على ارتفاع كبير ليحقق بفارق المنسوب قوة اندفاع المياه بما يكفي لتشغيل نافورة الفسقية في الساقية في أربعة أحواض يتم تنقية المياه خلالها قبل مرورها في حوض الفسقية نقية لتخرج مرة أخرى عبر قنوات الري.
ولشدة اهتمام محمد علي بالقصر خصص له عددا من المهندسين الزراعيين ممن تم إرسالهم إلى أوروبا، للعناية بحدائق القصر وزراعة كل ما هو مستحدث واستجلاب زراعات جديدة على مصر وزراعتها في هذه الحدائق، ومن أشهرها "اليوسف أفندي" الفاكهة المعروفة، ولزراعتها وتسميتها قصة لطيفة، عند عودة الطالب يوسف مع زملائه من بعثة باريس لدراسة الزراعة، تسببت رياح شديدة في إقامتهم نحو ثلاثة أسابيع بجزيرة مالطا، وتصادف أن رست سفن حاملة أشجار مثمرة من الصين واليابان، فاشترى منها يوسف ثمانية براميل، وعند وصوله الإسكندرية وحدد له موعد لمقابلة "أفندينا" حمل معه طبقا به فاكهة من التي اشترى أشجارها وعندما تناولها محمد علي فأعجبته وسأل عن اسمها، وكان يوسف قد سأل قبل المقابلة عمن يحبه الوالي من أولاده أكثر فعرف أنه يحب "طوسون" فأجاب الباشا بأن الفاكهة اسمها طوسون فتبسم محمد علي وسأله ما اسمك؟ فقال يوسف، فأمر الباشا بأن تسمى هذه الفاكهة "يوسف أفندي" وأمر بزراعتها في حدائق قصر شبرا.
- قصر رأس التين.. على الطرف الغربي من جزيرة فاروس يقع أقدم القصور الملكية في مصر حيث قرر محمد علي 1824م بناء قصر على شكل القلعة فكانت سراي رأس التين وسميت بهذا الاسم لوجود شجر التين بكثرة في هذا المكان، ومن السراي كان يشرف على أعمال بناء دار الصناعة "الترسانة البحرية"، تكونت السراي التي استغرق بناؤها أحد عشر عاما من الحرملك والديوان والحجرات الخاصة بمحمد علي المسافرخانة لضيافة كبار الزائرين، وحتى 1847م أضيفت أجنحة جديدة للسراي وفي هذه المرة استعان محمد علي بمهندسين أجانب منهم المهندس الفرنسي سيريزا الذي أشرف على إنشاء دار الصناعة .
ومن الطريف أن أول صورة فوتوغرافية التقطت في مصر، بل في أفريقيا كلها كانت مبنى الحرملك بسراي رأس التين 1835م، بعد مضى شهران فقط على ظهور اختراع التصوير الفوتوغرافي، وذلك أثناء زيارة المصور الفرنسي "فرنيه" لمصر وصور أيضا عمود بومبى "السواري" ومعبد الأقصر ووادي الملوك وهرم خوفو.
أنشأ الخديوي إسماعيل محطة سكة حديد داخل القصر لينتقل وأسرته منه إلى القاهرة والعكس وقبل رحيله أدخل التليفون العام 1879م. أما الملك فؤاد فأعاد بناء القصر مرة أخرى وجعلها مكونا من ثلاثة طوابق، وأوصى المهندس الإيطالي فيروتشي المكلف بالبناء أن يكون على طراز حديث وتم بناء مسجد ذو طابع معماري مميز، لم يتبق من القصر القديم سوى البوابة التي تحمل اسم محمد علي وبعض الأعمدة الجرانيتية. وظلت السراي مصيفا لحكام الأسرة العلوية حتى 1952م.
في سراي رأس التين كانت تعد الموائد الرمضانية لإحياء ليالي رمضان في عهد الملك فاروق، ومنه كانت تغادر كسوة الكعبة المشرفة التي كانت تهديها مصر سنويا إلى الأراضي الحجازية عن طريق البحر.
شهدت السراي وفاة محمد علي باشا في 2 أغسطس 1849م -13 رمضان 1265 هجرية، وقد نقل جثمانه إلى القاهرة عن طريق ترعة المحمودية، وخروج الخديوي إسماعيل من مصر بعد عزله بضغط من إنجلترا وفرنسا، وفيه أيضا وقع الملك فاروق الأول وثيقة تنازله عن الحكم إلى ولى العهد الأمير أحمد فؤاد ومنها غادر مصر نهائيا إلى إيطاليا على يخت المحروسة في 26 يوليو 1952م.