Close ad

ثابت أمين عواد يكتب: بداية حرب.. نهاية هيمنة

17-4-2022 | 01:01

مع مرور الوقت.. تتآكل سبل السيطرة الاقتصادية والهيمنة السياسية الأمريكية على مقدرات شعوب ودول العالم، حيث تبدو الحرب في أوكرانيا هي الشرارة التي بدأت معها الهيمنة في التراجع، إلا أن تراكمات فرض القوة غير العادلة، وانتشار بؤر الصراع في العالم برعاية أمريكية، تشكل المادة الخام التي تغذي نيران هذه الشرارة.

والمشهد المتوقع يعكسه القول المأثور: لقد انقلب السحر على الساحر.. فلم تكد الولايات المتحدة -ومعها حلفاؤها- تشرع في التفتيش عن عقوبات اقتصادية تهدف لخنق روسيا، مثل وقف التعامل مع البنوك الروسية، وإصدار قوائم بحظر التعامل مع رجال أعمال وشركات، وكذلك فصل روسيا وعزلها عن نظام "سويفت" المالي للتعاملات المصرفية، وهو شريان عالمي للمال عبر الحدود، وكذلك ومنعها من إدارة احتياطياتها المالية في البنوك العالمية. من التجارب العالمية، فإن فرض العقوبات لا يحدث أثرًا جوهريًا في الوصول إلى أهداف إستراتيجية.

فقد حدثت تجارب سابقة، مثل كوبا، وفنزويلا، وإيران، وكوريا الشمالية، والعراق، ولم تحدث هذه العقوبات التأثير المطلوب، حيث تشابك المصالح بين الدول، إضافة إلى التفاف العديد منها حول العقوبات يقلل من تأثير هذه العقوبات. والجديد هنا أن روسيا تكيفت مع هذا الوضع الجديد وتفاعلت مع الحظر المالي، وساندها أن دولًا أوروبية عديدة لا تستطيع الاستغناء عن الغاز والنفط الروسي، فبعد مرور نحو شهرين من بدء الحرب، مازالت موسكو صامدة، رغم اهتزاز "الروبل" في البداية، إلا أنه تعافى مؤخرًا، ولا تزال أوروبا تشترى الغاز والنفط الروسي، بل ساعد ذلك موسكو، في تعويض فاتورة الحرب، وهذا ما يطمئن دولًا كثيرة تخشى العقوبات الأمريكية، بألا تخشى المقاطعة الغربية.

وإذا كان الدولار الأمريكي مازال هو الغطاء المالي السائد في التجارة العالمية، فإن محاولات استبدالها بعملات أخرى محلية عالميًا، أو في التجارة البينية للدول، سيستغرق وقتًا، ولكنها بدأت، وتحدث بشكل تدريجي، وهو ما ترغب في المشاركة فيه العديد من الدول التي عانت ومازالت من الهيمنة الأمريكية وعدالتها الزائفة.

وكما توقع كبير الاقتصاديين في بنك "ميزوهو" الياباني، دايسوكي كاراكاما، أن يشهد منتصف العام الحالي 2022 بداية النهاية لهيمنة "الدولار" على الاقتصاديات العالمية، ويرى أن "الابتعاد عن الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، هو اتجاه عالمي يحدث منذ فترة طويلة، إلا أنه مع بدء الأزمة في أوكرانيا قد يسرع الاستغناء عن الدولار، وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي 12 نقطة، وتم ملء هذا الفراغ بعملات أخرى، مثل "اليوان"، الذي ارتفع 8.3 نقطة، ومن الواضح أن الاتجاه في إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، خلال ربع القرن الماضي، كان التخلص من الدولار والتحول إلى عملات البلدان النامية بسرعة وهي الدول الغنية بالموارد.

كما اتجهت روسيا والهند للبحث عن بديل لنظام "سويفت" لإتمام المعاملات النقدية بين البلدين، ومن المتوقع أن يتم العمل بالنظام الجديد، وسيكون قادرًا على ضمان "النقل السلس لمستندات الاستيراد أو التصدير للمعاملات من خلال "الروبية" و"الروبل"، خلال أسبوع. لاشك أن الاقتصاد العالمي برمته يتأثر بتباطؤ النمو، ولكن ما يهمنا هنا هو العالم العربي، الذي ستشهد العديد من دوله ضغوطًا حادة بسبب التضخم، وارتفاع أسعار السلع الأولية، وتراجع التحويلات الأجنبية والخدمات السياحية.

 في المقابل فإن الدول النفطية تحقق المكاسب بعد ارتفاع أسعاره، لتحدث تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة في المنطقة العربية، وهو ما تراه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" في دراسة تصدرها بالتعاون مع "الفاو" وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأغذية العالمي. وتوقعت الدراسة -التي حملت عنوان: "آثار الحرب في أوكرانيا على المنطقة العربية"- أن تخسر الاقتصادات العربية حوالي 11 مليار دولار في عام 2022 و16.9 مليار دولار في عام 2023، وأن تخسر البلدان العربية متوسطة الدخل 2.3% من ناتجها المحلي الإجمالي المتوقع، وحدها البلدان المصدرة للطاقة ستشهد زيادة في ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 0.7% نتيجة لزيادة الطلب على الطاقة وارتفاع أسعارها.

وأشارت الدراسة إلى أنه نظرًا لكون الاتحاد الروسي وأوكرانيا مصدرين مهمّين لواردات الحبوب والزيوت النباتية، فقد أثارت الحرب مخاوف تتعلق بالأمن الغذائي، وطالبت بالبحث فورًا في مصادر بديلة للواردات الغذائية المتأثرة بالحرب، وتطبيق تدابير لحماية المستهلك لمنع الزيادات غير المبررة في أسعار المواد الغذائية. على الجانب الآخر، حقّقت الدول العربية المصدّرة للطاقة مكاسب غير متوقعة نتيجة للزيادة في أسعار الطاقة، وتوصي الدراسة بضرورة خفض الحواجز التجارية والإجراءات والرسوم الجمركية لتسهيل تجارة الأغذية والحبوب والمواد الغذائية الأساسية فيما بين الدول العربية، وإنشاء صندوق عربي لطوارئ الأمن الغذائي لمواجهة الأزمة الحالية والمستقبلية.

لاشك أن الحرب الحالية في أوكرانيا وتداعياتها ستفرض تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي السياسي العالمي، وخاصة بمجال الطاقة التقليدية، والبديل هو التركيز على الطاقة النظيفة المتجددة المتوافرة في العالم العربي وخاصة شمال إفريقيا.

وقد بدأت مصر مبكرًا واستعدت بالطاقة المتجددة بمشروعات عملاقة في الطاقة الشمسية والرياح، ومؤخرًا بدأت في الاعتماد على طاقة "الهيدروجين الأخضر"، وهو طريق شاق وطويل، لكنها بدأت المسير، ولعل الدول العربية التي أخفقت في التوجه السياسي، تتكامل وتتضامن في قرارها الاقتصادي لتحقيق مبدأ الاعتماد على الذات.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة