Close ad

نجلاء محفوظ تكتب: المحنة.. كيف تصبح منحة

16-4-2022 | 01:43

الإنسان "المفاجأ نصف مهزوم"؛ حكمة رائعة وصادقة وواقعية جدًا؛ تعلن عن نفسها "بوضوح" عند التعرض لمحنة؛ فنفقد الاتزان، وقد نقع على الأرض -نفسيًا- ويرتبك التفكير، وتتراجع قدراتنا على النوم الجيد ونثور لأتفه الأسباب، أو "نختار" الانعزال عن الجميع، أو نرى أي كلمات تُقال للتهوين من المحنة "إهانة" لمشاعرنا وعدم تقدير لنا؛ فنقاطع من قالها أو نرد عليه بما يؤلمه أو نرفض المساعدة بحدة..
 
من حق الجميع كل ذلك "مؤقتًا" بعد حدوث المحنة وعليه ألا يلوم نفسه وعلى المحيطين به أن يلتمسوا له الأعذار
ومن واجبه على نفسه ألا يتمادى بذلك؛ ليمنع المحنة من "الإقامة" وليعجل بطردها بعد الأخذ بالأسباب -ما استطاع- "ويقرر" الخروج منها فائزًا دينيًا ودنيويًا، وألا يسمح لها بالنيل منه، ويذكر نفسه بـ"أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله" كما جاء بالحديث الشريف، وأنه سيستعين بالله ولن يعجز.
 
من أهم أدواته؛ "تنفس" حسن الظن بالرحمن وأن يجعله الأوكسجين الخاص به، وألا يسمح بتناقصه أبدًا، وأن يصنع لنفسه "جناحين" ليطير بهما عاليًا فينظر للمحنة من أعلى ولا يسمح لها بابتلاعه "بخسة".
 
الجناح الأول هو "اليقين" بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أصابه لم يكن يخطئه والحديث النبوي"، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا على أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ.
 
والثاني؛ "زرع" الرضا والشكر بصدق -بعقله وقلبه على كل حياته السابقة، ولأن المحنة لم تكن أقسى، وتذكر القول البديع لابن القيم "الرضا مستراح العابدين وجنة الدنيا، فمن لم يتذوقه بالدنيا لن يتذوقه بالآخرة"، ثم يقوي "صلابته" النفسية بالاعتماد على الخالق عز وجل "وحده" والتبرؤ التام من حوله ومن قوته ومن التفكير ولو لثانية بأن أحدًا من البشر "بيده" إنقاذه أو مساعدته؛ فالجميع "مجرد" وسيلة يرسلها الرحمن سبحانه وتعالى "فيتحرر" من الاحتياج للبشر ولو بالمساندة النفسية وسيتجاهل من خذله؛ ويشكر من سعى لمد يد العون؛ طاعة للوهاب الذي أمرنا بشكر الناس، ففي الحديث الشريف: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، ثم يفكر جيدًا بأفضل "المخارج" من المحنة، ويكتبها ولا يتعجل بالأخذ بها ويرفض استدراج "إبليس" اللعين بالسخط أو بكراهية نفسه، إذا تسبب لنفسه بالمحنة أو لشعوره بالضعف وقلة الحيلة، فكراهية النفس تجهز علينا وتحرمنا من "حقوقنا" في النهوض بأنفسنا بعد الاستعانة باللطيف بعباده، والصواب كراهية السخط والضعف وجلد الذات، والمسارعة بطردهم "وبدء" خطوات إنقاذ النفس وعدم طلب الحد الأقصى بوقت سريع؛ فهذا منهك وغير واقعي وتذكير النفس بالمقولة الرائعة: (إذا لم تنحن لن يمتطي أحد ظهرك) فيرفع رأسه بشموخ المؤمن الذي لا ينحني إلا للخالق، فسبحانه وتعالى كرمه وسيرزقه الفرج بأفضل توقيت، ويتأمل مقولة فيكتور هوجو: (الألم ثمرة لا يضعها الله على غصن ضعيف)، ويبتسم لنفسه بحب واحترام ويقول: تقليل الخسائر مكسب؛ وأولها "منع" الخسائر النفسية والصحية والتشبث بالدعاء لله "بمحو" المحنة وبالتعويض عنها بخير وافر وجميل بالدارين، ويحمي نفسه من الاستماع للمحبطين ومن يرددون كلمات أنت دومًا حظك سيء والمحن تلاحقك، أو ماذا فعلت ليحدث لك كل هذا.. وغيرها من الكلمات التي يقولها البعض ببراءة كالدب قاتل صاحبه وآخرون للتعاطف الكاذب.
 
ولا نوصي بمحاولة إقناعهم أننا بخير وشاكرين لأنعم الله علينا، "ونناضل" للخروج من المحنة؛ فسنجد كلامًا يحبطنا.
 
الأفضل الانسحاب من الجلسة إن أصروا على التمادي بالكلام، ورفض محاولات تغيير الكلام بالمحن يجب الاحتفاظ بما يمكننا من الحياة "الطبيعية"، وعدم الانجرار لإغراق النفس بالتفكير المتواصل بالمحنة؛ ولن يحدث ذلك إذا "تفرغنا" للمحنة فستأكلنا تدريجيًا؛ والأذكى فعل ما نستطيع من الأنشطة اليومية حتى لو شعرنا بالتعب؛ فسيزول بمشيئة الرحمن بعد الراحة أو النوم؛ وسيساعدنا المجهود الجسدي على النوم الأفضل، بعكس الاستسلام لقلة الحركة فسيجعلنا نفكر "بأسوأ" الاحتمالات، ونحرم أنفسنا من النشاط والإنجازات التي "تحسن" المزاج وتنمي الثقة بالنفس وتوسع الحياة كما نعتقد نكون؛ مقولة تثبت الحياة صدقها، فإذا اعتقدنا أننا سننهار؛ فسيحدث الإنهيار بأسرع مما نتوقع، وإذا "وثقنا" أننا بعون الله سنجتاز المحنة بأفضل نتائج "ممكنة" وسنتعلم منها وسنضاعف خبراتنا ونفوز "بجوائز" الصابرين بالدارين وستمر بفضل الرحمن بخير وسنتذكرها مستقبلًا بابتسامة "رضا" تنير قلوبنا قبل وجوهنا وسنحكي عنها لمن نحب "لنشكر" الرزاق على واسع فضله فسيحدث ذلك "بأحسن" وقت.
 
وفي الحديث الشريف: (يُستجاب للمرء ما لم يعجل)، فلنحرص على الدعاء مع التسليم "التام" للخالق عز وجل "والتأدب" واليقين أن المحنة وراءها حكمة قد لا نعلمها وعلينا منع السماح لها بالتسبب بأية "خدوش" في إيماننا بأن كل ما يرضى به الله عز وجل لنا خيرًا، ولا "مكان" لليأس مع حسن الظن بالرحمن، والأخذ "بكل" الأسباب، ثم التوكل وتفويض جميع الأمور للرحيم بسكينة وطمأنينة وبيقين بأننا من الفائزين بالدارين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة