أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أهمية عسل النحل الغذائية ودوره فى علاج الكثير من الأمراض، مما زاد من قيمته الاقتصادية، وشجع المستهلكين على الإقبال عليه، فارتفعت أسعاره وأصبحت الحاجة ملحة لزيادة إنتاجيته.
موضوعات مقترحة
نتعرف من خلال هذا التقريرعلى اقتصاديات إنتاج عسل النحل فى مصر، والجهود التى تتم للنهوض بإنتاجه، ووضعه فى السوق العالمية، وأهم الأبحاث التى تتم للحفاظ على الجودة والمواصفات القياسية للمنتج المصرى، وتأثير التغييرات المناخية على الإنتاج.
فى البداية يقول الدكتور محمد فتح الله رئيس قسم بحوث النحل بمركز البحوث الزراعية، إن مصر رائدة فى مجال صناعة عسل النحل على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، والمصرى القديم كان أول من استأنس النحل وقام بتربيته فى الخلايا التقليدية أسطوانية الشكل المصنوعة من الطين والقش، كما أن قدماء المصريين كانوا أول من قام بعملية النحالة المرتحلة، حيث كانوا يقومون بوضع خلايا النحل على المراكب والإبحار بها فى نهرالنيل سعياً وراء المرعى المناسب للنحل، وكانوا يعرفون كمية العسل المجموع بواسطة الغاطس من المركب فى الماء، وكلما زاد الغاطس كلما دل ذلك على زيادة كمية العسل المخزنة بالخلايا.
السوق العالمية
ورغم أن مصر تتميز بدور ريادى فى صادرات طرود نحل العسل، بنسبة تزيد على ربع إجمالى صادرات العالم من هذه الطرود، كما تصدر نحو 3000 طن عسل سنوياً من أجود أنواع الأعسال، التى تتميز بها مصر مثل الشمر والسدر والبردقوش والموالح والبرسيم، إلا أننا نحتاج إلى زيادة الاهتمام بهذا القطاع الحيوى، حيث إنه يسهم بنحو 35 % من الغذاء العالمى نتيجة لتلقيح المحاصيل الزراعية، خاصة فى ظل المشروع القومى الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى، باستصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان ومشروع الدلتا الجديدة، وما يستتبع ذلك من وجوب زيادة عدد طوائف النحل المرباة فى مصر، وإعادة توزيعها على تلك الأراضى ومناطق الزراعات المطرية.
الجودة والمواصفات
وأشار "فتح الله" إلى أن جودة العسل تخضع لعدة معايير، تختلف من دولة لأخرى، وأن قسم بحوث النحل يواكب المستجدات المحلية والدولية، فيما يتعلق بالمشاكل والتحديات التى تتعرض لها صناعة نحل العسل، والعمل على حلها بإجراء أبحاث علمية تطبيقية يكون لها مردود إيجابى للنهوض بهذه الصناعة الحيوية.
وأوضح أن المستهلك العادى لا يستطيع التعرف على جودة العسل بمفرده، لأن ذلك يحتاج إلى أجهزة تحليل واختبارات معملية، من الصعب أن يقوم بها المستهلك أو أن يتحمل تكلفتها بمفرده، هذا فضلاً عن أن هذا يتطلب خبرة كبيرة للحكم على جودة العسل، لذا يجب على المستهلك أن يحصل على عسل النحل من مصادر موثوق بها تعمل على إنتاج عسل طبيعى مطابق للمواصفات القياسية، وتراعى معايير الجودة بداية من الإنتاج والتعبئة والتخزين حتى وصول المنتج للمستهلك، مناشداً بضرورة وجود تعاون بين قسم بحوث النحل وجهاز سلامة الغذاء، لضبط السوق وضمان وجود منتجات مطابقة للمواصفات القياسية المصرية.
بحوث النحل
ويضيف أن قسم بحوث النحل يقوم بدور إرشادى هام فى صناعة نحل العسل، حيث يقوم بعمل ندوات إرشادية على مستوى الجمهورية لكبار وصغار النحالين على السواء، لصقل مهاراتهم وتدريبهم على الأساليب الحديثة والسليمة فى تربية النحل، لتعظيم الإنتاجية والعائد من مشاريع تربية النحل، والحصول على منتجات جيدة ومطابقة للمواصفات، مما يعزز القدرة التنافسية على التسويق والتصدير للخارج، كما يقوم قسم بحوث النحل بعقد دورات تدريبية للشباب والخريجين لتدريبهم على إنشاء وإدارة المناحل، مما يقلل من نسب البطالة ويزيد من فرص العمل، ويعمل على تحسين الدخل ورفع مستوى المعيشة للأسر الفقيرة والمرأة المعيلة.
وكشف "فتح الله" أنه يوجد فى قسم بحوث النحل معمل لتحليل منتجات النحل المختلفة، يقوم عليه باحثون وفنيون على أعلى درجة من الكفاءة، ويحتوى على أحدث الأجهزة المستخدمة فى ذلك مثل جهاز Spectrophotometer وأجهزة HPLC ، وغيرها من الأجهزة، التى تقيم الخصائص الطبيعية والكيميائية لمنتجات النحل المختلفة، ويعمد قسم بحوث النحل على نشر ثقافة استخدام منتجات نحل العسل المختلفة بين المواطنين وجمهور المستهلكين، لرفع الوعى بأهمية استخدام هذه المنتجات من الناحية الغذائية والصحية.
أمراض النحل
ويشير إلى أهم الأمراض التى يتعرض لها النحال، وهى متعددة.. منها طفيلية مثل: "أكاروس الفاروا"، وبكتيرية مثل: "عفن الحضنة الأمريكى والأوروبى"، ومنها ماهو ناتج عن الإصابة بالبروتوزوا مثل "النوزيما"، ومنها فطرية مثل "الحضنة الطباشيرية" و"تحجر الحضنة"، وينصح النحالين باتباع أهم الطرق للحفاظ على النحل من الإصابة بالأمراض، وهى العمل على تقوية الطوائف، وأن تكون بحالة مناعية جيدة، وأن ينتخب بين الطوائف، وأن يعمل على تربية الملكات من الطوائف التى تظهر تحملاً للإصابة بالأمراض، واتباع سلوك التنظيف الصحى بصورة جيدة، وألا يغفل أهمية انتخاب الذكور من طوائف أخرى تمتاز بمثل هذه الصفات، للقيام بعملية التلقيح وتجميع صفة لاتحمل الإصابة للأمراض، وأن يهتم النحال بتوفير الغذاء الجيد للنحل، خاصة مصادر البروتين (حبوب اللقاح أو بدائلها أو مكملاتها)، حيث إن التغذية البروتينية تلعب دوراً هاماً فى رفع مناعة النحل، وعند الحاجة إلى التدخل فى حالة وجود إصابة مرضية، فإنه يجب على مربى النحل استخدام العلاجات الطبيعية والآمنة على النحل ومنتجاته والإنسان، وألا يلجأ إلى المكافحة بالمركبات الكيميائية إلا فى أضيق الحالات وللضرورة القصوى وفى توقيت ملائم.
التغيرات المناخية
وحول تأثير التغيرات المناخية على النحل، أوضح "فتح الله" أن النحل كباقى الكائنات الحية يتأثر بهذه التغيرات، التى قد تكون مباشرة وتتمثل فى التأثيرعلى سلوك وفسيولوجيا النحل، وعدم توافق مواسم نشاط النحل مع مواسم تزهيرالنباتات، وتعرض النحل للإصابة بآفات وأمراض جديدة، والتأثيرعلى تكاثر النحل والتطريد وتلقيح الملكات وفقد الذكور كفاءتها التناسلية، ويؤثرذلك أيضاً على معدل فقس البيض، كما أن موجات الصقيع الشديد تؤدى إلى هلاك الطوائف.
أما التأثيرات غير المباشرة فتتمثل فى تقلص مساحة الأراضى الزراعية، نتيجة لغرق بعض المساحات لارتفاع مستوى منسوب مياه البحار، ونتيجة لملوحة بعض المناطق وملوحة الماء الأرضى، بالإضافة إلى تصحر بعض المناطق الأخرى، بالإضافة لقلة كمية الرحيق المفرزة من الأزهار نتيجة للحرارة العالية والجفاف، واختلاف مواعيد الزراعة والإزهار، وكل ما سبق يؤدى إلى قلة الغذاء المتوافر للنحل، كما تؤدى التغيرات المناخية إلى وجود بعض الآفات والأمراض على النباتات، مما يؤدى إلى استخدام المبيدات وتأثيراتها السلبية على النحل.
مشروع دولي
وأشار الدكتورعبد الله شافعى خبير التوعية والإرشاد- للبرنامج الأوروبى لتطويرعسل النحل، "مشروع النبات والنحل" المنفذ بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى و6 دول من البحرالأبيض المتوسط، وهى مصر والجزائر وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان، وتعد دولة اليونان هى المنسق الرئيسى لهذا البرنامج، وأن كل معهد بحثى تابع لهذه الدول مكلف بالقيام بأبحاث خاصة بمقاومة آفات الموالح والنباتات الطبية والعطرية والنحل بالطرق الحيوية دون استخدام مبيدات كيميائية، وذلك للحفاظ على البيئة وحماية صحة الإنسان، وأن البرنامج يتضمن عمليات متابعة للمنتج للوقوف على الجودة والحفاظ على صحة الإنسان، وسوف يتم عقد مؤتمر فى جنوب مصر إبان عيد الأضحى المبارك، يحضره شركاء هذا المشروع، ومن المتوقع أن يعقد فى مدينة الأقصر تحديداً.