راديو الاهرام

سكينة فؤاد: البحر رفيق حياتي واستمديتُ منه قوتي |حوار

13-4-2022 | 15:27
سكينة فؤاد البحر رفيق حياتي واستمديتُ منه قوتي |حوارسكينة فؤاد
أميرة منتصر
نصف الدنيا نقلاً عن

ابنة البحر صوتها يحمل خبرة وقوة وصلابة وتحديا،  كلماتها مؤثرة تصل إلى القلب والعقل معا. هى ابنة بورسعيد الباسلة التى قضت  فيها طفولتها،  دخلت جميع بيوت مصر بروايتها «ليلة القبض على فاطمة»  التي جسدتها  الفنانة القديرة فاتن حمامة. وقفت  بقلمها حائط سد فى الكثير من القضايا التي أثارتها  والحملات التي تبنتها، وتنبأت لها الكاتبة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ بأنها ستصبح أديبة. لم تكن حياتها خالية من الصعاب التى جعلتها تتحدى  العتمة الموجودة داخلها، والتى زرعتها فيها آثار الطفولة، وكرمتها السيدة انتصار السيسى تقديرا لمشوارها الأدبى والصحفى. 


-ما أهم المشاعر التي غلفت طفولة الكاتبة والأديبة سكينة فؤاد؟
كانت طفولة رفيقة الوحدة، للبحر فيها تأثير كبير، فأنا ابنة البحر وليس هذا تعبيرا مجازيا ولكنى وجدت نفسى مبكرا على شاطئيه،  بعد أن شاء القدر أن ينفصل أبى وأمى مبكرا، رغم محاولة كل منهما الحفاظ على البيت، ولكن ظلت الوحدة رفيق عمرى خصوصا أني كنت ابنة وحيدة، ولكن ما أعطاني الخالق من التقدير والنجاح والشعور بمحبة الناس ملأ علي الدنيا. ولكن لم تذهب العتمة التى بداخلى ولم يزلها إلا فضفضتى مع صديقى البحر منذ طفولتى، والذى تحمل منى ما كنت أعانيه بعد انفصال والديَّ الذي آلمنى كثيرا فى طفولتى، التى قضيت معظم أوقاتها بين بيتي أبى وأمى، تجرعت الكثير من الألم الذى جعلنى أنصح كل أم وأب بالتفكير ألف مرة فى أولادهم قبل قرار الطلاق،  فالأمان الذى يستحقه الطفل من وجودهما معا لا يضاهيه أمان،  فالفراق فى سنوات العمر الأولى يسكن الأبناء غرفة الوحدة. 


-هل كان عملك كاتبة وصحفية أمنية أفرزتها هذه المعاناة فى الطفولة أم كان هناك حلم آخر؟
أنا صحفية مع سبق الإصرار والترصد، فمنذ طفولتى أعشق القراءة وأجمع قصاصات الجرائد لقراءتها، وكانت أمي دائما تبحث عنى لتجدنى مختبئة فى الصندرة المليئة بالمجلات القديمة، كنت أقرأ كل ما يقابلنى وأحلم بأن أكتب على صفحات هذه الجرائد. 


- إلى أي مدى أثرت معاناتك فى الطفولة على مسيرة حياتك؟
ما شعرت به من وحدة وغربة وألم بسبب انفصال والدي كان السبب وراء تخطى العديد من الصعاب التى مررت بها على مدى مسيرة حياتى الصحفية والأسرية،  ففى حياتى الأسرية عشت مع زوجي الكاتب أحمد الجندي رفيق رحلتى وأنجبت منه ثلاثة أبناء، عوضنى الله بهم ألم طفولتى أكبرهم ابنتى الدكتورة هالة الطبيبة بمستشفى قصر العينى، والتى تصورت وأنا أنجبها أننى أولد فيها وتولد فيها طفولتى، ودائما أشعر بفخرها بي هي وإخوتها، ما مررت به فى طفولتى أعطانى صلابة داخلية وقدرة على قهر أصعب الظروف، وحماية البيت بأى ثمن، وألا يكون نجاحى فى عالم الصحافة على حساب أولادى، كنت كالكنجارو يلد أطفاله ويضعهم فى جيبه،  اعتذرت عن أى عمل يأخذنى بعيدا عن أولادى،  كانوا دائما فى المكانة الأولى، وجنيت ثمار ما زرعت وأؤكد للآباء أنه مهما يكن قدر المعاناة فليس هناك أهم من الحفاظ على البيت. كما أن ما مررت به جعلنى أقرأ الكثير فى مجال التربية وعلم النفس، حاولت التزود بالعلم والمعارف التى جعلتنى أمارس الأمومة الصحيحة.


-فى رأيك  ما السبب وراء ارتفاع نسب الطلاق الآن وقضايا الطلاق التى ترفع يوميا في محاكم الأسرة؟
أمر مؤسف يدل على عدم فهم قيمة الحياة الزوجية وأتمنى أن يوجد قانون يحاسب كل من يخل بهذا الاتفاق وهذه الرابطة. وارتفاع نسب الطلاق في رأيي يعود إلى عدم النضج الكافي، فالزواج بعد النضج يختلف من إنسان إلى آخر،  فالنضج ليس بالسن بل بالخبرات الحياتية المكتسبة،إلا أنى أنصح الشباب بالاهتمام بموضوع الاختيار، لأنه أول مبادئ الزواج الناجح، لذلك يجب أن يتم الاختيار بعد أن يمتلك كل من الشاب والفتاة الرؤية الناضجة للحياة، والقدرة على التفريق بين الانفعال والمشاعر الحقيقية. 


-متى انتقلت من بورسعيد الى القاهرة؟
جئت إلى القاهرة بصحبة والدي وقد انتقل إليها لظروف العمل،  وتفاجأت بمجتمع مختلف تماما، فبورسعيد تبدو كبيت كبير تسيرين على مينائها لتشعرى بأنك تعرفين كل من يقطنون بها، لأن أغلب صفاتهم مشتركة شكَّلَتها صفات البحر، وجئت إلى المدينة لأفاجأ بالمتاهة وأن الإنسان عليه أن يخوض معارك، ويواجه مشكلات مختلفة تماما عما عشت عليه وآمنت به، ووجدت معطيات الحياة مختلفة.


-وصفت الشباب بأنهم أحفاد صناع النصر،  فما رأيك فيما يلاقونه الآن من معوقات لتحقيق النصر فى حياتهم؟
بالطبع الآن أرى زمانا مختلفا، وأجيالا تحتاج إلى دعمها بالفهم والحوار، ولا يجب أن نتركها للتقنيات الحديثة تتلاعب بها كما تريد، ودائما ما أسعى إلى إدارة حوار مع أحفادى لأسمع آراءهم، لكن الزرع الطيب تمتد جذوره فى كل ما تطرحه الشجرة من ثمار، لكن هناك أجيالا مختلفة ومفاهيم وتقنيات تحتاج إلى ألا نتركها لمثل هذه المغيبات، لدى أمل كبير في أن نعيد جذورنا الصحيحة بزراعة الوعى فى عقول أبنائنا،  بتاريخهم وحضارتهم أنهم أحفاد صناع نصر أكتوبر.


- من كان مثلك الأعلى فى عالم الصحافة؟
تأثرت كثيرا بكتابات الكاتبة بنت الشاطئ التى كتبت لها عن عشقى لها، وفوجئت برد أنيق على غلاف الرسالة التى أرسلتها، بدأتها بالأديبة سكينة فؤاد وكنت مازلت طالبة.


-وكيف دخلتى إلى عالم الصحافة؟
كنت أحلم بأن أكون صحفية منذ طفولتى، فعلى الرغم من حصولى على مجموع كبير فى الثانوية العامة كان يؤهلنى للالتحاق بأى كلية من كليات القمة، فإننى اخترت عشقى، وأتذكر أنه فى المدرسة كانت هناك مسابقة تضيف إلى المجموع عشر درجات، فجاءت إلى مدرستنا الكاتبة الأمريكية هيلين كيلر.الأديبة والناشطة السياسية والتى كانت أول سيدة كفيفة وصماء تتمكن من الحصول على ليسانس الآداب،  فكتبت عنها: التى صنعت كل شيء من لا شيء، وبالفعل حصلت على الدرجات العشر والتحقت بعدها بقسم الصحافة بكلية الإعلام. وأثناء التحاقى بالجامعة أخذنى أستاذي للعمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون وكان رئيسا لتحريرها، وبدأت المسيرة معه وكتبت أول الأبواب تحت اسم «الرسم بالكلمات» مع الفنان حامد، وكانت عن المذيعين والمذيعات،  وحاولت أن أستشف العالم الخاص لكل النجوم الكبار فى ذلك الوقت، كتبت العديد من الموضوعات وكنت أشهر من كتبوا برامج رمضان القصيرة، ولا أنسى حلقاتى مع نجيب محفوظ والدكتور طه حسين، الذي أدهشنى بحجم رؤيته التي قد لا يدركها المبصر وأوصافه الدقيقة التى لا يراها المبصر، وإحساسه بالحياة ولغته الغريبة الرائعة التي كنت أعشقها. ولأني ابنة البحر لم أعرف أى شيء عن شوارع مصر وحواريها إلا من خلال نجيب محفوظ، فهو أعظم من كتبوا عن مصر،  بعد ذلك كتبت «ليلة القبض على فاطمة» بمشاعر صادقة وخبرة السنين، وجسدت بها بعض ما مررت به فى حياتى. وكان نجاحا باهرا لي عندما اختيرت الرائعة فاتن حمامة لتجسد شخصية فاطمة،  فقد  أدخلت قصتى إلى كل بيت مصرى، واستطاعت ببراعتها التمثيلية أن تجسد ما كتبته بأحاسيس صادقة لاقت نجاحا، أشعر به كلما يعرض الفيلم الذى تحوَّل بعد ذلك إلى مسلسل.


-ما أهم القيم التى غرستها فى أبنائك؟
الثقة بالنفس والإيمان بالله، وأتذكر حوارا دار بينى وبين أبلة فضيلة، بعد أن أنجبت ابنتي الأولى دكتورة هالة سألتنى سؤالا مباغتا: هل يضايقك أنك أنجبت الطفل الأول بنتا وليس ولدا. بالفعل هذا السؤال أغضبنى لأنى أرى أن الأبناء نعمة الله على الأرض سواء ولد أو بنت. أرجو أن تدرك الأم أن إنجاب الفتاة نعمة كبرى لأنها فى غمضة عين ستكون أنيستك وصديقتك، صحيح أن التربية الآن ليست سهلة، لكن الاقتراب فى سنوات التكوين الأولى لزراعة المحبة والقيم والرقى الإنسانى ضرورة،  ليست القضية أن ننجب ولكن القضية ماذا نعطيهم لتأخذ منهم بعد ذلك؟ الأبناء «تحويشة» جميلة في مقتبل العمر، وأذكر أنى كتبت فى إحدى مقالاتى قصة قصيرة معبرة تروي كيف أننى كنت أعبر الطريق ممسكة بيد ابنتى الصغيرة خوفا عليها من الطريق، لتمر السنوات وأجدها تمسك بيدى لتساعدنى على عبور الطريق خوفا عليَّ منه.


- ما خلاصة تجارب حياة الأديبة والكاتبة سكينة فؤاد؟
 من جد وجد ومن زرع حصد، وقد تأثرت كثيرا في ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم « إذا قامت القيامة وفى يد أحد منكم فسيلة فليزرعها»  كل عتمة فى الحياة يتبعها نور،  فعلينا ألا نفقد الأمل فى الله الذي يعطي العوض ولا يضيع أجر من أحسن عملا.

كلمات البحث