غُرست فيه بذرة التفوق، كان طموحه أن يكون الأول، تفتحت عيناه بين دفتَيْ كتاب، بدءا من سور الأزبكية الذي كان يرتاده وهو في العاشرة حتى نيله شهادة الدكتوراة من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية.
موضوعات مقترحة
والدكتور حسين أمين أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ورئيس برنامج الدراسات العليا بها، شغل مناصب مهمة على الصعيدين الوطني والدولي، وترأس لجنة الفضائيات، ولجنة تحديث وتطوير الإعلام باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضو مجلس إدارة المجموعة العربية للإعلام، وعضو اللجنة العليا لقنوات النيل المتخصصة، وعضو المجلس الاستشاري لمؤسسة الفكر العربي وعضو مجلس أمناء الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام.
عمل بمحطة إذاعة الجامعة وهو طالب، وفي تليفزيون ولاية أوهايو التي كان يقيم فيها، ثم انتقل إلى محطة AbC، وأسهم فى إنشاء محطة فوكس عام 1990، ونظرا لإسهاماته الملموسة في مجال الإعلام كُرِّم في مناسبات عديدة كان آخرها حصوله على جائزة «ستيفن كالترون» الدولية للتميز في النظريات. عن حكايات طفولته وأجمل أيام حياته العلمية والعملية يروي لنا الدكتور حسين أمين ذكرياته في هذا الحوار.
- حدثنا عن النشأة وذكريات الطفولة؟
أنا رجل ريفى من محافظة بنى سويف قرية الفشن، ووالدي كان محاميا، وكنا نذهب فى الإجازات إلى بيت العائلة وله حديقة واسعة على ربوة، وكنا نلعب الكرة مع أطفال العائلة. إضافة إلى هواية صيد الطيور.
- منذ متى بدأ تعلقك بالكتب والقراءة؟
كنت مواظبا وأنا عمري عشر سنوات على الذهاب إلى سور الأزبكية لأقتنى الكتب، وكنت أقرأها فى إجازة نصف السنة أو إجازة آخر العام في الإسكندرية لوجود منزل لأمي هناك، وكنت معروفا فى العائلة بأننى (دودة قراءة) وأعتقد بأنني قرأت كمية لا بأس بها من الكتب.
- من كان له التأثير الأكبر فيك؟
بالنسبة إلى التأثيرات في تكويني الثقافي هناك تأثيرات متعددة من الأساتذة عامة ووالدي خصوصا، حيث كان قارئا جيدا، وكانت لديه مكتبة غنية بالكتب التراثية والدينية، وأيضا الكتب الإنجليزية وكانت تستهوينى الكتب التاريخية والسياسية، إضافة إلى الكتب الأدبية قليلا؛ لأننى فى هذه السن لم يكن لديّ ميول أدبية، وكنت أقرأ مجلة المختار والسلاسل الخيالية مثل (سوبرمان والشياطين الـ13).
- وهل كان لذلك أثره في تفوقك دراسيا؟
بالطبع كان له أثره الكبير، فكنت طفلا متفوقا دراسيا، وكنت أحزن وأتضايق عندما أعلم بأنني كنت الثالث على الفصل، وكان هذا اليوم من الأيام الكبيسة فى حياتي.
- ومن الذي زرع بداخلك بذور التفوق وحب العلم؟
والدي، وكان فى بعض الأوقات يقول لى: (زملاؤك أحسن منك فى إيه لكى يتفوقوا) وفى أوقات كثيرة يتحدث معي ويقول: إنك قارئ جيد ولديك عقل راجح، والناس يسرون عندما يتحدثون معك فى هذه السن، ودائما كان يوجهني، وكان يفعل ذلك بطريقة غير مباشرة، وهذا الكلام كان يؤثِّر فيَّ بشدة.
- وهل لك إخوة آخرون؟
لدى أخ مستشار قانوني، وأخ أستاذ معروف بالولايات المتحدة الأمريكية، وللعلم والدي كان عاطفيا معنا فعند سفره كان يبكي عند وداعنا.
- وما الذى جعلك تتجه إلى دراسة الإعلام؟
في أثناء وجودي في أمريكا كان هناك مذيع شهير اسمه تيد كوبل ولديه برنامج تليفزيوني شهير هناك، وكنت قد كتبت عنه فصلا كاملا فى كتاب، كما كنت أعتز بهذه المساهمة، وتأثرت به حتى أنني أرى أنه الذى حببني فى الإعلام، وأيضا هناك مذيع أثناء حرب فيتنام بقناة NBC كان دائما يرينا صورة الصحفى التليفزيونى الذى يذهب إلى المواقع أو يشاهد الأحداث، إضافة إلى بيتر چينكس بقناة ABC، فهؤلاء الثلاثة كانوا من أفضل الموجودين فى الإعلام فى ذلك الوقت، وجعلوني أهتم به.
- وهل مارست العمل الإعلامي في الولايات المتحدة الأمريكية؟
عملت بمحطة إذاعة الجامعة وأنا طالب، وفي تليفزيون ولاية أوهايو التي كنت أقيم فيها، ثم انتقلت إلى محطة AbC، واستفدت كثيرا وبخاصة أنه على المرء أن يحترم العمل الخاص به.
- ومَن مِن الإعلاميين المصريين أعجبت به؟
في أيامنا وأيام المرحلة العمرية التى قبلنا كان موجودا حمدي قنديل، وأحمد سمير، ومحمود سلطان، وأنا يستهوينى نموذج محمود سلطان، وكنت صديقا له بعد رجوعى من أمريكا، وكان شخصية جميلة وإنسانا نبيلا لا تشوبه شائبة وسياسيا مع الناس، وكان من المحبوبين، وعندما عدت من أمريكا عملت مع أشخاص كثر بخاصة فى قطاع الأخبار.
- ولماذا اخترت العمل الأكاديمي ولم تتجه إلى العمل الإعلامى أو الصحفي؟
أحببت العمل الأكاديمى الذي امتهنته بسبب زخمه الثقافي من خلال الملتقيات العلمية سواء فى أوربا أو أمريكا واليابان وشرق آسيا، وقد نشرت أبحاثا علمية كثيرة، ووضعت قواعد علمية وأسسا سواء فى سنغافورة أو أمريكا فى ITS، وهو مجتمع الإعلام والصحافة الدولي، وأيضا فى نيويورك عملنا بعض القواعد هناك، وأسهمت فى إنشاء محطة فوكس عام 1990وهى حاليا موالية لليمين الأمريكى.
- ولماذا لم تستمر فى العمل الإذاعى بأمريكا كما بدأت؟
لأننى كنت طالبا في الكلية وكنت أعمل، إضافة إلى أننى رأيت تحيزات فى الإعلام الأمريكى ولم تسرني، ولى خلافات معروفة.
- يقول البعض إن سوق العمل الآن لا تحتاج إلى خريجى الإعلام.. فما رأيك فى هذا الكلام؟
هذه مقولة خاطئة حاليا مع العلم بأنها كانت صحيحة فى وقت ما؛ لأن دراسة الإعلام كان مستواها هابطا، وكل نجوم الإعلام على الشاشة كانوا من تخصصات أخرى، الآن الإعلاميون الظاهرون من تخصصات الإعلام، ويوجد فارق بين شيئين هما وسائل الإعلام الأساسية ووسائل التواصل الاجتماعى والمدونون، فلابد من دراسة وسائل الإعلام دراسة عميقة وبكل نواحيه.
- لمــاذا؟
لأن الخطأ خصوصا فى الإعلام الذى نشير إليه يظل موجودا، فمثلا عند إنتاج برنامج يعرض فى وسائل الإعلام الأساسية، ثم على يوتيوب، في الماضي عندما كان المذيع يخطئ خطأ يتم مسحه ولا يذاع مرة أخرى، أما حاليا فالخطأ سيظل موجودا ومسجلا وموضوعا على يوتيوب، وهو بمعنى «الغلطة الأزلية» ومعناها أنك تسجل صوتا وصورة ويسمى (تسجيل التاريخ اللحظى)، وسابقا كان يتم ذلك عن طريق تسجيل شرائط وعندما يذاع البرنامج ينتهى الأمر، أما الآن فـ«الغلطة» الموجودة مسجلة صوتا وصورة ولا نستطيع الهروب منها.
- في رأيك كيف يمكن تلافي هذه الأخطاء الإعلامية؟
لا بد من وجود متخصص يعرف ما يتحدث فيه، والموضوعات التى يتكلم عنها كيف يتناولها، وإلى أى جمهور، وهذا الجمهور ما احتياجاته ودوافعه؟ فبالممارسة والخبرة يستطيع أن يتكلم مع أقل نسبة من الأخطاء. وعندما يأتى غير متخصص ويشتغل تقع مشكلات كثيرة لعدم خبرته، وللعلم هناك بعض الأخطاء تتم من الممارسين فى الإعلام بغض النظر هل نحبه أم لا نحبه، فهل هذا كان الخطأ مثلا فى عملية الطرح، فكل خطأ له ثمن، في الماضي أي خطأ كان يمر، ومن الممكن أن يكون له ثمن، الآن الأخطاء لها أثمان.
- وبماذا تنصح خريجى كلية الإعلام كى يحصلوا على فرصة عمل مناسبة؟
فرص العمل موجودة للكفء، ولا بد أن تكون لغته الأساسية قوية، ويكون لديه إلمام بإحدى اللغات الأجنبية، وإلمام بالثقافة وقضايا الوطن.
- وهل هذه الفرص مازالت موجودة؟
نعم هناك فرص موجودة فى العصر الرقمى حاليا، فلو أنك تكتب لناس موجودين مثلا في روسيا فإنه خلال خمس سنوات يمكن ألا يكون عائق اللغة موجودا، وإذا كنت تجيد الروسية حاليا تستطيع الكتابة لجريدة روسية وتتعاقد معك. وللعلم حاليا فى ظل التطور التكنولوجى فإنك تستطيع أن تقوم بتسجيل صوتى بلغتك وإرساله إلى اليابان وتتم إذاعته باللغة اليابانية، وبصوتك وصورتك، ومن هنا نعرف إلى أى مدى وصل التطور وأنا رأيته فى طوكيو. فمن ناحية الفرص هناك فرص ولكن لا بد من الكفاءة والمهنية.
- وهل وجهت أحدا من أبنائك إلى دراسة الإعلام أم كانت لهم اختيارات أخرى؟
آدم ابنى الأكبر يعمل فى الإعلام، وأيضا يوسف ابن أخي يعمل فى الإعلام، وعمر ابن اختى يعمل فى الإعلام، وكلهم خريجو كليات الإعلام، وللعلم آدم يعلم المناطق الجديدة للإعلام، أما يوسف جمال الدين فهو المذيع الأول بقناة بلومبيرج فى القسم الاقتصادى، وأخوه كرم يعمل فى إنتاج الأفلام الوثائقية، وعمر شعيب من المشهود لهم بالكفاءة والمهنية فى صحافة الموبايل.
- من وجهة نظرك كيف يمكن التعامل مع منبر إعلامى قائم على التحريض؟
ألفظه فورا، فليس هناك شيء يسمى تحريضا ويعتبر مخالفا، وللعلم أنا عملت عام 2008 (وثيقة الفضائيات) وتم إصدارها من جامعة الدول العربية بخصوص التحريض، وهى وثيقة متوافق عليها من 21 دولة عربية وتعتبر وثيقة مشهورة.
- لماذا
لأنها قامت عليها الدنيا وبعد ذلك جمدت الوثيقة، وللعلم التحريض مرفوض شكلا وموضوعا، ولو كانت هذه الوثيقة مفعلة فلن تستطيع هذه القنوات أن تدخل أصلا، ففى أوروبا يمكن أن ترى من يقومون بالتحريض بين الدول وبعضها.
-وكيف ترى حروب الجيل الرابع؟
هناك أشياء مبنية على وسائل مطبوعة وأخرى على إذاعة وتليفزيون بث مباشر، وهناك أشياء مبنية على بث مباشر من الأقمار الصناعية، وأخرى على أجيال خاصة بالموبايل، فهناك جيل أول وجيل ثان وثالث ورابع، وحاليا جيل خامس، فالجيل الرابع الذى دخل إلى مصر العام الماضى يسمح فى صراعات الإنترنت بتمرير رسائل تعتبر فورية، فالجيل الثالث به إنزال والانتقال من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع فى تقديرى الشخصى أسهم فى مسألة الانتقال إلى ما يسمى بالتحول من ثقافة الإنزال إلى الثقافة الفورية، وللعلم كانت هناك مناوشات ضخمة قبل يناير 2011، وكنت أقول إن الثورة التونسية ستنتقل إلى مصر وستصبح ثورة فيسبوك وتحققت نظريتى، وفيسبوك لعب دورا كبيرا فى الجيل الثالث.
- لمــاذا؟
لأن هناك أناسا كانوا يتدربون وآخرين يمولون، فعمليات تدمير الدول من داخلها مسألة موجودة وأزلية، فهناك فروق موجودة سواء أقليات أو طوائف دينية تستغل لتقليب الناس على بعضهم.
- كـيف؟
بالتمويل والشائعات، والتى هي أصلا موجودة.
-إعلام الدولة أو ماسبيرو... فى رأيك أين نحن الآن فى ظل القنوات المفتوحة؟
أعمل فى هذا الموضوع منذ التسعينيات، ودور ماسبيرو هو التحول من دور يكون فيه لاعب وحكم موجودان فى المبنى نفسه والذى يحكمهما شخص واحد، فأى شىء يظهر نقول جميل، ولا يوجد أحسن من ذلك، والذى يحدث حاليا فى عملية التحول الموجود أن الدنيا سبقتنا لأننا تعرضنا لثورتين، وتخلف ماسبيرو عن أن يكون إعلاما عاما والذى وضعنا الأساس الخاص به من عام 1996، وكانت الوثيقة الخاصة به قد تمت الموافقة عليها ووصلت إلى رئيس مجلس الوزراء وتوقفت فى ذلك الوقت، ثم عادت برجوع وزارة الإعلام. وبالنسبة لماسبيرو فيحتاج إلى طفرة لأنه عندما ترك فى المنطقة الموجود فيها ونتيجة حدوث ثورتين فقد كثيرا من جمهوره، وإنما عندما أقول رأيى حاليا فأنا منحاز إليه لأننى عملت به مدة تقترب من ثلاثين عاما، فهو إذاعة وتليفزيون الشعب، ومبني على المصلحة العامة للشعب، فماسبيرو تعرض لوعكة اقتصادية لأنه يأخذ أمواله من الدولة، وكان لا يفكر فى اليوم الذى سيأتى ويقال له لا توجد نقود، فالدولة نفسها وقعت فى ثورة، حتى المبالغ التى تأتى إليه على قدر المستطاع من الرواتب، وللعلم هناك محاولات مستميتة لكن فى الوقت ذاته مصر ولاَّدة خرَّجت إعلام المصريين والشركة الوطنية للخدمات الإعلامية وهما مبنيان على نموذج اقتصادى لا يخسر، إنما ماسبيرو يجب أن تأتي قوة لتنقذه، ونحن طلبنا أن تكون هناك عمليات إنقاذ تُبقى شبكة محدودة من القنوات المحلية ليستطيع أن يوفى بوعوده للشعب.
- وما التحدى الأبرز الذى يواجه إعلام الدولة؟
أولا المحتوى فلا بد من التجويد فى المحتوى مع كفاءة ومهنية لتجمع الجماهير أو بعض الجماهير المفقودة التى تستطيع أن ترجع ماسبيرو إلى ما كان عليه. ثانيا: التمويل بشرط أن يكون بنموذج اقتصادى يضمن لى استرجاع هذا التمويل، وأيضا أستطيع إدخال المراجعات للنظام الكلى. ثالثا: أنماط تسويق منتجات ماسبيرو على النماذج الجديدة. رابعا: تدريب الكوادر على مستوى رفيع. خامسا: تهئية المناخ الداخلى والعمل على إزالة الاحتقان.
- وكيف يمكن الاستفادة من مدينة الإنتاج الإعلامى؟
لا بد أن تعمل وتُسوِّق ولا أعلم هل سيتم نقلها إلى العاصمة الإدارية أم لا؟ فإذا تم نقلها لا بد من الاستفادة من موقعها المميز..