شرع الله الصوم؛ ليهذب نفوس العباد؛ فالصوم يكون منقوصًا؛ ما لم تؤدى كل شعائره؛ من صوم عن كل الشهوات؛ وكذلك الذنوب والمعاصي؛ مع أداء الفرائض على الوجه الذي يرضي الله.
لذلك نسمع جملة "اللهم إني صائم" تتكرر في هذا الشهر الكريم؛ وهي تقال حينما يوجه شخص إساءة لشخص آخر؛ فيكون رد الصائم كما ذكرنا.
إذن هو تهذيب للنفس في أعلى درجاته؛ ولأن الصيام لله؛ وهو سبحانه وتعالى يجزي به؛ فلا حدود لجزاء الله؛ يرزق من يشاء بغير حساب.
تلك المقدمة كانت ضرورية للإجابة عن سؤال المقال؛ ونحن هنا نتحدث عن عدد من النماذج كأمثلة؛ فقد لاحظنا ارتفاع أسعار عدد من السلع المهمة للمواطن؛ منها سلع تمس أمنه بشكل مباشر؛ مثل الخضراوات والحبوب المختلفة؛ وأمسيت أتساءل؛ كيف يصوم من يتاجر بقوت الناس؛ ويرفع عليهم الأسعار بدون وجه، هل يقبل صيامه؟
هناك بعض السلع ارتفع سعرها؛ لأننا نستوردها من الخارج؛ ولكن سلعة إستراتيجية مثل الخبز؛ تمتلك مصر مخزونًا كافيًا منه لمدة 8 أشهر؛ هل هناك مبرر لزيادة سعره؟ الإجابة لا؛ وهل هناك مبرر لإنقاص وزن الرغيف كبديل لرفع سعره؟ الإجابة لا؛ مما يعني أن حدوث ذلك؛ هو متاجرة بقوت الغلابة.
نعم إنها متاجرة بقوت الغلابة؛ ومن يفعل ذلك آثم فعله؛ ومن ثم غير مقبول له الصيام؛ وكيف يقبل صومه؛ وهو استحل حرامًا؛ وأكل ما لا يحل له؛ فهل صيام هؤلاء عن الطعام؛ مع أكل قوت الغلابة؛ هذا صيام؟
تشترط الأحياء على مقاولي حفر الطرق لأغراض مثل مد شبكات الكهرباء أو المياه؛ أو التليفونات؛ عند إنهاء الأعمال إعادة الشيء لأصله؛ لذلك نطرح السؤال التالي:
هل من مبرر يسمح بوجود كل تلك الكسور في عدد يصعب حصره في آلاف الشوارع في مصر؟
الإجابة؛ لا؛ وهنا نسأل السؤال التالي: هل يقبل الله صيام المسئولين عن وجود تلك الكسور والتي يتأذى منها مواطنون كثيرون؛ وهم لم يراعوا مقتضيات وظائفهم على الإطلاق؟
حدثني صديق كان في زيارة لبلد أجنبي؛ حينما رأي سلعة موجودة في أحد المحلات؛ عبارة عن عدد من العبوات لها نفس المواصفات؛ بعض منها بسعر؛ والبعض الآخر بسعر أعلى؛ وحينما ذهب للبائع ليستفسر منه؛ كانت المفاجأة في الرد؛ حيث بين البائع أن العبوة ذات السعر الأقل؛ تم إنتاجها قبل زيادة الأسعار؛ ويبدو تاريخ إنتاجها أقدم.
هنا تظهر الشفافية في التعامل؛ كما تظهر البركة في الرزق الحلال؛ وهذا يفسر تقدم دول؛ يرى بعضنا أنها غير إسلامية؛ فكيف تحقق كل هذا التقدم؛ ولماذا تشعر عندهم بالبركة؛ لأنهم طبقوا منهج الإسلام؛ كما قال الإمام محمد عبده؛ حينما زار فرنسا؛ وأطلق جملته الشهيرة "وجدت إسلامًا بلا مسلمين"؛ وعاد وقال هنا مسلمين بلا إسلام.
نعم الظروف الاقتصادية صعبة على دول كثيرة؛ ولكن استغلالها بهذه الطريقة أكثر صعوبة؛ لاسيما على مواطنين بسطاء؛ لاسيما إذا كان هناك مخزون متوافر بأسعار معقولة؛ رفع سعره بوضع مبررات تحت زعم التضخم الذي يأكل رأس المال؛ زعم واهٍ.
ويمكن تطبيق هذا المعيار على كثير من التجار الذين أعمى قلوبهم الجشع والطمع؛ ولم يتمكنوا من كبح شهواتهم؛ كيف يصوم هؤلاء؟
وللحديث بقية نستكملها المقال القادم إن شاء الله.
،،، والله من وراء القصد
[email protected]