* شواهد الألوهية، ومشاهد العبودية:
تتجلى سورة الفاتحة مرآة كونية تطالع فيها كثيرًا من شواهد الألوهية، ومشاهد العبودية، فقد جعل الله تعالى النصف الأول من الفاتحة في معرفة الربوبية، والنصف الثاني في معرفة العبودية، حتى تكون هذه السورة جامعة، وتتكشف فيها الشريعة، ومنهـا إلى الطريقة، ومنها إلى الحقيقة، من خلال خطوط الاتصال النورانية مع خواتيم سورة البقرة.
وهي إذ تفتح للمؤمن أبواب الجنة الثمانية، فإنها تغلق المداخل الشيطانية الثلاثة: الشهوة والغضب والهوى، وتشكل الحركات السبع في الصلاة، تماثلا مع عدد آيات الفاتحة السبع، وأيضًا مع مراحل خلق الإنسان السبع.
كما تتجلى الفاتحة معراج المؤمن الروحاني والجسدي، فالشطر الأول منها مشتمل على الأسماء الخمسة، فتفيض الأنوار على الأسرار، والشطر الثاني منها مشتمل على الصفات الخمس للعبد فتصعد منها أسرار إلى مصاعد تلك الأنوار.
وتتوزع الأسماء الخمسة في الفاتحة {الله، الرب، الرحمن، الرحيم، المالك} على قواعد الإسلام الخمس، وأيضًا على أنواع القبلة الخمسة، وعلى الحواس الإنسانية الخمس، وعلى مراتب أحوال الخلق الخمسة، كما تتنزل هذه الأسماء الخمسة الواردة فيها على المراتب الخمس في الذكر المشهور: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي الفاتحة اسمان: أحد أسماء اسم الذات وهو {الرحمن} الذي يفيد تجلي الحق بصفاته العالية، ولذلك قال {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} وأحد أسماء الصفات وهو {الرحيم} الذي يفيد تجلي الحق بأفعاله وآياته ولهذا السبب قال {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}.
* الفاتحة.. مرآة كونية حين تقرأ الفاتحة بقلبك وفكرك ووجدانك ونفسك وحدسك وحسك، تبصر فيها عجائب عالم الدنيا والآخرة، وتطالع فيها أنوار أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وحلقات الدين السابقة، وأسرار الكتب الإلهية، والشرائع النبوية، وتصل إلى الشريعة، سعيًا إلى الطريقة، وصولا إلى الحقيقة، وتطالع درجات الأنبياء والمرسلين، ودركات المغضوب عليهم والضالين.
فإذا قلت {بسم الله الرحمن الرحيم} فأبصر به الدنيا إذ باسمه قامت السموات والأرض.
وإذا قلت {الحمد لله رب العالمين} أبصرت به الآخرة {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
وإذا قلت {الرحمن الرحيم} فأبصر به عالم الجمال، وهو الرحمة والفضل والإحسان.
وإذا قلت {مالك يوم الدين} فأبصر به عالم الجلال وما يحصل فيه من الأحوال والأهوال.
وإذا قلت {إياك نعبد} فأبصر به عالم الشريعة.
وإذا قلت {وإياك نستعين} فأبصر به الطريقة.
وإذا قلت {اهدنا الصراط المستقيم} فأبصر به الحقيقة.
وإذا قلت {صراط الذين أنعمت عليهم} فأبصر به درجات النبيين والصديقين والصالحين.
وإذا قلت {غير المغضوب عليهم} فأبصر به مراتب فساق أهل الآفاق.
وإذا قلت {ولا الضالين} فأبصر به دركات أهل الكفر والضلال على كثرة درجاتها.
* وفي الفاتحة مفاتيح أبوابها إذا قرأت سورة الفاتحة بهذه الطريقة، ووقفت على أسرارها انفتحت لك أبواب الجنة الثمانية، وهو المراد من قوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}، فجنات المعارف الربانية انفتحت أبوابها بهذه المقاليد الروحانية، وهو الإشارة إلى ما في الصلاة من المعراج الروحاني:
الباب الأول.. باب المعرفة.
الباب الثاني.. باب الذكر وهو قولك {بسم الله الرحمن الرحيم}.
الباب الثالث.. باب الشكر، {الحمد لله رب العالمين}.
الباب الرابع.. باب الرجاء، {الرحمن الرحيم}.
الباب الخامس.. باب الخوف، وهو {مالك يوم الدين}.
الباب السادس.. باب الإخلاص وهو {إياك نعبد وإياك
نستعين}.
الباب السابع.. باب الدعاء وهو قولك: {اهدنا الصراط المستقيم}.
الباب الثامن.. باب الاقتداء بالأرواح الطاهرة، والاهتداء بأنوارهم، وهو قولك: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
وفي اللقاء القادم: (خطوط الاتصال النورانية بين الفاتحة وخواتيم سورة البقرة) إن كان في العمر بقية.