الدكتور مجدي يعقوب أيقونة مصر الطبية في العالم ولا أعرف لماذا تتجاهله جائزة نوبل في الطب رغم اكتشافاته العلمية في تطوير جراحات القلب.. وتُطرح تساؤلات عدة لمعرفة السبب؛ لأنه ـ مثلا ـ الطبيب النفسي الشهير فرويد لم يحصل عليها، وغيره كثيرون..
وفي تخصصه يأتي آلاف الجراحين على مستوى العالم وراءه، وكالفلاسفة ونجوم الفكر والأدب والسينما، إذا دخل مكانًا أفُسح له، وإذا تحدث في محاضرة أنصت الجميع، بينما يُعطي الوقت الأكبر لمحاضر في أي مؤتمر، وحكي لي الصديق أستاذ جراحة القلب البارز الدكتور محمد عمارة الكثير عن الدكتور مجدي يعقوب، وقصة نجاحه المبهرة، واكتشافاته، وأقتبس من حديثه وأفكاره بعضًا مما يأتي في هذا المقال.
قال لي د. عمارة إنه كان في محاضرة دولية، وتكلم د.مجدي لخمسة وأربعين دقيقة، وهي المدة الأطول في أي محاضرة علمية، وقال لي: إذا تكلم د.مجدي فإنك لا تستطيع إلا أن تنصت وتتعلم مهما كان قدرك العلمي.. هكذا يتعلم، ليس الطلاب فحسب، إنما الاساتذة الكبار، من د.مجدي، وهم دائمًا يستمعون منه إلى أشياء لا يعرفونها، أما وهو في غرفة العمليات، كما يقول د. عمارة، فهو ساحر.
إن قصة التضييق على الإنسان من دافع الحقد، الحسد، الغيرة، والرغبة في الإيذاء، ليست جديدة على الناس، هي قديمة وتاريخية وتتكرر طوال الوقت.
وعند د.مجدي (86 سنة) فإن عدم تعيينه في القسم في قصر العيني كان سببًا في خروجه إلى أرض الله الواسعة، يسافر ويتحدى ويتعلم ويبرز، ثم يعود بنفس صافية وثقة ليخدم أبناء بلده، فعلى الأقل فإن أهل بلده لم يضطهدوه بكاملهم، إنما بعض أو أحد ضيقي الأفق.
د.مجدي دفعة قصر العيني سنة 1957 ودققت في مسألة عدم تعيينه معيدًا عقب التخرج وعرفت قصة شديدة التأثير، عندما قال له مسئول في الكلية: يدك يد ملاكم وليست يد جراح.. فخرج من مصر بغصة شديدة، ويلف الزمن ليحتاج واحد من عائلة الأستاذ الذي رآه ملاكما جراحة في القلب في لندن، ويكون الذي يجريها هو د.مجدي نفسه..
بعدها يأتي الطبيب العالمي إلى مصر ويقيم له الأستاذ حفل تكريم، يتحدث فيه د.مجدي قائلا بهدوئه المعتاد: أحب أن أشكر أستاذي لولا أنه طردني واضطهدني ما كنت مجدي يعقوب.
من تتبع سيرته، نجده وقد سافر إلى ولاية شيكاغو في البداية ليكمل تعليمه، ثم ينتقل إلى بريطانيا سنة 1962 ويحصل على الزمالة الملكية من ثلاث جامعات.
وبحثت كثيرًا في الفترة الأمريكية في حياة د.مجدي، ولم أصل إلى شيء. ولكن في بريطانيا تأتي أهمية سنوات العمل الأولى كون الدكتور مجدي برهن هناك على قدرته على التحدي تحت أي ظرف؛ حيث تبناه الجراح الجنوب إفريقي "دونالد روس" وكان مضطهدًا بدوره لأنه ليس انجليزيًا.
لقد أرسلوا د.مجدي إلى مستشفى هارفيلد، وهو أصلًا مصحة صدر، وكان "دونالد روس" قد بدأ يجري عمليات قلب، وأجرى عمليته المشهورة علميًا بـ"روس بروسيديور"، وساعده د. مجدي.
وكانت هذه هي البداية للدكتور مجدي يعقوب ثلاثية طبية مضيئة: قلب الأطفال، حيث إبداعه الرائع، ثانيًا: استكمال عمل الجراح اللبناني "جاتاني" المهاجر للبرازيل في عملية انقلاب مخارج الشرايين من القلب، وكان لدينا "جاتاني بروسيديور"، وأصبح عندنا "يعقوب بروسيديور"، وثالثًا: إصلاح مقعد الأورطي وسميت بـ"عملية يعقوب"، ثم هو الذي اهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب، ونقل الكثير من القلوب في جراحات شهيرة.