أمرنا الله تعالى بصيام شهر رمضان، ولكونه هو الرءوف الرحيم نجده لم يشقق علينا بل أعطانا رخصة مؤقتة لمن كان منا لديه عذر دون أن يسقط عنا هذا التكليف والفرض، فقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة : 185]، وبّين لنا سبحانه أن الصيام هو سبيلنا للتقوى، فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة : 183]، ونبهنا جل شأنه على لسان نبيه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الصيام له وهو يجزي به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به"؛ والسؤال: لماذا خص الله تعالى الصيام بأنه لنفسه فقط دون سائر أركان الإسلام الخمسة؟
السبب
يرجع الدكتور أحمد عمر هاشم ـ رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف السبب في أن خص الله تعالى الصيام بأنه لنفسه، لأن الصيام عبادة لا يطلع عليها أحد إلا الله رب العالمين، ويضيف: نحن إذا صلينا يرانا الناس ونحن نصلي، وإذا حججنا يرانا الناس ونحن نسعى ونطوف، وإذا زكينا يرانا الناس ونحن نزكي؛ ولكن في الصيام فلا أحد يعلم أننا صائمون إلا إذا قلنا، وقال المرء منا إنه صائم؛ ولهذا فالصيام عبادة سرية وطاعة خفية ولا يطلع عليها إلا رب البرية، ودلالة قاطعة وحجة ساطعة على الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ولقد ورد في الأثر أن الصيام هو العبادة الوحيدة التي لم يعبد بها أحد من قبل على الأرض إلا الله، فلم يعبد غيره سبحانه بها، فقد يُسجد لغيره كما يسجد المشركون للأصنام؛ ولكن في الصيام فلم يؤثر لغير الله الذي هو عبادة دالة على صدق صاحبها مع الله.
ويضيف الدكتور عمر هاشم : ولهذا فالصائم الذي يمسك نفسه عن الشهوات والملذات والآثام فلا يتكلم بفاحش القول، ولا يخاصم، ولا يرتكب ما يغضب الله، ولا يرد على الإساءة بمثلها؛ خوفًا من الله ومراقبةٍ له، ويحافظ على السر الذي بينه وبين ربه، وهو الصيام، وكان في وسعه أن يأكل ويشرب ويقضي شهواته بعيدًا عن أعين الناس، ولكنه امتنع عن ذلك خشيةٍ لله، وخوفاً منه، وتنفيذاً لأوامره، وطاعةٍ له، استحق أن يكون جزاؤه مباشرةً من الله، لأن جميع الأعمال قد يداخلها شىء من الرياء أو المباهاة إلا الصوم؛ فإنه لا يصاحبه شىء من ذلك كونه سرًا بين العبد وربه، ولذلك أضافه الله تعالى لنفسه في قوله: "إلا الصوم فإنه لي"، وجعل له وحده الجزاء عليه في قوله: "وأنا أجزي به"، لندرك مدى فضل الصيام وعظيم الجزاء عليه من المولى عز وجل.
فريضتان
ويوضح الدكتور مجدي عاشور ـ مستشار مفتي الجمهورية أن الصلاة والصيام هما من أركان الإسلام الخمسة، وفرضا علينا من رب العالمين، لقوله تعالى:{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }[النساء : 103]، وقوله جل شأنه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة : 183]؛ ولهذا من صام رمضان وجب عليه أن يصلي، لأن من كان منا صائمًا ويصلي فهو أرجى ثوابًا وأجرًا وقبولاً ممن لا يصلي؛ فالصلاة قد يسر الله تعالى سبل أدائها علينا لمن كان منا مدركًا عاقلاً ومميزًا حتى لا تكون لنا حجة، فنحن إذا كنا غير قادرين على الوضوء أمكنا التيمم، وإذا لم نستطع الوقوف صلينا جالسين، وإذا كنا عاجزين عن الحركة نهائيًا وطريحي الفراش لا يمكننا الجلوس ولا الوقوف أمكنا أن نجري حركات الصلاة على قلوبنا وألسنتنا؛ ولهذا فمن مات وعليه صلاة فلا يصلي عنه غيره، وإنما نستغفر الله له، وندعو له، أو نتصدق عنه أو غير ذلك من أبواب الخير.
ويكمل الدكتور عاشور: أما في الصيام؛ فالأمر يختلف عن شأن الصلاة، فالله تعالى فرضه على المستطيع القادر غير المعذور، ولم يفرضه على المريض أو المسافر أو الحائض أو النفساء، ولا على الحامل أو المرضع إن خافتا على نفسيهما أو على ولدهما من الصيام، فكل هؤلاء عليهم القضاء ـ أي صيام ما فاتهم من أيام شهر رمضان بعد رمضان ـ إلا إذا كان الإنسان مريضًا مرضًا لا يُرجى شفاؤه، فهنا يجب عليه أن يخرج عن نفسه أو غيره عنه فدية إطعام مسكين عن كل يوم أفطره وهي قدرها 10 جنيهات.
ويضيف الدكتور عاشور: ولكن إذا مات الإنسان وعليه صيام وكان باستطاعته القضاء قبل موته ولم يقضه، صام عنه وليه ـ أي ـ أحد من أهله؛ وبذلك تبرأ ذمة الميت مما عليه من صيام، لقوله صلى الله عليه وسلم :«من مات وعليه صيام صام عنه وليه إن شاء» رواه مسلم، ولما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال يا رسول الله : إن أمي ماتت وعليها صيام شهر، أَفأَقضيه عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لو كان على أمك دين أكنت قاضية عنها؟ قال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى».
نصائح
ويوجه الدكتور نوح العيسوي ـ وكيل وزارة الأوقاف لشئون مكتب وزير الأوقاف: عدة نصائح لمن أراد الفوز حقاً بهذا الشهر الكريم الذي يضاعف فيه الأجر عن غيره من شهور السنة، وهي: ضرورة الاجتهاد في الطاعات والعبادات، والحرص على الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن، والذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء، والإكثار من الصلاة والسلام على خير الأنام، وصلة الأرحام والبعد عن الشقاق والخصام، وعن كل ما ينقص ثواب الصيام، كالغيبة والنميمة، والسماع والنظر للمحرمات التي يأثم الصائم إذا فعلها وقد تذهب بكل أجر صيامه إذا كثرت، لقوله صلى الله عليه وسلم :« رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إِلا السهر» رواه النسائي، وأن نحسن التعامل مع الآخرين، ونطعم الصائمين، ونعطف على الفقراء والمساكين بإخراج زكاة الفطر التي هي خير لهم وطهارة لنا في أي وقت خلال هذا الشهر الكريم، وإن كان يفضل في أوله وليس في آخره حتى يستعدوا مثلنا لاستقبال العيد؛ وألا نتغافل عن العشر الأواخر منه والتي كان يجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا لالتماس ليلة القدر، لما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» رواه مسلم؛ مع الحذر كل الحذر أن نفطر فيه يومًا عمدًا دون عذر لأن ذلك حرام شرعًا ويستلزم التوبة والقضاء لهذا اليوم ما لم يكن بسبب علاقة زوجية، أما إذا كان بسبب ذلك، فهنا يجب على الزوجين التوبة والاستغفار لأنهما ارتكبا إثمًا عظيمًا كفارته صيام يوم على الزوجة، وستين يومًا متتالية على الزوج أو إطعام ستين مسكينًا.
ويضيف الدكتور العيسوي: فرمضان شهر عبادة وعمل وليس نومٍ وكسل، والمباح فيه للصائم هو الاستحمام بالماء بشرط عدم بلع شىء منه، والحقن بأنواعها، والأدوية التي لا تصل للجوف كالمراهم، والمضمضة والاستنشاق بدون المبالغة في ذلك، والقطرة والكحل والحجامة، وبلع الريق والنخامة وما لا يمكن الاحتراز منه كالغبار ونحوه، وتذوق الطعام بشرط ألا يدخل منه شىء إلى الجوف، واستعمال السواك، والتطيب؛ ولهذا من صامه إيماناً واحتسابًا غفر ذنبه ودخل الجنة من باب الريان، لقوله صلى الله عليه وسلم :« من صام رمضان إيماناً واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري، وقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم :«إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» رواه مسلم.